د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: هل يَصلحُ الفرع .. والأصلُ أعوجٌ؟ الإثنين أكتوبر 31, 2011 9:23 am | |
| هل يَصلحُ الفرع .. والأصلُ أعوجٌ؟
د. طارق عبد الحليم الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
أعود مرة أخرى إلى قضية المنهج، وعلاقته بصحة التصور وتقدير الأمور، فإنها قضيةٌ، فيما أحسب، مركزيةٌ فاصلةٌ بين من يتخَبّطُ في رؤياه، ومن ثمّ في قراراته، وبين من هو ثابتٌ على الحقَّ، يرى ما يحدث بنور من الله، وفي ضوء منهجه. وقد كتبتُ قديماً:
أيَصلحُ الفرع والأصلُ أعوجٌ؟ هذا حديث في العقول مُحـالُ
الفـرعُ جزءٌ لا يَصِح وجــودُه أصلاً، وأصلُ وجودِه هَلهَالُ
العلمُ أصلٌ، ثم فـرعٌ تـــــــابعٌ إلحاق فرع بالأصول عضالُ
فاحفظ أصُولك، إنها مَحفوظَة دوماً لتُرشِد في الحياةِ رجالُ
الأصول الكُليّة العامة، هي بمثابة مناراتٍ على ساحل الفكر والنظر، ترشد السارى إلى الطريق، فلا تختلط عليه المداخل، ولا تتشابك أمامه المسالك. وهي التي تصحح الفروع التي تندرج تحتها، لا العكس.
ومن أهم الأمور هنا أن أشير إلى أنّ أهمية الفروع (أو الجزئيات) في الأحكام الشرعية، ونعنى بها تفاصيل الأحكام من آياتٍ وأحاديث، تنبُع من إنها هي مُكونات الشرع الثابتة التي رصد من خلالها العلماء كليات الشرع وعموماته، إذ هي مفردات آيات الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثمّ يجب النظر فيها، بجانب أصولها على قدم واحدة، لا يُغضُ الطرف عن أيِّهما. أما الفروع التي نقصد هنا، فهى مسائل الإجتهاد خاصة في باب المصلحة المرسلة التي لم يثبت فيها نصّ بعينه، وإنما دلت عليها الشريعة بكلياتها العامة. وهذه الفروع، هي بلا شك تخضع لتصحيح وترشيد الأصول بشكل شبه تامٍ لأن تلك الأصول هي أصولها، بلا نصٍ شرعيّ محددٍ يقويها.
وأعود إلى حديث الواقع، وإلى تطبيق عمليّ لهذه الألغاز الأصولية. الحكم في مصر اليوم بيد المجلس العسكريّ عن طريق حكومة عميلة برئاسة عصام شرف، والمجلس العسكريّ يحكم بنظام مبارك، ديكتاتورية عسكرية، تعتمد على المنظومة الأمنية، وعلى تزييف الإعلام، وترويض العدل، وفساد القضاء. هذا هو الأصل في حكم البلد اليوم. أما انتخابات المجالس النيابية، والنقابية، والرئاسية، وكافة الإجراءات الأخرى من مناقشاتٍ ومناوشات لتحسين الأجور، وتخفيض الأسعار، وتأمين الوظائف، إن هي إلا فروع لهذا الأصل الحاكم، إن صَلُحَ صلحت، وإن إختلت، لم تقم لها قائمة. هكذا تعلمنا في أصول النظر والإستدلال.
من هنا يأتى زيفُ الفكرة القائلة إنّه يجب التريّث، وإنتظارُ ما تأتي به الإنتخابات، إذ نحن إذن نحاول شقّ المَاء بالمعولٍ.. وهيهات. لا يمكن أن يصلحَ فرعٌ وأصلُه سَاقطٌ خَرِبٌ. كما يظهرُ زيفُ القول الذي يتمسّك به من ليس له عِلم بالشّرع، أنّ "ما لا يدرك كله لا يُترك كله"، إذ يتعلق هذا بما لا يمكن إدراكه، إلا بجهدٍ خارج عن القدرة العادية المشروعة، والجهاد في موضع الجهاد، مشروعٌ مقدورٌ عليه، وإلا تعطلت كافة التكليفات التي تُلزم المسلم بأن يتخطى قدر المشقة العادية إلى التضحية بالمال والنفس في سبيل تحقيق مقصد الشرع، والذي غالباً ما يكون مقصداً مُتعلقاً بالصّالح العَام لا الخاص، وبالصّالح الحَالّ دون الآجل.
لا يصلح أن نترك الخَراب الحاصل في المجلس العسكريّ بدعوى أنه لا يجب أن "يترك كله"! فإن بعضه الذي سيُدرَك سيكون خاسِراً طَافحاً بالفساد، ملتفحاً بالعطن، مُستصحباً للطغيان والإستبداد، بل ومُعيناً عليه.
30 أكتوبر 2011
إلى المخربين .. في كتابة التاريخ
بقلم د. طارق عبد الحليم الأحداث التي تمر بها مصر اليوم، هي ما سيصنع تاريخ هذا البلد في العقود العديدة القادمة. فهي ليست أحداث تتعلق بترويع جماعة إسلامية، أو إصدار قوانين طوارئ مُجحفة، أو إجراء صَفقاتٍ مَشبوهة.إنما كل تلك الأمور أعراضٌ، تتكرّر ما بقيَ الداء مركوزاً في جسد الأمة، داء التَصّلت العَسكريّ العلمانيّ، المَحكوم بالصليبية العالمية.وإن الخطأ الذي يقترفه من هم مُوكّلون بأمر العامة، أو أكثرها، هو جُرمٌ كبير، إذ هم يكتبون تاريخاً كان من الممكن الواقع تغييره إلى الأفضل، إلى ما يحبه الله ويرضاه، ولكنهم أعرضوا ونأوا بجانبهم، فإلى الله المشتكى.
الأمر المفزع في عمل أولئك النفر، أنهم لا يقدرون، أو يقدرون ويتغافلون، عن حَرجَ هذه الفترة وحَساسيتها لإستعادة قوة الإسلام وهيبته التي غصبها العسكر عقوداً طويلة، والتي صارت لهم، باسم الدعوة في سبيله، أسماء وتلاميذ وفضائياتٌ ومناصب إرشادٍ وإمارات ومشيخات، وما لا يعلمه إلا الله، من حظوظ الدنيا. ثم إذا بهم يتنكرون لنفس الدعوة التي جعلت منهم رجالاً تُذكر أسماؤهم في المَحافلِ والمَجالس! نٌكرانٌ للفضلِ، وتنكُّر للجميلِ، وتولّى يوم الزحف، حقيقةً لا مَجازاً.
والأمر الأخطر من ذلك، هو تلك الحجج التي يأتى بها هؤلاء للتخلف عن هذا الزحف المقدس، إذ تعكس خلفية شرعية ضربت فيها البدعة وباضت وفرخت، سواء كانت بدع عقدية أو عملية. فالإخوان قد أفسَدت عليهم بدعة الإرجاء، التي صبغت مرجعياتهم، كلّ تصرفاتهم، واختلط عليهم صفاء الإسلام بشوائب الصوفية والإعتزال والعِلمانية بل والنصْرانية، التي آمنوا بأنها جزء من النسيج الإسلاميّ، مثله كمثل عقيدة التوحيد. وهذا الخلل قد حدث من جهة أنهم خلطوا بين مكونات المجتمع العَقدية ومرجعيّته الفكرية الإسلامية التي ليس لها إلا أن تعلو وتحكُم، بنسيج المُجتمع الطّائفيّ، فأثمرَ ذلك الخلطُ ثمرة السوء التي هي مفهوم المُواطنة، وتداخَلت المَذاهب المُنحَرِفة والكُفرية، وجاءت التَعليلات الفجّة مثل أن الإنتخابات قد تؤخرها المظاهرات! وأنّ ما لا يُدرك كله لا يُترك كله، فكانت هذه القرارات، وكان هذا البَلاء على تاريخنا الذي نَكتبه اليوم بأيدينا. ثم زاد الطين بلّة ذلك التطوّر العَمليّ البراجماتيّ المَصلحيّ الذى جعل مَصلحة الجماعة فوق المجتمع، ومَبادئ الجماعة فوق القرآن والسنة، وإن تَنصّلوا من ذلك قولاً! ومن ثم، كان الدين لديهم وسيلةً لا غاية.
ما عن الآخرين من المَشايخ السّلفية، فهؤلاء أسلَم عَقيدةً من الإخوان، لكنّهم أسرى تلك التَربية المُغْلقة الخَائفة المَهْزوزة، التي أنشأت مواقف متضاربة تُصادم قلبَ العقائد التي يتنادون بها. وهم، أو كثيرٌ منهم، يساهمون في تخريبِ تاريخِ مصر.
العجيب أن هذه المجموعات البئيسة، تفعل ما فعلته أيام الثورة كأنما لا ترى ولا تسمع ولا تفقه شيئاً. فأنت ترى موقف الإخوان من انتخابات 2010 المزورة، وما نصحهم به الناصحون، ولم يروا الرشد إلا بعد فضائح المرحلة الأولى. وهاهم اليوم يكرّرون ما فعلوه، باللهاث وراء الإنتخابات، مع إنهم يقرّرون أنهم مع مطالب الشعب!
القصد أنّ تاريخنا يزيف، ويمتهن، ويكتب بأيدى من لا يحترمون ديناً ولا وطناً، من العلمانيين والإخوانية والسّلفية المُرَوّضة.
لكن الأمل إن شاء الله في هذه المجموعة المباركة من أتباع السلف الصالح، بقيادة قلة من الرجال الذين صدقوا الله فصدقهم.
* 30 أكتوبر 2011
| |
|