بقلم: د. طارق عبد الحليمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بغض النظر عن توصيف الأفراد، أو إجراء الأحكام على المعينين من الناس، في خضم هذا المعترك بين قوى العلمانية الليبرالية، وبين الإسلام والإسلاميين، فإنه يجبُ أن يظل المعسكرين متمايزان، معسكر الكفر ومعسكر الإيمان. فتوصيف الأفراد، أو إجراء الأحكام على المعينين، هو أمرٌ لا داعي له إلا عند الحاجة الشرعية بضوابطها، أما تمايز المعسكرين، فهو أمر يجب ان يظل واضحاً قوياً في ذهن كل مسلم، إذ إنه جزء من فهمه للتوحيد وتطبيقه للولاء.
وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أنّ الفروق والحدود بين المعسكرين، قد اختلطت بشكل قد هدّد، بطريق مباشر، صَفاء الفكرة الإسلامية، بل وأوقع الكثير من العوام في أفعال شركية، يجهلون مناطاتها، بل ويتوهّمون أنها من المطلوبات الشرعية!
فالصنم الأكبر الذي سَجدت له كل القوى، العلمانية والإسلامية الليبرالية، هو الديموقراطية، سلطة الشعب المطلقة، بزعمهم، وتعدد مصادر التشريع. وقد أفلحت أجهزة الإعلام الخبيثة، بالتواطئ مع "الإسلاميين" الليبراليين ومَشايخ السوء والتبديل، على ترشيخ فكرة الديموقراطية في عقول العامة حتى لم يعد بيت إلا عَبدها وسار في ركابها، إلا من رحم الله. وهو وضعٌ قد فاق فيه رواج هذا الصنم المعبود كل حدود، مقارنة بما كان عليه الوضع في العقود الكفرية السابقة.
بعد هذه المقدمة اللازمة، يمكننا أن نقرر أنّ الوضع الحاليّ في مصر، من الوجهة الشرعية، لم يتبدل قيد شعرة عما كان عليه في عهد مبارك وقبله، إلا ما كان من اختلاط بعض الأوراق كما ذكرنا، وتغير بعض الوجوه، واستبدال تيار بتيار.
من الناحية السياسية، التغيير الذي حدث في خريطة الساحة، هو أنّ الإخوان قد انتقلوا من معسكر المعارضة إلى معسكر الحكام، بصورة جزئية، مشاركين بأقل من خمسين بالمائة من السلطة. وهو في عرف الإخوان، أكثر ما يريدون. إذ هم، على الدوام، يراهنون على الحصان الخاسر، طالما حصانهم داخل الحلبة! ونتيجة هذا الرهان الخاسر اليوم واضحة المعالم في كلّ جانب من جوانب الحياة السياسية. فالسلطات الثلاث لم تخلص واحدة منها لهم، ولا نصيفها. السلطة التشريعية قد حلّتها السلطة القضائية، التي اشتراها العسكر لحسابه، والسلطة التنفيذية اقتسمها العسكر مع الرئاسة، فسلبها أهم الوزارات السيادية.
ومن ناحية أخرى، فإن الإخوان، كانوا ولا زالوا، يرون أن أمريكا هي سيدة العالم دون منازع. وهم يشترون ودها بكل غالٍ ورخيص. وها هي الفرصة متاحة لتوثيق علاقتهم بها، على حساب العسكر، الذين لا يأبهون بزعزعة كافة المصالح الغربية في المنطقة من أجل البقاء على رأس السلطة في مصر، وهو الطريق الذي لا تراه أمريكا في صالحها.
لقد انفض تحالف الإخوان والعسكر، بعد كامب سليمان، لمّا تبين لهم أنهم لا يريدون اقتساماً عادلاً بينهما للسلطة في مصر. وبدأ تحالف الإخوان والصليبيين الأمريكان، حتى يوم يتبين لهم أنهم لا ولاء لهم، ولاعهد.
والإخوان في تحالفهم مع العسكر، ومع أمريكا، يمثلون الليبرالية الملبّسة بثياب الإسلام، كأردوغان التركيّ. وهم من وقف في وجه تعديل المادة الثانية في الدستور ليكون الإسلام هو الحكم في قوانين البلاد. فأفضلهم طريقة، كمحمد مرسى، يؤمن أن الإسلام مبادئ عامة، وأنّ أحكامه ليست للتطبيق المجتمعيّ عن طريق السلطان، بل هي وازع أخلاقيّ، يهدى الفرد، لكن لا يحكم المجتمع (انظر لقاءاته على يوتيوب). وأخسّهم طريقة، كعصام العريان، ليبراليّ قحّ، دينه صوفي حلوليّ، لا يأبه لأحكام الشريعة أصلاً. فالمنظومة الإخوانية كلها تقومم على عدم إعتبار الشريعة أصلاً وحيداً للقوانين والأحكام. وهو الخلل الذي لا يزالون يعانونه في مفهوم التوحيد ابتداءً.
ونحن والله لا نقول ذلك حقداً على الإخوان، أو رغبة في النقد، بل نحن هنا نَصِف ما هم عليه دون تفريط أو إفراط، والله يعلم إنا نودّ أن ينصرهم الله على العسكر، وأن يمكنهم من رقاب هؤلاء الخائنين منهم.
ومن ثم، فإن الحركة الإسلامية، تجد نفسها، على الرغم منها، في مواجهة مع القوى الحاكمة، على تعددها، من عسكر وإخوان، ومن ليبراليين يستعين بهم العسكر والإخوان.
إن أوراق اللعبة قد اضطربت وتفرقت، ثم تجاورت وتجمعت، فإذا هي، مرة أخرى، في يدِ من لا يقيم لدين الله الحق وزناً، ولا يعرف حق ربه عليه، ولا يدرك أنّ توحيد المولى هو أصل دين الله، وأنّ توحيده سبحانه يعنى طاعته المطلقة بلا قيد، وأن طاعته تعنى الخضوع لأوامره ونواهيه، أفراداً وجماعات، وأنّ هذا كله يعنى، بمفهوم العصر، أن يكون الإلتزام بكافة أحكام شريعته هي المادة الأولى في العقد الإجتماعيّ المزمع إنشاؤه، والذي يسمونه الدستور.
أما هذا التلاعب الشركيّ الذي نصره الإخوان في المادة الثانية، وسلّمت له أدعياء السلفية، فهو أمرٌ خارجٌ عن دين الإسلام الذى نزلت به رسالة محمد الأمين صلوات الله وسلامه عليه.
المشهد اليوم، بالنسبة للحركة الإسلامية السُنية، هو نفسه ما كان عليه في العقود الستة المنصرمة. لم يتبدل. طريقنا هو الثورة لتطبيق شرع الله في الأرض، وإقامة دولة لا إله إلا الله، لا دولة الإخوان والسلفيون، فالفرق بينهما بائنٌ شاسع، كالفرق بين دولة المدينة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ودولة مبارك لعنة الله عليه