د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: الإسلاميون .. وفتنة الإنتخابات الخميس نوفمبر 03, 2011 11:36 pm | |
| الإسلاميون .. وفتنة الإنتخابات
د. طارق عبد الحليم الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
من المقرر المُمهد في أصول الشريعة أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، إذ الفتوى ليست هي الحكم الشرعي، بل هي إسقاط لحكمٍ شرعيٍ أصليّ على واقعٍ محددٍ زماناً ومكاناً وحالاً. هذا من بديهيات الشريعة وأولياتها. ومن ثم، فإن الفتوى المتعلقة بموضوع ما قد تتغير كل يوم، بل كلّ ساعةٍ، بتغير الزمان، أو المكان أو الحال. وثبات الفتوى، أو ثبات أهلها عليها على الأصح، لا يدل إلا على أنهم إما قائمون في مكانهم لا يبرحون، ولا تتحرك الأحداث من حولهم، أو أنهم واهمون في فتواهم، مخطئون فيها.
إن تقرر هذا، فإن موضوع المشاركة في الإنتخابات البرلمانية، مثال حيٌّ على هذا المبدأ العام. فإن أهل السنة والجماعة، بلا استثناء، قد أفتوا بعدم حلِّ الدخول في الهيئات البرلمانية قبل أحداث 25 يناير، أو الإشتراك في انتخاب ممثليها. وهذه الفتوى كانت بناءاً على واقعٍ قائمٍ آنذاك، وهو علمانية الحكم، واقعاً وتطبيقاً، وإن تمحك البعض بهذه المادة الثانية التي لا دلالة فيها على التزام أحكام الشريعة، بل مبادئها الكلية، التي تشترك فيها مع كافة مبادئ الدساتير الوضعية ومقررات الأديان السماوية المحرفة.
ثم قامت انتفاضة 25 يناير. وكان من جراء ذلك أن تبدلت الأوضاع، وشاع جوّ جديد، مهد لمسرحٍ واقعيّ خلت فيه الساحة من دستور تواضع عليه الكلّ ورضوا بالتحاكم اليه، واستُبدل بإعلان دستورى، كان من المفترض أن يكون مؤقتاً لحين إعلان الدستور الجديد. وظهرت على الساحة قوة الإسلاميين، التي كنا نظن أنها قوة ذات مخالب حقيقية، تُخيف دون أن تعتدى. فما كان من أصحاب العقول من أهل السنة إلا أن أفتوا، في ذاك الوقت، بأنّه لا يصح أن يُترك الأمر للعلمانيين، يتحكمون في إخراج الساحة السياسة مخرجهم، ويلطخوها بلونهم، بل، كان الأمر وقتها، ينبؤ بأغلبية إسلامية ساحقة، تفرض الحكم الإسلاميّ، وتنحّى أصحاب اللادينية، وتُحَجّم الأقلية الصليبية. وقد كان ذلك مبنيّ على معطيين من معطيات الواقع:
1. أن المجلس العسكريّ، وإن كانت نواياه مكشوفة آنذاك، إلا إنه لم يكن يتمتع بالبَجَاحة والقحة، التي آل اليها حالُه في الأسابيع الأخيرة، من تصميم على إبقاء الحال على ما هو عليه، سواءا في نظام الحكم، أو علمانية الدستور، أو عسكرة النظام، أو معاونة الفلول، أو مساندة الدولة الصهيونية، أو إبقاء قانون الطوارئ، او ما شئت من مقومات هدم الدولة وتخريبها.
2. أن "التيارات الإسلامية" كانت لا تزال لم تظهر حقيقة توجهاتها، بل حتى 29 يوليو، كانت تلك التظاهُرة التاريخية التي جعلت المسلمين يظنون بهم خَيراً، وبأنهم أسودٌ أشاوس تترصدُ لأعداء الله ورسوله، باليد واللسان. ثم إذا بالحال ينقلب فجأة، مرة واحدة، يوم أن سمحَ لهم النظام الماكر بإشهار وتكوين أحزاب، فكأنهم بهذا كانوا كُمُشْرِفٍ على الموت قد سُمح له بالتفوّه بالشَهادتين، فلا حَاجة له في أكثر من ذلك!
كان هذان العاملان، مجتمعان، هما المَناط الجديد الذي صَبغ واقع السّاحة السياسية المِصرية منذ بداية سبتمبر الماضى، حين أعلنت هذه الإتجاهات صراحة تَخلّيها عن أي محاولة تصدى للعسكر الحَاكم، ورضاها بحُكمه، وثقتَها الكاملة به، وأنه خطٌ أحمر، وهذا الهُراء المُتقيّح من القَول، وكما يقال "رِجعت ريمة لعادتها القديمة!"، فعاد الإخوان إلى التلاعبات السياسية العقيمة، التي لا يلقى لها المجلس العسكريّ بالاً، وعاد مُعظم السلفيين إلى طاعة ولي الأمر الحاكم، خاصة وقد استبدلوا البَدلة بالجِلباب، وحذاء "كلاركس" بالقبقاب! وظهر أنهم ليسوا بأشاوس، ولا حتى أشباه صبيّ مُشاكِس، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكان هذا التخاذل سياسة عند الإخوان، واستقراراً عند السلفيين. من هنا فإن الواقع الحاليّ ليس هو ما كنا عليه في فترة ما بين يناير وسبتمبر 2011. ووَجب على علماءِ المسلمين أن يَنظروا إلى التَغيّر في هذه المُعْطيات، وأن يبنوا اجتهادهم عليها، لا على ما فات.
والمُحْتَملات الظَاهِرة تتراوح بين أحد أمرين، أولهما أن تنجحَ الحَملة الشجاعة التي يقودها الشيخ حَازم أبو اسماعيل، مع من ظلّت فيه شُعلة الدين مُوقدةٌ من الشّباب، وفي هذه الحَالة يكون لُلمسلمين اليد العليا، وتصبح الأمور واضحة بشأن من سيقود التغيير، وإلى أين يصلُ به. أما الآخر، فهو - لا قدر الله ولا كان - إن فشلت جهود الحملة الإسلامية الحقيقية الواعية، في التصدى للعسكر، وتخلت عنها قوى الحمائم السلفية والضباع الإخوانية، ورُسِمت معالم الدستور من قِبَلِ المجلس العسكريّ وعلى السلميّ، فيومها لا يكون هناك فرقٌ في المناط بين ما كان قبل 25 يناير، وبين ما بعد 18 نوفمبر، وعلى من يرى فرقاً أن يكشفه لنا.
ولقائلٍ أن يقول، الفرق بين هذين المناطين، هو أن "الإسلاميين" سَيمثلون أعداداً كبيرة في البرلمان، ليس كما كان الحال في عهد المخلوع ومن قبله. قلنا، الله الله في المسلمين، فهل كنا نعلن مقاطعة الإنتخابات من قبل لقِلة عدد من يَنعتون أنفسهم "بالإسلاميين" في البرلمان؟ أم كان الأمر أمر مبدإٍ، يتمثل في الإيمان بعدم جدوى المُغالبة في مجالس مؤسسة على علمانية تشريعية، من حيث لا جدوى من تلك الخَلطات العقدية التي تعكر صفاء الإسلام، وتمحو حدود الوحدانية.
إن مساندة الإخوان أو السلفيين في الإنتخابات القادمة، في واقعنا اليوم، قبل 18 نوفمبر، لا تصح، نظراً لما ظَهر من وقائع الحال، من تصرفاتهم حيالها، ومن قبولهم بحكمٍ علمانيٍّ إسلاميٍّ مُخلّط، وإن رفضوه قولاً، لأن الواقع يسوق اليه بلا محالة. أما بعدها، فهي موقوفة على ما تأتي به الأحداث التي بدأ مِخاضها في 28 أكتوبر الماضى. وهم فيها بين أمرين:
1. أن يشاركوا فيها، فإن نجحت الحملة على أعداء الله ورسوله، بإذن الله، فهم أولى بالمساندة.
2. أن لا يشاركوا فيها،
a. فإن نجحت رغم ذلك، بإذن الله، فلا يَصح إلا مقاطعة مرشحيهم لصالح الإسلاميين المستقلين، فهم لا خير فيهم، قولاً واحداً.
b. وإن لم تنجح الحملة، لا قدر الله، فقد صار الأمر إلى ما قرّرنا، من أنه لا مجال للإسلاميين في مثل هذه البرلمانات السركية الكرتونية، تماما كما كنا نقول من قبل 25 يناير.
هذه الفتنة التي تمثلت في قضية الإنتخابات، هي فتنة أشعلها مجلس العسكر، بدهاء ومكر، يعلم كيف سيتساقط فيها المسلمون، والإسلاميون، لتشغلهم عن الهدف الرئيس في واقعنا هذا، ألا وهو قطع رؤوس الطغيان، وإقامة شرع الله.
ثم لا ننسى أن هذا الأمر برمته، وأقصد به أمر مساندة مرشحى الإخوان أوالسلفيين في هذا المناط بالذات، لا أمر الإشتراك في المجالس الكفرية عامة، هو، أمر إجتهاديّ بين أهل السنة، لا يقعُ به تكفيرٌ ولا تبديعٌ ولا تفسيق، تحت هذه الضبابية التي تمر بها الحالة الإسلامية، حتى تتبين الأحوال. وليس من الإسلام أن ينطلق شباب أهل السنة بينهم وبين أنفسهم تكفيراً وتبديعاً وتفسيقاً، على أمرٍ فيه تأويلٌ مرجوحٌ، إذ المبدأ لا خلاف عليه إن شاء الله
ولعل الله أن يهدى الجميع لما فيه صلاحهم وصلاح دينهم.
* 2 نوفمبر 2011 | |
|