المواجهة .. وأحزابٌ على الأعراف

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

ذكرتنى المواجهة المرتقبة بين فصائل الشعب المصريّ، وبين المجلس العسكريّ الخائن، بذلك الموقف الرهيب الذي وصفه رب العالمين في سورة الأعراف 46 "وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌۭ ۚ وَعَلَى ٱلْأَعْرَافِ رِجَالٌۭ يَعْرِفُونَ كُلًّۢا بِسِيمَىٰهُمْ ۚ وَنَادَوْا۟ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ"، أي يقف بين أهلِ اليَمين وأهل الشِّمال، أهل الجنّة وأهل النَار، رجال الأعراف.

أهل اليمين، في موقف المُواجهة، هم عامّة الشّعب المِصريّ، المَظلوم المقهور، وهم صَفوة أهل السُّنة، من أهل السُّنة والجَماعة، والواعين من الجبهة السلفية، وكثيرٌ ممن هم من أهل الإسلام. هم الذين يعرفون الحق، ويثبتون عليه بإذن الله، لا يتذبذبون ولا يتراوحون. منهم - إن شاء الله - عبد المجيد الشاذليّ، وحازم أبو إسماعيل، ووجدى غنيم، وراغب السّرجاني، وهاني السباعي، ومحمد شاكر... وهم غيضٌ من فيض، وكلُّ مخلصٍ على مذهب هؤلاء ممن وَضُحت رؤاهم، ووثقت خُطاهم، واتّسَقت أقوالهم، واتحَدت أفهامهم، ولم تغبّش على الحق في أذهانهم ظُلمات الباطل، ولم يتّبعوا في طريق الحق سُبل أي مداهنٍ أو مُماطل.

وأهل الشِمال، في موقف المُواجهة، هم أذنابُ الصَليبيين والصهاينة، الذين أسماهم المخلوع "المَجلس العَسكريّ"، ومن سار سَيْره، ووالاه وداهنه علناً، مثل طلعت السادات، أو سراً كالبرادعيّ، عليهم جميعاً من الله ما يستحقون، فهم أصحاب كلّ نقيصة، وأعداء كلّ فضيلة، وهم أولياء الشياطين وأعداء أولياء الله الصالحين. غَدروا بالمصريين بعدما أسلموهم رقابهم، عشية الثورة، ظناً من الشعب أنه قد يأتي من هؤلاء خير، لكنهم نَسوا قول الله سبحانه "إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا۟ خَـٰطِـِٔينَ" القصص 8، فهؤلاء العسكر هم جنودُ الفرعون المخلوع وعونُ هامان العادليّ المحبوس، لا خير فيهم.

ثم، وياللحَسرة، أهل الأعراف، في موقف المُواجهة، وهم أولئك الذين اختلطت عليهم الأمور، أو خَلطوها على أنفُسهم، فهلكوا بالحسنى السيئة، كالإخوان، وتلك الفئة القليلة المنحرفة من السلفيين أتباع كل حاكمٍ، وزمرة التوافق العسكريّ كمحمد حسان وصفوت حجازى. هؤلاء وقفوا على أعراف المواجهة، يريدون أن يكون لهم نصيبٌ من كل جانب، فراوحوا في أماكنهم، ينظرون حولهم، لا يطمئنون إلى اليَمين، فيُخلِصون العَزمة ويُمضون العزيمة، ويقفون في وجه الطغيان البيّن، ثم يَطمعون أن ينَالهم نصيبٌ من الفوز دون أن يعملوا له. ولا هم يخلدون إلى الشمالٍ ويلقون بأنفسهم في رَكب الشيطان جُملة، فيكونوا صرحاء مع أنفسهم ومع الناس، في كسب الدنيا، إن تحقق لهم ذلك.

ثم إن موقف أهل الأعراف هو أكثرُ المواقف تخليطاً على العامة، وإبهاماً للصورة، وتزييفا للواقع. إذ لا يعرف الناظر أيطمئن إلى ما يحدث و"يكفى خيره شره" كما يقال؟ أم يُراوده الشكّ فينْفَعِل فيفعل؟ وهذا الموقف هو الذي يتسبب بطريقٍ مباشر في إحباط الحركات الجماعية، إذ يفقد الجمع بوصلة الإتجاه، فيلجأ كلّ إمرء إلى بوصلته الخاصة، فتتشَابك الخطى، وتتداخل المسارات، ولا يستفيد من هذا الهرج إلا العدو.

أحسب أن موقف أهل الأعراف هو أشدّ المَواقف عُسرة وأقساها وَطأة على نفوس أصحابه. فأهل اليمين على يقين مما هم فيه، لا يترددون ولا يتذبذبون، وأهل الشمال على يقين مما هم فيه، لا يترددون ولا يتذبذبون. طلا الفريقين على ثقة مما هو فيه. وكلاهما يعرف عدوه ويستعد له. لكنّ رجال الأعراف لا يعرفون عدوهم، فالمَجلس العسكريّ تارة مخطئ متجاوز، وتارة صديقٌ وأهل ثقةٍ متعاونٌ. لا يخلص لهم رأي واحد، بل هم في آرائهم مضطربون متلجلجون، وهو ما أدى بهم إلى هذا الموقف المتذبذب، على أعراف المواجهة.

لا أجزِم، ولكن يغلب على ظنّي أنّ هؤلاء، من رجال الأعراف وأحزابه، قد إعتادوا مثل هذا التشَتّت والخَلط، بحيث أصبح الأصل أنّ يحتاروا ويتخبّطوا، ولو حَدث أن كان الموقفُ سهلاً يسيراً لا يدعو إلى إختلاط أو حيرة، إفتعلوا لأنفسهم ما يُمكن أن يعود بهم إلى الأصل!



ونحن ندعو أهل الأعراف، من المُتراوحين والمُتذبذبين، أنْ هذه فرصَتكم في اللحاق بأصلح الفريقين عملاً وأخلصهم نيّة، وأن لا تجعلوا موقفكم هذا دليلا على مَكانِكم يوم يقوم الحساب.



* 8 أكتوبر 2011