بقلم: د. طارق عبد الحليمالاثنين 23 يولية 201
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
هل تبدّلت صورة الساحة السياسية في مصر؟ هل تغير الحاكم الحقيقيّ لها؟ هل حتى تحولنا إلى الصورة الديموقراطية التي تغنّى بها الإخوان وبقية الليبراليين؟
الجواب عن كل ذلك، بلا. لا لم يتبدل شئ. الحاكم العسكري هو نفسه، لكن بصورة أشد وطأة وأوسع نفوذاً وأكثر وضوحاً. لم يتحقق أي نوع من أنواع الديموقراطية المزعومة، إلا ما كان منها يتعلق بسبّ محمد مرسى ليل نهار!
ماذا عن ثورة 25 يناير إذن؟ لقد أُسدل عليها الستار بشكلٍ نهائي يوم صافح محمد مرسى المجلس العسكريّ، مانحاً لهم الشرعية من الرئاسة لكل ما سلبوه من الشعب المصريّ. وهذا المنح، هو تواطئ بغيض، ليس فيه إجبار أو إكراه. فإن الشعب قد وقف خلف مرسى بشكلٍ قوى فاعلٍ. لكن الطبيعة الإخوانية في الرجل وجماعته تأبى إلا أن تتحمل الذلّ والهوان، وكأنها جُبلت من طينته. لا يقدرون على مواجهة حقيقية. يخشون أن ينتهى بهم الأمر إلى السجن، وهم لا يدركون أنهم سينتهى بهم الأمر إلى السجن على أية حالٍ، طالما العسكر في أماكنهم.
إن الفساد الذي تعيشه الساحة السياسية اليوم، والذي لم تشهده مصر من قبل، ولا العالم أجمع، هو عمل تلك الطغمة العسكرية، بتواطئ من القضاة المرتشين العملاء، يخرجون هذه الفوضى في رداء قانوني كوميديّ، وكأن لها سند من قانون. وينعكس هذا الفساد على أداءٍ هزليّ كوميديّ للرئيس الجديد، يكتفى فيه بالتهنئة بشهر رمضان، والمطالبة بمضاعفة الإنتاج، ثم إصدار قوانين تتجاهلها السلطة التنفيذية التي هو من المفترض أنه رئيسها، ثم التهديد الأجوف للإعلام المنحل، وكأنه يستطيع إصدار قرار واحد يخص أي أمر من أمور الإعلام.
الحلّ إذن يكمن في ثورة. ثورة ضد الطغيان. ثورة ضد المُفسدين الحقيقيين، ثورة تصل إلى نتيجتها المفترضة بأن ترفع الظلم عن كاهل المواطنين، وأن تنزع الفساد من جذوره، وأن تُرسى قواعد الحكم الذي لن يقبل الشعب غيره، بل ولن يكون هناك صلاح وإصلاح بدونه، حكم الله سبحانه، دون تلك التلاعبات اللفظية التعيسة فيما يسمى بالمادة الثانية.
بدون هذه الثورة، فلا أمل عند المصريين يحيون له، بل هي استمرار الخيبة، تحت اسمٍ جديد، هو حكم الإخوان.
وإذا نظرنا فيمن هو مؤهل للحضّ على هذه الثورة، لم نملك إلا أن نقول "حسبنا الله ونعم الوكيل". لقد انشغلت تلك القوى التي كانت تنعت نفسها بالإسلامية، بالسير في ركب العسكر، واللعب من خلال أوراقه وقواعده وقوانينه، ورفضوا الثورة والتضحية والمواجهة، والرجولة والكرامة والإسلام.
ولكي أكون واضحاً، فإننى أعنى بهؤلاء
جماعة الإخوان، المستفيد الأكبر والخاسر الأكبر،
وأدعياء السلفية في حزب الزور، وأتباعهم من مشايخ السوء السلفيين،
والجماعة الإسلامية المنتكسة التي شغلت نفسها مؤخراً بما سَمته "توفيق أوضاعها"، أي ضبط عجلاتها على قضبان النظام، لتجرى بحرية، في الإتجاه المرسوم لها مسبقاً. ثم الإضافة الأخيرة المحزنة، جماعة
أهل السنة والجماعة على طريق إحياء الأمة، والتي خرجت عن مسارها لأمرٍ يعلمه الله، والتي فضّلت، بتأويل باطلٍ، أن تسير في ركب الإخوان والديموقراطية، بدعوى أنها تحتمى بهم لتضمن حرية دعوتها، ويعلم الله أن هذا باطل من القول، لا واقع له، فنحن ندعو الله بكل قول وفعل دون الحاجة إلى مثل هذه التمحّكات الباطلة، أعادهم الله إلى الصواب.
المسؤول عن هذه الثورة إذن، ليس هؤلاء، فهم، كلهم، على طريق فاسدٍ غير مشروع، إنما هو كلّ مُسلمٍ، حُرٍ سنيٍّ، يرعى لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ذمة، ويرى للإسلام في رقبته بيعة. أمر الثورة ليس أمر جماعات وائتلافات وجبهات. أمر الثورة هو أمر شعبٍ بأكمله، لن تنجح إلا إن خرج عن بكرة أبيه، كما حدث في ثورة 25 يناير المُفَشّلَة.
والقيادات التي يجب أن تكون على رأس هذه الثورة، وأن تتحمل مسؤوليتها، هي تلك القيادات الشابة المتناثرة في أرجاء البلاد، تحمل منهجاً واضحاً متميزاً، هو المنهج الذي عرضنا تفاصيله في حديثنا عن "التيار السنيّ لإنقاذ مصر"، ولو تحت مسميات أخرى. لكن المهم أن يكون المنهج متوحداً، مثل جماعة "طلاب الشريعة" على سبيل المثال لا الحصر.
وإنى لأدعو كل إئتلاف أو تجمعٍ، قام على غير هذه المنهجية، أن يراجع نفسه، وأن يدرك أعضاؤه أنهم إلى الفشل أقرب منهم إلى أي شئ آخر. فإن هذه الثورة التى ندعو لها، وإن كانت تُحرّك جمهوراً فيه الكثير من التناقض، مع أنه يحمل فكرة واحدة هي الإسلام العام، فإن قيادات هذه الثورة لا يجب، بحالٍ من الأحوال، أن تكون على تلك الضبابية في المنهج أو الإختلاف عليه أو أن يكون جزءاً من تركيبتها، فإننا أنضج وأفهم لما تؤدى اليه هذه الضبابية، كما إننا أعلم وأفهم بتلك الوسوسة الدائمة التي تهيئ للبعض أنّ الإتفاق على أي قدر من العمل، سيؤدى إلى نجاح، وهو خطأ تاريخيّ، لا أظن أن شيوخ الحركة اليوم يقعون فيه مرة عاشرة.
المسؤولية اليوم قد انتقلت من تلك القيادات التقليدية الساقطة، إلى قيادات الصف الثاني، المُميّزين منهم، وطلاب العلم، والمتقيدين بالمنهج، لا الأدعياء من طفيليات الفيسبوك بطبيعة الحال. هذا مع التركيز على أنّ هذه القيادات الجديدة يجب أن تتخذ لنفسها رموزاً من مشايخ الصفّ الأول، ممن ثبتوا على المنهج، ولم يبدلوا تبديلا. وأنْ يرفعوا هذه الرموز، ويجمّعوا الصف الثالث، ومنْ ورائه، تحت رايتهم، فإنه لا نصر بلا راية، ولا راية يحملها من لا يقدر عليها، بما له من خبرة وعلم وثبات، وقليلٌ اليوم ما هم. وكما قال الشاعر
لا يصلح الناسُ فوضى لا سُراة لهم ولا سُراة إذا جُهَالهم سادوا
وأحسب أن أمر هذه الرموز، يجب أن يكون محل اتفاق، فهؤلاء يجب أن يكونوا ممن أثبت الزمن عمق فهمهم للتوحيد، وتطبيقاته، وثباتهم عليه بعد الفتنة الكبرى بالديموقراطية الحديثة، كما أنهم يجب أن يكونوا ممن يعمل في العلن لا من وراء ستار، فإن هذا الأمر لن ينتشر بسرية أو استخفاء. ثم أن يكونوا من أصحاب الفهم السديد في تحرير المصطلحات وفهم دلالاتها فهماً عميقاً أصولياً. ثم أن يكونوا من أصحاب العلم والإنتاج العلميّ المُميَّز، فإن نجاح الثورة متوقفٌ على قوة أنظارهم وعمق استدلالاتهم، ودعمها بالأدلة النصية والأصولية على السواء، لا بمجرد سرد العمومات، واتّباع الكليات والمتشابهات، فليس كل ّ من صاح بشادٍ، وليس كلّ من سوّد صفحاتٍ بكاتب. ثم يجب أن يكونوا ممّن اتضح له أن الثورة هي المنهج الوحيد للتغيير، كما يظهر اليوم إلا أن يشاء ربي شيئاً، وأنّ طريق الأحزاب والبَرلمانات طريقٌ باطل قطعاً، لا يؤدى إلا إلى فشل وخيبة أمل. هذا مع تقوى الله وطلب رضاه والتجرد من الدنيا والسعى لمتاعها.
عنصرىّ التيار السنيّ الثورى إذن، هما:
- رموز عالمة عاملة في الصف الأول، ذات تاريخ فيه ثباتٌ وجرأة وقدرة على القيادة، وخلو من النفاق والمداهنة والتميع، وبعد عن الغلو والتطرف البغيض، تحت أيّ تعليل أو تأويل، وتصميم على الإستمرار، وإيمان بأن نصرِ الله لن يأتي إلا من هذا الطريق، لا طريق غيره.
- قيادات ميدانية في الصف الثاني، تقوم على رعاية الصف الثالث من الثوار، وتنظيمه، وتوجيهه فكرياً إلى تلك المناهج التربوية التي تضعها وتقرّها، ثم توجيهه حركياً للتغلغل في طبقات الشعب بلا استثناء، حين تنضُج الثورة ويغلى القِدْر بما فيه، مرة أخرى.