د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: الإسلام المُؤجل .. لحين إشعارٍ أخر! الإثنين ديسمبر 12, 2011 6:09 am | |
| د. طارق عبد الحليم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حديثه لمجلة Foreign Policy، "نصح رئيس حزب النهضة الإسلامى فى تونس راشد الغنوشى جماعة الإخوان المسلمين فى مصر أن تحكم من خلال تحالف وطنى يضم العلمانيين والأقباط، ... مشيرا إلى أن دور الجيش فى مصر يختلف تماما عنه فى تونس. وعن الوضع في تونس، وقال الغنوشى أن الدستور الجديد لن يتضمن أى مواد تدين إسرائيل، نافياً معاقبة المرتدين عن الإسلام، بقوله "الناس أحرار فى أن يغيروا أديانهم"، مؤكداً أن تطبيقَ الشريعة الإسلامية ليس من أولويات حزب النهضة الآن"عن جريدة الوفد.
هكذا لخّصَ الغنوشيّ السياسة "الإخوانية" التي يتبعها حِزبه في تونس، والتي تكاد تكون نسخة من شقيقتها في مصر. تأجيل الحكم بالإسلام لحين إشعارٍ آخر. والتعاون مع العلمانيين والنصارى، تحت شعار القاعدة الخشبية - كما أسماها الشيخ العثيمين رحمه الله "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".
هذا هو ما تتخذه إخوان مصر طريقاً ومنهجاً في حَركتها، والتي ظَهر واضِح المعالم بعد انتفاضة 25 يناير.
والغنوشي أستاذ للفلسفة، نظرته للإسلام تختلف عن النظرة الشرعية السُّنية بشكلٍ أصليّ. وهو لا يرى الأولويّات كما نراها نحن أهل السنة والجماعة، ولا يَعتد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نَعتدّ به، ولا يتقيد بحدود الإسلام كما نتقيد بها. وأطروحاته الفكرية تدل على بِدعية موغِلة لا تنتمى لأهل السنة بحال. ومن هنا نجد أنه - كزعيم لحزب حاكمٍ - لا يتحدث باسم الإسلام، لكنه، كأردوغان، ينصح إخوان مصر بالتصَالح والتعاون والتَناغم مع العِلمانيين (!)، ومع القبط (!)، تحت ظل دستور علمانيّ.
وحتى يتضح الفرق بين ما يدعو اليه هؤلاء، في مصر وتونس، وما ندعو اليه وننصره ولا نقبل بغيره، فإننا نعرض صورتين، وإن تشابهتا في بعض جوانبهما، إلا إنهما مختلفان اشدّ الإختلاف، متنافران أعمق التنافر، حتى لتحسبهما قد صدرا عن دينين مختلفين.
الصورة الأولى: وينصرها الإخوان البرلمانيون والسلفيون المتطورون. تحتفظ فيها الدولة بهويتها العلمانية، وذلك بإعراضها عن إعلان مبدأ "لا إله إلا الله"، ومن ثمّ، التغاضى عن تطبيق الشريعة، الذي يأتي تالياً لهذا الإعلان الشرعي الدستورى. وفي هذه الصورة يكون البرلمان توافقياً، رغم أغلبية أفراده من المسلمين، ومعنى ذلك أن القرارات الصادرة عنه لا تصدر بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، بل مع ما يراه المجموع مصلحةً للوطن، وإن تعارضَ مع الشريعة، وقد عَبر أحد الإخوان على التلفاز، في برنامج للجزيرة مباشر مصر، عن هذا التَوجّه بقوله "حيثما وُجدت المَصلحة فثمّ شرع الله"، وهو جَهلٌ مَعيبٌ وقلبٌ للمعنى المَقصود، ليس هنا محلُ بيانه.
في هذه الصورة يكون التركيز على تلبيةِ إحتياجات المُواطن، كما يَدّعون، من مَلبسٍ ومأكلٍ وتعليم وصحة. لكن تستمر فيه السَّلبيات الإجتماعية تنخرُ في جسد الأمة، كإباحة الخمور، والعهر الفنيّ تحت اسم السياحة والإبداع، وتحقيق الدخل، والإعلام الساقط المُضِلّ المُضّلّل (!).
وهذه الصورة لا تتطلب أي مواجهة حقيقية مع الجيش، بل إنكارٌ أو استنكارٌ بالقلب أو باللسان، في بعض الأحيان، وإعتبار أن المعارضة البرلمانية ستسفر عن نوع من أنواع التغيير، في يومٍ من الأيام (!)، حسب رؤية هؤلاء، والتى تتعارض مع رؤيتنا له في الكثير من التفاصيل.
ويجب، إحقاقاً للحق، أن نشير إلى انسحاب الإخوان من المجلس الإستشارى العميل، على أنه دلالة طيبة، وقدرة سياسية، ورغبة في تولى الحكم بطريقة الديموقراطية الغربية الصحيحة، لكن السؤال في هذا الشأن يبقى، هل هذا تكتيك سياسيّ لكسب دعم شعبيّ في المرحلتين القادمتين من الإنتخابات؟ وهل يتصاعد هذا الموقف إلى تحدٍ ظاهر مكشوفٍ للعسكر، إن كان موقفاً جاداً لا تكتيكياً؟
الصورة الثانية: والتي ينصرها عدد من أهل السنة والجماعة. وفيها يتم إعلان "لا إله إلا الله" كدستورٍ شرعيّ للأمة من اللحظة الأولى، ويتم بهذا الإعلان التميكن لدين الله البلاد. ومن ثم، فإن أية موادٍ يتم وضعها في الدستور يجب أن لا تتعارض مع هذا الإعلان الشرعيّ الأعلى. كذلك، فإن القرارات الصادرة عن البرلمان، تكون توافقية فيما لا يعارض المبدأ الدستوري الشرعيّ الأعلى. ويكون تطبيق أحكام الشريعة تدريجياً حسب الإصلاحات الإجتماعيّة التي تحدث في المجتمع، ليتماشى مع حكمة هذه الأحكام وشروطها وموانعها.
ويكون التركيز في هذه الصورة كذلك، على التنمية الإجتماعية في وسائل المعيشة، مَلبسٍ ومأكلٍ وتعليم وصحة، وعلى التربية الدعوية، تمهيداً لتطبيق الشريعة. وتتميز هذه المرحلة بتطبيق المبدأ الشرعيّ المحكم، الذي أسسه القرآن الكريم في قوله تعالى " فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ" التغابن 16، وأكده حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فانتهوا" بن ماجة، وهو أن تمنع المنهيات في أسرع وقتٍ ممكن، منها ما هو أنيّ، كبيع الخمور والعهر الفنيّ وإباحة العري، أو ما يحتاج لفترة كما في شؤون العادات والمعاملات، كالحِجاب، وأشَكال التعاقدات كالتأمين وغير ذلك، فيكون تدريجياً متمشياً مع خُطى الإصلاح والدعوة، إلى حيت يتم فرضه. أما عن الرِبا، فيجب أن يَبدأ الإصلاح الإقتصادي على الفور، فإنه يأتي على رأس المنهيات لا المأمورات، وإن كان آخر ما طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضع الربا (أي ألغى الفائدة المُستحقة بتعبير العصر)، في خُطبة الوداع، لتشَابك المُعاملات، وعدم إمكانية تَطبيقه دفعة واحدة.
وهذه الصورة تستدعى مواجهة صارمة مع المَجلس العَسكريّ، وتستدعى تَضحية وبلاءا ودِماءاً وخُسارة في الأموال والأنفسِ والثّمرات، وبشّر الصابرين.
فالمُشترك إذن بين الصورتين هو أن كِليهما سَيعمل على البِناء والتنمية وتحسين الظُروف المَعيشية، من حيث هي مطلوبة للدنيا. كما أنّ كليهما لا يمانع أن يكون في مجلسهم نواباً عن الأقليات القبطية أو العلمانية، رغم أن موضوع ردة العلمانيّ وأحكامهم يجب أن تخضع للنظر الشرعيّن بخلاف الأقباط.
والمختلف بينهما هو علمانية الدولة في صورتها الأولى، ومن ثم العمل والتشريع تحت مظلة كفرية، وإسلامية الدولة في الصورة الثانية، ومن ثم العمل تحت مظلة الشريعة، إرضاءاً لله وإتباعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم. ومن ثم، فإنّ المواجهة مع المجلس العسكريّ هي في حكم التحريم في الصورة الأولى، وفي حكم الجوب في الصورة الثانية.
ولا ندرى كيف ينظر النواب من الإخوان البرلمانيين والسّلفيين المتطورين، لهذا الخلاف على أنه أقل من أن يُعتبر، أو أن يُصرف فيه الجهدٌ لتحصيله (!) وهو قضية إسلام و كفر، لا أقل من ذلك.
أما الإخوان فقد صرحوا عبر متحدثهم غزلان أن الصدام ليس في أجندتهم. أما السلفيون فالأمر أخطر، إذ عدم الصدام مع العسكر، حتى إن كانوا كفاراً في نظرهم، هو دينهم الذي يدينون به، فالخضوع والذلة والتشدق بالحديث عن التوحيد هو مجرد حركات باللسان لدى هؤلاء. ووالله لو عرف النصارى والعَسكر دين هؤلاء لحَملوهم على الأكتاف ولرشّحوهم للرئاسة، بل وضَمنوا لهم مَقعدا في المجلس الكنسيّ. | |
|