د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: ثوابتٌ .. في سياسة العَسكرِ الأربعاء سبتمبر 14, 2011 6:59 am | |
| ثوابتٌ .. في سياسة العَسكرِ د.طارق عبد الحليم
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
من المُهم أن يتفهّم البَاحث في مستقبل مصر القريب، ما عليه سياسة أولئك القابعين على سُدة الحكم اليوم، وهم، في حالتنا هذه "المجلس العَسكريّ"، وبكلمة أخرى، الحاكم العسكريّ، ليَستشِف منها ما هو مُمكن، وما هو متاحٌ، و ما هوغير مطروحٍ على مائدة البحث.
هناك ثوابتٌ في سياسة العَسكر الحاكمين لمصر اليوم، والذين استبدلهم الشَعب بحسنى مبارك. من هذه الثوابت ما هو أيدولوجيّ، ومنها ما هو إقتصاديّ وسياسيّ وعسكريّ.
فالثابت الأيديولوجيّ، هو أنه لن يَسمحِ العسكر، عن رضىً، بقيام دولة تحكُم بشَرع الله. وهو ما عبّر عنه مُتحدثهم بغاية الوضوح والصراحة من قبل. وهو ثابتٌ يتفق مع توجّهات أفراد المجلس ذاته، ومع ما هو عليه عَسكرُ البلاد الديكتاتورية عامة، والذين ينغَمِسون في السّياسة خاصة. وهؤلاء القابعون على سُدة حُكمِ مصر، أبعدُ الناس عن دين الله، عقيدة وعَملاً. وهم يعلمون أنّ أحكام الشريعة ستكون سيفاً على رقابهم. والمجلس قد قرر بالفعل أن يمضى قدماً في إنفاذ تلك الوثيقة التي تنص على كفر الدولة التي يسمونها "مدنية"، وسيصدرها لما يسميه الحوار التوافقيّ، متخذاً من شُلة ساويرس، والبرادعي ومغفلى إئتلافات الثورة تكئة لإمرار هذه الكارثة. وهي كلها الاعيبٌ كفرية خالفها الإخوان والسلفيون والجماعة الإسلامية والأحزاب المنبثقة عنهم. ولا يزال ردّ الفعل الإسلاميّ على هذه المكيدة غير واضح أو معروفٍ.
والثابت السياسيّ للعسكر، هو الركون إلى الغرب، وإلى تأمين مصلحة إسرائيل، ووضعها فوق مصالح الوطن، ليتحقق بذلك استمرار الدعم الإقتصاديّ للعسكر، والذي يدخل إلى جيوب كبرائهم، وليأمنوا الدخول في حربٍ تضع كفاءتهم الضعيفة وإرادتهم المنهارة على المحكّ. ومن هنا فإن السياسة الخارجية لمصر لن تتبدل قيد شبرٍ مما كانت عليه أيام مبارك. وقد رأينا ذلك في أمورٍ عدة، منها عدم الإعتراف بالثورة الليبية إلا بعد هروب القذافيّ، وعلى مضض، ومنها الموقف الجبان من قتلى سيناء، ومنها الموقف المُخزى الصامت من مجازر بشار النصيري في سوريا، تماما كما كان يفعل مبارك، يَدسّ رأسه في الرمال، كأن شيئاً لا يدور حوله. ثم موقفهم من فتح معبر رفح، للتموين ومستلزمات البناء، وهو ما رفضت إسرائيل والولايات المتحدة أي تغيير في وضعه، وإلا ..! إذن، نحن أمام مجلس عسكريّ حاكمٍ لمصر، قاهرٍ لها، متذللٍ للغرب، منصاعٍ له، مؤتمرٍ بأمره.
والثابت الإقتصاديّ، هو أن هذا المجلس لن يعمل عملاً واحداً في سبيل تحقيق نهضة إقتصادية، لأسباب عدة، أولها، أن هذه النهضة تقتضى الضرب على أيدى السّارقين لموارد الدولة، وهم على رأس هؤلاء، منذ أن اطلق مبارك أيديهم في الأعمال التي يديرها الجيش لحسابهم، وخولهم تحويل إمكانيات الجيش الهائلة إلى تجارة خاصة عملاقة لا دخل للدول بها. ثم، تلك العلاقات الوثيقة التي تجمعهم برجال الأعمال من محترفي السرقة منذ عهد رأسهم ورئيسهم مبارك، وهي علاقات لا تنقطع بمجرد إزالة شخصٍ من منصبٍ.
ثم الثابت الإجتماعي هو رفض ذلك المجلس لأية محاولة لتحقيق العدالة الإجتماعية، وهو ما ظهر من عدم إصدار أي قانونٍ للحدّ الأدني أو الأعلى للأجور. كما رفض أي إصلاحٍ حقيقيّ في كافة المؤسسات الموجهة للجماهير، كالإعلام والتعليم، وأبقى على رؤوس الفتنة في مناصبهم، بعد أن دلّس على الشعب بمحاكمات وهمية لعدد من القيادات.
والثابت العسكريّ، أنّ هذا المجلس لن يحاول أن يسترد كرامة مصر، لأنّ الله قد ضرب على قلوبهم الخوف والرعب من العدو، وأثرت فيهم سنوات الخيانة والعمالة بما جعلهم أذناب الآلة العسكرية الإسرائيلية.
الخلاصة، أنّ هذا المجلس أسوأُ وأشرس وأنكى على شعب مصر، ومستقبلها ودينها، من حسنى مبارك، مرات عديدة. فإن هؤلاء يتصورون أنفسهم بشراً ليسوا من البشر، لا يصح نقدهم، ولا تصحيح مسارهم، وهم يملكون القوة الباطشة. ولا نعلم والله من أعطى هؤلاء الجنود، قليلي الدين، قليلي العلم، قليلي الحكمة، قليلي الضمير، حُكم هذه البلاد؟ بأي أمارة قفزوا على مقعد الحكم، يريدون أن يفسدوا على مصر عقوداً قادمة، كما أفسد مبارك عقوداً سالفة؟ أليس دورهم يقتصر على مُواجهة عدوٍ غاصبٍ، والذود عن أبناء البلد، لا أن يضعوا لها دستوراً يحكُمها أجيالاً بعد اجيال؟
مصرُ مقبلةٌ على جرفٍ هار، إما إلى كفرٍ سافرٍ، أو إلى إسلامٍ ناصعٍ، والشهادةُ في سبيل الله هي الفيصل بينهما. والعِبرةُ بما سنرى لا ما نسمع.
(كُتبت هذه المقالة قبل أحداث جمعة التصحيح وما تلاها من قرارات العسكر التى كشفت عن وجههم الحقيقيّ).
* 13 سبتمبر 2011 | |
|