بقلم: د. طارق عبد الحليمالثلاثاء 19 يونية 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قدّر الله وما شاء فعل.. هذا ما يجب على المسلم أن يقول بعد نزول الكوارث أو حلول المصائب، إذ هي من قدر الله الكونيّ، بما كسبت أيدي الناس. ومن هنا فإننا لا نرى كبير فائدة في تكرار ما قلناه من قبل، عن السبب فيما حدث، وعمن نكسوا عهد الله ونكصوا على أعقابهم، سامحهم الله.
اليوم، لابد أن نؤكد مرة أخرى على ما ردّدناه على مدى عام ونصف، وما تدور عليه مرجعية التيار السني لإنقاذ مصر، وهو أن
الطريق الوحيد الأمثل هو الثورة، ثم الثورة ثم الثورة. لا محل لنصر إلا بها. حشد الجماهير، في تظاهرات مليونية، دائمة مستمرة ليلا ونهارا، صبحا ومساءً، مع كل من يشاركنا عدونا، تماما كما حدث من قبل، لإنهاء الوضع المأساوى الذي بتنا نعيشه، بعد أن فقدنا الدستور، والرئاسة، والتشريع، على عجره وبجره، وعدنا إلى الطوارئ بأبشع صورها، وهُيأت السجون لإستقبال زوارها، واتحدت السلطات الثلاثة، أو الأربعة لو أضفنا سلطة السحرة في الإعلام، تحت جناح الحاكم العسكري، الذي هو مجرد تنظيم مسلح كبير، استولى على حكم البلاد، بلا شرعية ولا دستورية ولا يحزنون.في هذا الواقع الحالك، تكون الرؤى التي رَوّجنا لها منذ عامٍ حول نشاط التيار السنيّ هي أقرب ما يندفع اليه المسلم لتصحيح الأمور. وهى تتجه كلها إلى نتيجة واحدة،
الثورة الثانية، التي يتحقق بها ما عجز الآخرون ممن خانوا أو خدعوا، أن يحققوه. فهذا مسارٌ لا بد منه لمن عقل عن الله، وفهم عن رسوله.
إن السلطة الحاكمة الغاشمة تعرف أن هذا الخيار هو الأوحد والأصح، لدى شعبٍ قد سُلب أمله الأخير، وجُرّد من حقه، بأخس وسيلة وأبشع تدسس، لا يقدر على ترتيبه وتخطيطه إلا عقلٌ يهوديّ صرف، يرسل بتعليماته إلى عبيده في القاهرة ليديروا الأحداث حسبما رسم لهم صهاينتهم وصليبييهم.
والسلطة الغاشمة، تعلم أن الخروج محتمٌ في وقت ما، لهذا فرضت الطوارئ من جديد ليرتعب المرعوبون أصلاً، وليتراجع المتراجعون أصلاً. أما الثابتون، فهم يعلمون أنهم لن يحيدوا عن حقٍ عرفوه، أو يتنازلوا عن شرع تبنوه.
وهذا الخروج، لا يتنافي مع ما دعا اليه الشرع من الحيطة والحذر، فإنها من أصل التشريع، لمّا كان حفظ النفس من أعلى مقاصد الشرع. وهو ما يجرنا إلى توضيح الفارق بين ما يجب على الفرد، وما يجب على الجماعة أو المجتمع، فإنّ الجهل مرداة لأهله، ودواء العيّ السؤال، كما قال الأقدمون.
حين نتحدث على الخروج، فإننا نتحدث عن الثورة ذات الزخم الشديد، والموجة العالية التي تدفع ما أمامها، وتحقق القوة التي أمرنا الله بإعدادها للعدو، بالعدد بدلاً عن السلاح، لما بيناه من قبل من طبيعة مصر النفسية والطبوغرافية. ومن راي أو أراد غير ذلك النهج الجماعيّ، فالطريق مفتوح أمامه، لا نمنعه من شئ، ولكن لا يتحدثن من وراء حجب، وأسماء مستعارة، جبناً وخنوثة. ولنر أين الرجال ساعتها.
أمّا ما يقع من مَواقف فردية تواجهها آحاد المسلمين، من إرهابٍ وإعتقال، فإن ذلك هو ما حاولنا أنّ نبيّن حُكمه فيما دعونا اليه من ضرورة إحياء "الطوارئ الفقهية" التي لا يقدر عليها إلا فقيه عالم، لا رويبضة تافه.
الشارع هو الحل يا دعاة الإسلام. لا يجب أن يترك الناس الميادين، ويستسلموا للغاصب المعتدى.
واعجب أين، مشايخ السلفية اليوم؟ يا لهم من أرانب خَنَسَت لأول بادرة مواجهة. سبحان الله، لو قارنّا بين ما يقوله اليوم أعلام العلمانية، كعلاء الأسواني وعبد الحليم قنديل، وبين هذا التخنث الجبان الذي نرى فيه كافة قيادات السلفية بلا استثناء واحد، بل وما رأينا من محمد بديع ومكتب إرشاده، الذي لم يدعو لإنتفاضة ضد هذا العدو الغاصب، بل أعلنوا قبولهم بأحكام القضاء!! سبحان الله! قضاءٌ مزوِّرٌ مُرتش عميل.
لقد تلاعب العَسكريّ بأولئك الذين خالفوا سنن الله في التغيير، فأعطاهم برلماناً قد وُلد خِداجاً، وقُتِـل غَيلة. أرسل لهم الحبل قليلاً ليوهم أنّ الدستور سيكتبه ممثلوا الشعب، ثم هدَمَ الجهد مرتين، واغتصب حق كتابة الدستور. ثم إذا به يَغتصبُ تحديد صلاحيات الإمّعَة القادم للرّئاسة، شفيقاً كان أو مرسياً، بلا فرق.
لقد خُدِع الشعب خِدعة تاريخية، ليس لها في تاريخ الأمم مثيل. ولن يكفى لغسل هذا العار التاريخيّ، إلا الثورة التي تعيد الأمور إلى نصابها.
فاخرجوا يا أبناء مصر كافة. انهضوا أيها الإسلاميون. إجعلوها عزمة لله تعالى، ولا يرهبنّكم كيد الشّيطان إن كيدَه كان ضعيفا. والله إن الكفر لكسير جناحه، ضعيف ساعده، باطل مذهبه، لن يصمد لقوة الحق منكم، فلا تخلوا شرع الله مرة أخرى، فقد فشلت وسائل الباطل الديموقراطية، كما رأيتم بعينيّ رؤوسكم.