بقلم: د. طارق عبد الحليمالأربعاء 27 يونية 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
علّمنا التاريخ، الذي يبدو أن المنهزمين عادة ما يتناسونه، ويتجاهلونه، أنه ما أنْ يجلس الأضعف إلى الأقوى، إلا وتتوالى الهزائم، المادية والمعنوية، وتخور قوى الضعيف، ويبدأ سلم الهبوط إلى القاع، من حيث يهيؤ له غروره أنه صعود، إلى الهاوية. والإخوان، كما خبرناهم، هم أبطال هذا المشهد المتكرر،لا يكادون يفقهون حديثاً، ولا يعون درساً، في هذا الشأن.
لو أعتقد الإخوان أنهم فازوا في انتخابات البرلمان، بما لهم من حنكة سياسية، أو دعم إخواني من المنتمين للجماعة، فقد وهموا. ولو اعتقد الإخوان أنّ مرشحهم محمد مرسى، قد فاز بالمنصب نتيجة حنكة سياسية، أو دعم إخواني من المنتمين للجماعة، فقد وهموا. لأن الحق أنه في كلتا الحالتين، يرجع الفضل إلى جموع الشعب المتدين، الذي لا يزال غالبيته ترى أنّ دين الله هو الذي يجب أن تعلو كلمته، وتسود شريعته، لا حنكة ولا يحزنون.
وقد ظهر صدق ما قلنا من قبل، بأن الثورة، والحشد الميداني، هو ما يأتي بالحقوق، لا الصندوق. ولولا إرادة الله، ثم هذه الجموع الهائلة من الشعب الطيب، خرجت لتتصدى للفُجْر العسكريّ، ما أتت الصناديق إلا بشفيق! كلمة واحدة. لكن هؤلاء الإخوان، تجرى فكرة عقد الصفقات في دمائهم، وتعيش فكرة التفاوض للتنازل في حمضهم النووى.
هاهم يتفاوضون على مناصب الحكومة الجديدة، ولا يزال الناس معتصمين في التحرير، يطالبونهم بالصمود والتصدى للإعلان العسكري الفاجر، وعدم التفريط في حقوق الشعب. لكن هؤلاء، كعادتهم، يحسبون أنّ الفوز هو قدرهم المحتوم، وحقهم المختوم، لا أنهم حازوه بفضل ثورة الشعب وصموده.
إن صح ما ورد في الأنباء عن تفاوض شاطرهم مع هامان العسكريّ، أقصد عنان العسكريّ، وتنازل مرسى عن الداخلية والدفاع ليكونا تحت سيطرة العسكر، فإن هذا يكرس حقيقة هؤلاء الإخوان، ويوضح مدى نفاقهم، مهما تعللوا بالمصلحة وبالأوضاع الراهنة.
الداخلية تعنى الأمن في الشوارع، والأمان في البيوت. الداخلية تعنى سيطرة أمن الدولة على البلاد، ونشر الرعب بين الناس، وفحش التعامل مع الشرطة، وتنفيذ المراد من الضبطيات القضائية، بواسطة الشرطة العسكرية التي ستعاونها في إرهاب الناس، والإنقضاض على حقوقهم، وإهدار كرامتهم، تماما كما في عهد المخلوع.
الدفاع يعنى أن المؤسسة العسكرية ستكون دولة قائمة بذاتها، لا تخضع لرئيس أو برلمان، وتتمتع بما سلبته من الشعب، في الثلاثين عاماً الماضية، وما سبقها من عقود ثلاثة سالفة. كما يعنى أنّ الرئاسة ستكون دوما خاضعة للعسكر، المتربص بها، المستقل عنها. وهو النموذج التركيّ عند فوز حزب التنمية والعدالة، والذي مرّ على الشعب التركي، وعلى الشعوب العربية كأنه حزب إسلاميّ، وما هو إلا حزبٌ علمانيّ، يتزعمه أردوغان، ذو الميول الإسلامية الصوفية.
هذا السيناريو الذي تشهده مصر اليوم، ليس له مثيلٌ علي مسرح السياسة العالمية. حتى أنّ ستيفن هاربر، رئيس الوزراء الكنديّ، قد علق على ما يحدث في مصر اليوم قائلاً أنه لم يشهد أبداً في تاريخه السياسيّ حزباً ينجح مرشحه في الرئاسة، ثم تضغط عليه المعارضة ليستقيل من رئاسة حزبه، ثم تطالبه بأن يشكل حكومة أعلبيتها من خارج هذا الحزب، ثم يواص عجبه بقوله "أن الأعجب من ذلك أنه رضخ لهذه المطالب!، هذه ديموقراطية مصر، وحدها"، كما قال.
هذا السيناريو يعنى أن العسكر قد انتصر في معركته مع الشعب، وخسر الشعب ثورته مرة أخرى، والفضل مرة أخرى للإخوان.
والله لا أدرى، ولا يدرى معي كلّ عاقلٍ، ما الذي يدفع الإخوان، مرة أخرى للتفاوض مع العسكر؟ أليس الشعب قد اجتمعت كلمته على السير وراؤهم حتى النصر؟ أليس الشعب قد أعطاهم الفرصة، الثانية، بعد كامب سليمان؟ ألم يدرك هؤلاء بعد أن العسكر لا أمان لهم، ولا ضمير ولا دين. ها هو الدرس الذي لا يريد الإخوان أن يتعلموه، أو هم قد عرفوه ثم تعايشوا معه. ومتى جلس هؤلاء مع العسكر، فالخاسر هو الشعب الطيب.
لقد آن الأوان ان يفهم الإخوان قواعد اللعبة الحقيقية، التي يحكمها الشرع، ويصدقها الواقع، بكل أحداثه ووقائعه، أنّ الله لا ينصر إلا من ينصره، وأنّ المواجهة مع الطغاة البغاة هي مفتاح هذا النصر. وأن طاولة المفاوضات هي ذاتها طاولة التنازلات.