د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: يا أهل السُّنة .. عودوا إلى دَعوتِكم الأربعاء أكتوبر 26, 2011 7:20 am | |
| يا أهل السُّنة .. عودوا إلى دَعوتِكم
د. طارق عبد الحليم
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
في ضَوء هذا الموقف الذي ترتَسمُ صورتَه المُحزِنة على أرضِ مصر، وفي ظل هذه الغفلة التي سيطرت على عقول وقلوب غالب القائمين على الدعوة شيوخاً، أو المنتسبين إليها شَباباً، بعد أن زيّن لهم العَسكر ما يُلهيهم ويَستنفذ طاقاتَهم، ويحصر جهدَهم في إتجاه محدّد، معروف البداية والمَسار والنهاية، مُلوثٌ بالفلول والعلمانيين، وشتى الإتجاهات المريبة، ليكرّس، في أفضل الأحوال، إعتماد كليّات الشريعة كأحد مصادر التشريع، كما في المادة الثانية، دون أحكامها وتفاصيلها، فإننا نرى أنّ واجب أهل السُنة والجماعة ألا يَصرفوا جَهداً أكبر، وألا يضيعوا وقتاً أطول في تتبّع هذه اللعبة السخيفة المُهيئة للغَافلين سلفاً، أو الإشتراك فيها، بل أن يعودوا بوعيّ تامٍ وتصميم ماضٍ إلى دعوتهم لإحياء الأمة، وشرح التوحيد، محمّلين بخِبرة لم تكن لتتاحَ لهم لولا تلك التجربة الماضية المريرة، التي كشفت عن كثيرٍ من المخبوء، وعرّت كثيراً من المستور.
كان المَرجو، لو كتب الله النجاح لإنتفاضة الشعب في 25 يناير، أن تتخذ الدعوة مساراً جديداً، تعمل من خلاله على نشر وتصحيح المفاهيم، بسعةٍ وسهولة في الحركة، تمَكّنها من الوصول إلى أكبر عدد من المسلمين، بأفضل صورةٍ وأصح مفهومٍ، دون عوائق ولا مخاوف. كما كان المرجو أن يبدأ التنسيق والعمل بين الدعاة على الساحة، وبين المجالس التشريعية، والجهات التنفيذية لتسهيل مهام الدعاة واستثمار الجهد المبذول. لكن، إذا بنا نواجه تربصاً أمنياً، وهجوماً إعلامياً، وإذا بنا نحاصر بقوانين تمنع، عملياً، أن نتلو بعض آيات القرآن، التي تتعلق بثوابت عقدية كالتوحيد والتثليث، وتجرّم الداعية أن يبين للناس أن التثليث كفرٌ، وأنّ أهله كفارٌ مُخلّدون في جَهنم، بل وتُجَرّم من لا يقبل زواج صليبي بمُسلمة، على أساس مبدإ عدم التمييز المزعوم، وإذا بنا نُحاصر فيما نقول وما نفعل، بأمن الدولة الذى زعموا أنهم حلوه (يظهر حلّوه بمعنى جعلوه أكثر حلاوة بمزيدٍ من الضباط!)، لا أمن ولا استقرار.
إن شرعية دخول هذه البرلمانات تنشأ في ظلً إحدى حالتين لا ثالث لهما، أن يتفق الناس على إسلامية الدولة، وهو ما يسعى اليه من يسعى من خلال مواجهة العسكر، وإعلان هوية الدولة بلا ضبابية، أو في حالة غيابٍ دُستوريّ أو قوى مسيطرة حاكمة، يجعل ظُهور المسلمين للسيطرة وإعلاء كلمة الله ضَرورة واجبة، كما حَدث في أيام الإستفتاء. أما الوَضع اليوم، فهو ليس بهذا ولا بذاك، إذ صرّح العسكر بنيّتهم في البقاء في الحُكم وفي علمانيته، وأن أقصى ما يمكن رجاؤه منهم هو هذه المادة الدستورية الثانية العرجاء، التي ليس لها بتطبيق أحكام الشريعة نسبٌ البتة، وأصبح الأصل أنْ يتسلّم مدنيون الحكم، بأي وسيلة كانت، قبل أية إجراءات أخرى. وإدعاء أننا بهذا سنترك المجلس لغيرنا يستحوذ عليه، هو إدعاءٌ باطلٌ إذ إسقاط المجلس أسهل من إسقاط المجلس العسكريّ مراتٍ ومرات. وإنما يصدق هذا عند من عزم النية أن يستمر في هذه اللعبة مهما كانت النتائج الدستورية القادمة، وهو ما نراه في صلب منهج الإخوان، وللأسف، في المنهج السَلفيّ المروَّض المُحْدَث. هي أوهامٌ يعيشها هؤلاء الحَالمين، ليس لها رصيد على أرض الواقع. أما من أراد من هؤلاء المشاركة في هذه اللعبة العبثية تحت تأويلٍ، فله فسحة حتى يعرف عبثها، ويعود إلى الدعوة للمواجهة.
إذن، فعلينا أنْ نعود إلى التركيز على المنهج الأصليّ للدعوة في ظلّ مناهج وضعيةٍ، غير إسلامية. وأن نباشر في إعادة منهجة الدعوة والعمل على إقامة كوادرها بأسرع وأفضل ما يمكن. والطريق إلى ذلك ، فيما نرى، هو في إنشاء جمعيات أهلية قوية، تنتشر في أنحاء مصر، لتكون مركزاً ومرجعاً لأهل السّنة والجماعة، وأن تتميز بشعاراتها ومنهجها وأسلوبها الدعويّ، إذ إنها لا تزال تختلط بالدعوة السلفية التي، في بعض الجزئيات الشرعية، تختلفُ معها في كثيرٍ من الكليّات الشرعية، والرؤية السياسية، وتقييم الواقع، ومن ثم سُبل الحلّ ومناهج الدعوة.
وإقامة الجمعيات الأهلية له ميزاته عن موضوع الأحزاب، الذي وقعت في براثنه غالب الإتجاهات الإسلامية، من حيث الأصل والفروع. فالأصل، هو انّ هذه الأحزاب قد تكونت دون تحقق من المرجعية الدستورية، التي سينبنى عليها نظام الدولة، وهو ما يجعل شرعيتها مشكوك في أمرها ابتداءاً. وقد يسأل سائلٌ: وكيف إذن نصلُ إلى المجالس التشريعية لنملى الدستور الإسلامي إن لم نكون الأحزاب؟ قلنا: هذا خُلفٌ في التفكير وفي العمل جميعاً، فإن الواجب أصلاً هو أن تُنتَزع السُلطة ممن أعلنوا أنهم لن يسمحوا للإسلامية الصحيحة أن تحكم، وممن ترك رؤوس النظام السابق تعود رويداً رويداً إلى الساحة السياسية والإعلامية، أي من المجلس العسكريّ، ثم يُعلَن عن إسلامية مصر من حيث المبدأ، على أن تأتي التفاصيل لاحقة بعد ذلك، وهذا القَدر لا يحتاج إلى أحزابٍ أو غيرها، وإنما يحتاج إلى مُواجهة المَجلس العسكريّ، كما يفعل الشيخ حازم ابو إسماعيل، حفظه الله.
فالجمعيات الإسلامية إذن لا تتقيد بضوابط الدولة السياسية، والتي تجعلها تسير في رِكاب الشّكل العَام المفروض من القوى العِلمانية الحَاكمة، كما في حالة الأحزاب. بل هي تمثلُ طائفة من الشعب، تنتشرُ بين الناس، تعينهم على الفهم والتحرك في إتجاه محددٍ، عقدياً وعملياً. كما يجب أن تكون أنشطة هذه الجمعيات متعددة الأوجه، فكرياً، وإقتصادياً، وإعلامياً، وأن تتحرر من أية إرتباطاتٍ أو ولاءاتٍ حزبية سياسية. وهذا التصور هو ما عرضناه منذ شهور عدة، حين ظهر أنّ الوضع السياسيّ في مصر لن يتغير، لعوامل داخلية ترتبط بمصالح العسكر، وعوامل خارجية تتعلق بمصالح الصهيونية والصليبية القبطية والعالمية.
* 25 أكتوبر 2011
| |
|