المهاجرون و الأنصار
مجاهد ديرانية
تتحدث التقارير عن مئات الآلاف من اللاجئين في تركيا والأردن ولبنان. هؤلاء تُحصيهم المنظمات الإغاثية وتمدّ لهم يد العون، ولكنْ مَن يُحصي اللاجئين الذين تدفقوا من المدن المنكوبة وتبعثروا في أنحاء سوريا، وهم بالملايين، ومَن يَمدّ لهم يد العون؟ مَن لأولئك المنكوبين-بعد الله- سوى إخوانهم من أبناء الوطن الكرام وإخوانهم في أمة الإسلام؟
ألا لقد دار الفلك دورته وعدنا إلى الزمان الأول، زمان المهاجرين والأنصار. فيا أهل سوريا الذين لم تُصبهم مصائب النظام: لقد أتاكم إخوانكم لاجئين محتاجين، فكونوا لهم كما كان للمهاجرين الأوّلين أخوانُهم الأنصار.
يوم أقبل مهاجرو مكة على إخوانهم في يثرب فتحوا لهم بيوتهم وقاسموهم أموالهم وأملاكهم، وما مَنَّ أحدٌ منهم على أحد، لأن الذي ترك بيتَه ومالَه وهاجر في سبيل الله لم يكن أقلّ عطاء من الذي ترك للمهاجر نصفَ بيته ونصفَ ماله.فافتحوا -يا أحرار سوريا-بيوتكم وقلوبكم لإخوانكم ولا تَمُنّوا عليهم، فإنهم تركوا بيوتهم وتركوا أموالهم جميعاً وراء ظهورهم، وليس لهم سواكم بعد الله.
يا أيها أهل سوريا الكرام:سارعوا إلى نجدة إخوانكم المهاجرين وافتحوا لهم الجيوب والقلوب، فوالله الذي لا إله إلا هو إنهم لَينامون الليلة على جوانب الطرق وفي الحدائق العامة، حيث لا وِطاء سوى الرصيف ولا غِطاء سوى السماء.
يا أيها الآمنون: لا تستكثروا إنفاق المال مهما كثر، فإنه هيّنٌ في جنب المآسي والأهوال التي ضربت حياة أكثر الناس. وليعلم المسلمون في كل مكان أن هذه ليست مشكلة سكان سوريا وحدهم؛ إنها مسؤولية كل سوري مغترب خارج وطنه بمقدار ما هي مسؤولية السوري المقيم في الوطن، ومسؤولية كل مسلم في الدنيا بمقدار ما هي مسؤولية السوريين.
يا أيها المسلمون: إن الذين هدم القصف بيوتهم من أهل سوريا والذين أوذوا وهُجّروا يبلغون اليومَ عدةَ ملايين؛ أولئك هم إخوانكم المهاجرون، فمَن منكم يريد أن يُكتَب اسمه في صحيفة الأنصار؟ من يريد أن ينال الشرف العظيم في الدنيا والآخرة؟ من يريد أن يفوز بالأجر العظيم؟ سارعوا -يا أيها الكرام-قبل أن تُطوى الصحف وتجفّ الأقلام.
اللهم إن المؤمنين المصابرين في أرض الشام قد بذلوا وُسْعَ الطاقة وفوّضوا الأمر إليك، فافتح لهم اللهمّ فتحاً مبيناً.اللهم إني أشهد أن عبيدك وإماءك في الشام قد ثبتوا عند اللقاء، وصبروا على البلاء، وأنهم ظفروا فشكروك، وأُصيبوا فحمدوك؛ اللهمّ أنت وليّهم، فلا تخذلهم ولو تخلّت الدنيا عنهم. اللهمّ ارحم شهيدهم، اللهم فُكّ أسيرهم، اللهم رُدّ فقيدهم، اللهم أنزل عليهم السكينة فلا يخافون، والطمأنينة فلا ييأسون، وأنزل عليهم ملائكتك بالنصر المبين.
اللهم إني ما شهدت إلا بما علمت وأنت أعلم، أنت المطّلع على السرائر وعلى ما تُخفي القلوب، فإن كنت علمت أنهم قد انقطعت من أهل الأرض آمالُهم ولم يعد لهم أملٌ إلا بك، وأنهم يئسوا من الناس وانحصر رجاؤهم في رحمتك، وأنهم علموا أنهم ضِعاف لا قوة لهم إلا من قوتك، وأنهم عاجزون لا قدرة لهم إلا من قدرتك...اللهمّ إن كنت علمت ذلك منهم فاجبُرْ كسرهم، اللهمّ وانصُرْ جمعهم، اللهمّ واقصِمْ جبّارهم، اللهمّ وأبدلهم بالهمّ فرجاً وأخرجهم من البلاء إلى العافية.
اللهم يا أرحم الراحمين ويا ربّ المستضعفين، إليك نشكو ضعف قوّتنا وقلة حيلتنا وهوانَنا على الناس. اللهم لا تَكِلْنا إلى عدو خصيم ولا إلى قريب لئيم. اللهم إنّا في ثورتنا ماضون وعلى البلاء صابرون، غيرَ أنّ عافيتك هي أوسع لنا.نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تنزل بنا غضبك أو تحل علينا سخطك، لك العُتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك، توكلنا عليك يا أيها الجبار القهار، يا رب العرش العظيم.
يا أيها المؤمنون المرابطون في أرض الشام: لا تهنوا ولا تحزنوا إن خذلكم أهل الأرض؛ إنكم لا تزالون بخير ما بقي معكم رب الأرض ورب السماء، وإنكم -إن شاء الله- لَمنصورون، وَرَبِّ السماء والأرض إنه لَحَقٌ مثلما أنكم تنطقون