ثورتين لا ثورة
(3)
في الخمسة أيام الأولى للثورة السورية، لم يكن ثمة شعارات وصيحات إلا الانتقام من الطائفة النصيرية. وبعد ذلك اختفت هذه الدعوات إعلاميا، حتى أن صفحات الثورة على مواقع التواصل الاجتماعي تبرأت منها. وحذر الكثير من خطر الانجرار إلى مربع النظام .. فالسوريون يعلمون أنهم ليسوا بحاجة إلى تصفية حسابات طائفية مهما حاول النظام فرضها، عبر الاستفزازات الأمنية أو السياسية أو عبر الجيوب النصيرية في المدن السورية ذات الكثافة السنية. كما يجهدون في تجنيب البلاد والمنطقة خطر الانزلاق في حرب طائفية .. ويصرون على سلمية الثورة وحتمية التعايش مع الطائفة بعد زوال النظام. لذا فهم حذرون من توتير الحياة الاجتماعية حاضرا ولاحقا.
هذه هي الواجهة الإعلامية البارزة للثورة السورية. لكن استنكاف العاصمة – دمشق ومدينة حلب، ذواتا الكثافة السكانية العالية جدا في البلاد عن الانحياز للثورة، كما بقية المدن، أوقع بعض المخاوف، في النفس، من قدرة النظام على احتواء الثورة سياسيا أو أمنيا. ولو أمعنا النظر جيدا في مسار الثورة السورية لتبين لنا قبضة الدولة ارتخت إلى حد كبير بسبب استنزاف النظام لكافة أوراقه الأمنية التي بدأت في استخدام قوى الأمن والشبيحة وانتهت بالدبابات والطائرات. فما الذي بقي للنظام ليستعمله ولم يفعل؟ وهل ثمة ما يبرر المخاوف؟
الثابت أن التوسع التدريجي للثورة جغرافيا وديمغرافيا يُحسب في صالح الثورة، التي لم تستهلك ذاتها، وليس عليها. فبالمقارنة مع الثورة اليمنية، التي تعاني جمودا رغم الكثافة البشرية الهائلة، تبدو وقائع الثورة السورية، في كل جمعة، كما لو أنها انطلقت للتو!!! فهي لم تستنفذ رصيدها الديمغرافي ولا رصيدها الجغرافي. فكيف لو انحازت ملايين دمشق وحلب إلى الثورة وخرجت على الشارع؟ فهل سيكون بمقدور النظام احتوائها.
المؤكد أنه لن يستطيع أبدا. ففي سوريا اليوم ثلاثة مناطق شبه محررة بالكامل. وهي حماه ودير الزور والبوكمال. فبعد مذبحة درعا التي خسر فيها السكان بحسب بعض الشهادات آلاف القتلى والجرحى، ممن دفنوا في مقابر جماعية، مقابل المئات من أفراد الشبيحة والجيش؛ نجحت هذه المدن بتحصين نفسها من الداخل كي لا تتكرر المأساة. فأغلقت الطرق بالمتاريس، ونشرت الحراسات واللجان الشعبية في الأزقة والشوارع، ونجحت في طرد أو تصفية العملاء والمخبرين فيها، ومنعت الأمن والجيش من اقتحامها، وهددت الرئيس السوري بمذبحة دموية إذا ما أقدم على اقتحامها. ثم زجت، وبقدر كبير من التحدي، بأكثر من مليون ونصف المليون في ساحاتها في الجمع السابقة، وسط هتافات وأهازيج في
حماه (28) و
دير الزور (29)ألهبت السوريين وكل من سمعها من العرب.
والحقيقة أن لهذه المناطق ميزات خاصة. إذ من غير المتصور بالنسبة لحماه أن تتكرر مذبحة عام 1982 التي ذهب ضحيتها نحو 40 ألفا من السكان. فللمدينة مع النظام جروح لا تندمل، وثارات عصية على النسيان. ولم تكن زيارة السفير الأميركي للمدينة لتضيف شيئا يذكر على واقع الحال. فلا هي استدعته ولا النظام منعه من الزيارة بقدر ما حاول استغلالها للطعن، عبثا، في نظافة الثورة السورية.
أما مناطق الدير، فالنظام يعرف قبل غيره، أنها مناطق الخط الأحمر الذي يصعب الاقتراب منه أو استفزازه. فالمنطقة محافظة جدا، وذات تركيبة قبلية على صلة وثيقة مع قبائل العراق من حيث المصاهرات، وحتى من حيث وجود السلاح التقليدي واستعماله، فضلا عن خبرة الأهالي في دروب المنطقة، وعلاقاتهم مع جماعات الجهاد في العراق لاسيما في منطقة الموصل. بل هي المنطقة الأكثر حصانة في أي صراع طائفي محتمل. ولعل في هذا ما يفسر إلى حد كبير سقوط بضعة شهداء في المنطقة طوال أشهر من الثورة، بخلاف المناطق الأخرى التي فقدت المئات من أبنائها في لحظات غدر مارستها قوى الأمن والشبيحة والفرقة الرابعة.
لكن، مقابل الثورة المدنية، ثمة ثورة خفية يديرها الجيش، وتلعب مع النظام بما يناسبه. ثورة وقائعها طاحنة دون أن يكون لأي طرف منها مصلحة في الإعلان عنها. هذه الثورة يدركها السوريون بأدق تفاصيلها، ومساهماتها في حماية الثورة واستمراريتها تبدو شبه حاسمة، في ظل الغياب الكبير لدمشق وحلب عن فعالياتها المدنية. ومع أن بعض الفضائيات، وربما بعض مواقع الثورة السورية، تلقت شرائط مصورة عن عمليات نفذتها وحدات منشقة من الجيش ضد الفرق الموالية للنظام والشبيحة، إلا أنها لم تجد طريقها للنشر، بحجة رفض شرائط تحتوي على مشاهد دموية للشبيحة، أو بسبب الخشية من المساس بسلمية الثورة على المستوى الإعلامي، طمعا في كسب المزيد من التأييد الدول!!!
ثورة الجيش بدأت في الإعلان عن نفسها عبر سلسلة من الشرائط المرئية لجنود وضباط انشقوا عن وحداتهم أو أجهزتهم الأمنية. أما أول [/
الانشقاقات (30) الكبرى فكانت في مدينة درعا لدى دخول الجيش إليها، ورفض بعض الوحدات في الفرقة الخامسة أوامر صدرت إليهم بإطلاق النار على السكان. وبطبيعة الحال فقد وقعت اشتباكات طاحنة بين الفرقة الرابعة ومنشقي الفرقة الخامسة أسفرت عن مذبحة في الجانبين. بل أن كتيبة من الفوج 16، المرابطة بالقرب من مدينة الضمير، تعرضت قبل يومين من انشقاقها لقصف جوي (26/6/2011) أسفر عن مقتل العشرات من ضباطها وجنودها. لكن يبدو أن حركة الانشقاق كانت من القوة بما يكفي للإعلان عن تشكيل الأنوية الأولى لـ « لواء الضباط الأحرار» في منطقة إدلب، خاصة بعد انشقاق وحدات أخرى خلال صدامات جسر الشغور ومعرة النعمان شمالا.
ولا شك أن انشقاق الجيش في منطقة
البوكمال (31) كان له وقع الصدمة على النظام. فقد التحمت الوحدات المنشقة مع السكان ( قرابة مائة عنصر من الاستخبارات الجوية، أعلى سلطة استخبارية في النظام)، ووجهت مدافعها نحو الوحدات المهاجمة. ولا شك أيضا أن سكان المدينة نجحوا في طرد قوى الأمن والشرطة منها واستولوا على مخازن السلاح فيها. ومن جهتها حاولت الدولة حفظ ماء الوجه فقامت بإنزال جوي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكنها في النهاية اضطرت للدخول في مفاوضات مع مشايخ وأعيان المدينة لتسليم الأسلحة وعناصر الجيش. أما السكان الذين وافقوا على تسليم الأسلحة فقد رفضوا بشدة تسليم أي جندي للنظام أو توقيع أيا من أبنائهم على تعهدات بعدم التظاهر أو معارضة النظام.
والحقيقة أن أعنف المواجهات وقعت في مدينة حمص كانت ليلة الخميس (7/7/2011)، قبل يوم من جمعة « لا للحوار». ففي حين ظهرت حماه بأشد ما يكون التحدي، كانت حمص أشبه ما يكون بالبركان الثائر تحت الرماد. إذ سربت مصادر في الجيش معلومات تفيد بأن طائرات نقل إيرانية مدنية صغيرة هبطت في مطار حماة الصغير، وأفرغت حمولتها من المعدات والأسلحة والجنود للجيش السوري، وحذرت من أن المدينة قد تتعرض لمجزرة. وفعليا تلقت فضائيات عربية الخبر، لكنها امتنعت عن نشره. وبعد يومين اتجه الجيش السوري فعلا لمحاصرة حماة، ودخلت عناصر أمنية إلى المدينة وقتلت نحو 27 مواطنا من بينهم المنشد إبراهيم القاشوش. مع ذلك لم يكن الهدف مدينة حماه بل حمص.
ففي منطقة حمص وقعت انشقاقات في الجيش لضباط مع جنودهم. وفي تلك الليلة (7/7/2011) نفذوا كمينا قاتلا في منطقة الرستن ضد حافلات تنقل المئات عناصر الشبيحة. الأمر الذي أثار غضب النظام، مما دفعه لمحاصرة حماة خشية لجوء الوحدات المنشقة إليها للاحتماء فيها، وشرع في التحضير لمواجهة طائفية مفتوحة تمكنه من التدخل بقسوة بدعوى وأد الفتنة الطائفية.
المعروف أن المدينة تعرضت على مرّ العقود إلى هجرة نصيرية باتجاهها، ضمن مسعى من النظام وكبراء الطائفة، لتحقيق تواجد سكاني كثيف، يسمح بتحويل المدينة، وقت الضرورة، إلى عاصمة للطائفة. لذا فهي تأوي أعدادا لا بأس بها من النصيرية. وهو ما يسمح للنظام، في مثل هذه الظروف، باستغلال هذا التواجد، وزجه في الصراع بحيث تصير المواجهات المدنية بين طائفة وطائفة وليس بين الجيش والمدنيين. ولا ريب أنها لحظة ضعف للنظام، تكشف عن حالة عجز في مواجهة انشقاقات الجيش أو الثورة المدنية. أما الفتنة فقد بدأت باختفاء ثلاثة أفراد من الطائفة، من سكان حمص، ثم ظهرت جثثهم يوم 16/7/2011 أمام منازل ذويهم. وبطبيعة الحال تم اتهام السنة بقتلهم، وبدأ النظام بعملية تحشيد طائفي لإنجاح الفتنة. وفي الليل دفع بفرق الشبيحة
لمهاجمة المدينة (32 الذين غابا ما يمارسون
ضربا وحشيا (33)، وحتى
الموت (34، حيث قاموا بعمليات تخريب واسعة، شملت نهب المحلات وتكسير السيارات وقتل الناس والاعتداء على مملكات السنة بينما الجيش والأمن يراقبان وقائع الهجوم وما سينتج عنه.
وفي خضم الهجوم تمكن الجيش وقوات الأمن من الدخول إلى كل حي في المدينة. وثمة أكثر من سبب يفسر المراهنة على الفتنة بين السكان. أولها الكثافة السكانية للنصيرية، والتي يمكن أن تعرقل الإجراءات الدفاعية للسكان أو تتسبب باحتكاكات طائفية. وثانيها، وهو الأهم، أن حجم المدينة كبير، بحيث يصعب تطهيرها كليا من العملاء والمخبرين كما حصل في مدن حماة والدير والبوكمال.
في ظل هذه الأجواء المتفجرة تناقلت وسائل الإعلام، عن شهود عيان، نبأ انفجارين وقعا فجر السبت (23/7/2011) في الكلية الحربية في المدينة بالتزامن مع سماع أصوات رصاص، ودخان تصاعد من المبنى. والطريف في الخبر أن السلطات السورية كعادتها نفت وقوع الحادث من الأصل، رغم أن طائراتها المروحية لم تفارق المنطقة!!! ورغم وجود شهود عيان نقلت عنهم وكالة « رويترز» للأنباء أنهم شاهدوا سيارات إسعاف وهي تتجه نحو المجمع في منطقة الوعر القديمة لنقل الجرحى باتجاه المستشفى العسكري فضلا عما قاله شاهد عيان: « يبدو وكأنها عملية من نوع ما» .. «عملية»، بحسب شهادات محلية متفرقة، نفذها 27 ضابطا سوريا، شارك فيها طلبة يمنيين وسودانيين، وأسفرت عن وقوع أكثر من 150 قتيلا بينهم 58 ضابطا من ضباط الكلية.
من جهتها علقت صحيفة « ديلي تلغراف – 24/7» البريطانية على الحادث، معتبرة إياه: » أول هجوم من نوعه منذ بدء حركة الاحتجاجات«، فيما ذكرت بعض المصادر أن الكلية تعرضت، بداية، إلى هجوم بقذيفتي RBJ من الخارج، بينما تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن فرضية أن يكون الهجوم شنه « جنود تمردوا على الجيش بسبب الحملة الأمنية العنيفة في حمص»، مع الإشارة إلى: »معلومات عن فرار أكثر من 50 مجنداً من وحدات عسكرية بجانب الكلية الحربية في المدينة«. وألمح بيان المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان إلى: » انشقاقات في الكلية الحربية تارة وعن خلافات ومشادات بين طلابها على خلفية سياسية تارة أخرى«.
في كل الأحوال؛ فإذا كانت المعلومات المتوفرة تشير إلى تعرض الكلية لهجوم منسق، بهذا الحجم، قاده منشقون في الداخل والخارج، فالمؤكد الأول: أن الهجوم كان عسكريا وليس مدنيا، أما المؤكد الثاني: فيتعلق بسيارات الإسعاف التي لم يعرف، من مصادر طبية، إن كان ما نقلتهم إلى المستشفى العسكري كانوا من الجرحى أم من القتلى، والمؤكد الثالث: أن الهجوم كان مباغتا في إصابته، بمقتل، ما يفترض أنه موقع حصين. مما يعني أن قبضة النظام « بدت مهتزة» بفعل الهجوم، كما قالت الـ « ديلي تلغراف»، والمؤكد الرابع: أن الغضب في الجيش وصل حدا لا يطاق بسبب ممارسات النظام الوحشية. إذ من المستحيل أن يكون الهجوم من تدبير جنود، في مؤسسة نخبوية من هذا النوع، تضم مئات الضباط والطلبة أكثر مما تضم جنودا.
]مع الساعات الأولى لليلة الجمعة (29/7/2011)، بدأت الأنباء تتوالى تباعا عن سلسلة من الانشقاقات المنسقة قادتها وحدات من الجيش في عدة مدن سورية ابتداء من انشقاق كتيبة المدرعات من اللواء 71 في منطقة الدير والبوكمال شمالا إلى حوران جنوبا .. انشقاقات تعرض فيها النظام لأكبر خسائره، وقتل فيها محافظ الدير مع واحد من أعتى مجرمي النظام اللواء جامع جامع رئيس الأمن العسكري في الدير. كما سيطرت القوى المنشقة على المطار لمنع هبوط الطائرات التي يمكن أن تنقل إمداداتها لقوات النظام التي بدأت بقصف الدير والهجوم على البوكمال.
في الحقيقة هذه الانشقاقات كانت متوقعة منذ أكثر من شهر. فقد بلغ التوتر في الجيش مدى من الحنق والغضب لا يمكن تحمله، حتى صار الحصول على إجازة فرصة للانشقاق. والأهم في الأمر أن المواجهة الخفية بين ثورة الجيش والنظام صارت اليوم مكشوفة، وباتت مرشحة على أسوأ الاحتمالات. والأهم أن الثورة العسكرية لا تمس من سلمية الثورة المدنية باعتبار أن ما يجري هو مواجهة داخلية بين عسكريين وليس تحولا في مسار الثورة. فكيف يمكن المواءمة بين ثورة مسلحة وأخرى مدنية؟ وما هي خيارات النظام في مثل هذه الحال؟ ختاماثمة فرق بين المصالح السياسية ومصالح الأمة. وثمة فرق بين النظام السياسي والنظام الطائفي. أما الأمة فلم تعد معنية بمصالح النظم السياسية واستقرارها أيا كانت هويتها. لكن إذا ما اضطرت لذلك فلن تغفر أبدا. وفي هذه اللحظة من التاريخ فالأمة في لحظة هجوم، أما غيرها ففي حالة دفاع مستميتة. ورغم الهجمات المضادة، والمنسقة، على الثورتين المصرية والتونسية، إلا أن الشوارع شديدة الحيوية. فالضحك على الأمة وأساليب الخداع لم تعد تجدي. وهذا رادع لكل من يحاول قطع الطريق على الأمة في التخلص من الاستبداد والهيمنة.
الثورة السورية قدمت نموذجا خلاقا، ودرسا ثريا، وإسنادا عجيبا، للثورات العربية لا يقدر بثمن. فهي ثورة شعب مميز ضد مشروع نظام حكم طائفي مدمر، يحظى بكل الدعم الدولي والعربي والإقليمي والوطني والقومي واليساري واللبرالي!!! ومع أن الشعب السوري يدرك أن كل من حوله أعداء، إلا أن ثورته انطلقت نظيفة، دون أن تنتظر عونا من أحد، ودون أن تسمح بأي تدخل أجنبي فيها. وقدمت تضحيات هائلة، وسط طوفان من الأكاذيب والنفاق والصمت والتجاهل لم تنل من عزمها وإصرارها، ولم يلوث نقائها غدر أو خباثة كزيارة السفير الأمريكي لمدينة حماه .. هكذا قدم الشعب السوري نفسه، فاكتشفته الأمة .. شعبا عزيزا، شامخا، شجاعا، نبيلا، صبورا، صادقا وحازما .. فيا سعد أمة الإسلام به .. ويا تعس كل من خذله.
أما النظام السوري فلا يستطيع تجاهل المأزق الذي يعيشه، سواء في مواجهة الثورة المدنية أو ثورة الجيش، القوة الأشد رعبا للنظام. ولا يستطيع أن يتجاهل خطورة التسرب والانشقاقات الواقعة في الجيش، وهي تتوالى تباعا بالتوازي مع عمليات تنفذها الوحدات المنشقة، إما لتأمين الحماية والملاذ الآمن لها وإما لحماية السكان. ولا يستطيع النظام أيضا أن يستمر في الحكم دون أن يدفع الثمن سياسيا وشرعيا وأخلاقيا وقانونيا، عن تاريخه وحاضره المشين. ولا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يَحْمل الدولة والمجتمع على شرائعه الباطلة.
لكن إذا كان الحديث عن الحوار أو الانتقال السلمي للسلطة، عند المعارضة، تبرره، في أحسن الأحوال، الخشية من الانجرار إلى حرب طائفية؛ فإن يوميات المواجهة المدنية مع النظام، رغم شدة وحشيته، وصلت إلى قمة التحدي
والسخرية (35) منه. ومن يتابع أهازيج الثورة، وشعاراتها، ونكاتها البالغة السخرية، على ألسنة العامة، يدرك الشعور العميق الذي بلغه السوريون، من نشوة، تجاه ما يعتقدون أنها « 12]
لحظة حرية (36)» لا يمكن التفريط بها، ولو بدماء أطفالهم.
« لحظة الحرية» هذه، فارقت السوريين أربعين عاما لكنها لم تفارق بواطنهم، ولا حناجرهم منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة. فهم على النقيض من جماعات المقاومة والممانعة، الذين ظنوا أنهم صادفوا الحرية منذ أربعين سنة. فأي حرية ينعم بها ضيف لم يعرف لها المضيف يوما رائحة ولا لونا؟ فإن كان المقاومون نعموا، حينا ونسبيا، بحرية شرّعت للنظام بقاءه، فلأنهم لم يكونوا أزيد من أدوات عمل في ورشة الاستبداد والظلم. ومن يعتقد غير ذلك فليراجع حساباته على الساحة اللبنانية، ليقف على حجم الكوارث التي أوقعها النظام في القوى الفلسطينية والعربية واللبنانية، أيا كانت انتماءاتها. فبأي حق يكون النظام أرحم على شعبه إذا كانت أدواته لم تفلت من بطشه؟
مشكلة الأمة في جهل مثقفيها ونخبها أو في عمالتهم الصريحة أو في غرورهم وأهوائهم ومصالحهم. ومشكلة الأنظمة أنها مستبدة حتى لو أدركت أنها مجرد وديعة استعمارية. وفي الحالتين كان الصراع مع الأنظمة والنخب، على الدوام، دمويا، بدايةً ونهاية. هؤلاء الذين يدافعون عن النظام السوري، مثلا، سبق لهم وتقلبوا في المواقف منه في مناسبات عديدة .. سفك فيها دماءهم .. واعتقلهم .. وشردهم .. وغدر بهم .. وذبح شعبه، وخرّب عقائده .. ودمر مساجده .. ومع أن أعمارهم جاوزت الستين والسبعين إلا أنهم ما زالوا يتسلطون بآراهم وتحليلاتهم على الناس .. فماذا يختلفون عن النظم؟ وأي شرعية بقيت لهم، وقد ارتموا، زرافات ووحدانا، في أحضان « المركز» وما يهوى، وصاروا ركنا ركينا من « سايكس - بيكو»!!؟ نصرك الله أيتها « الفاضحة».
*****************************
روابط الفتاوى المتعلقة بالطائفة النصيرية:(1) أبو حامد الغزالي، فضائح الباطنية.(2) فتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيـبي،(3) فتوى الشيخ بن باز في النصيرية و نظام الأسد:(4) الشيخ ممدوح بن علي الحربي: الشيعة النصيرية، محاضرة صوتية. (5) وأيضا: موسوعة فرق الشيعة،(6) رابط آخر لموسوعة فرق الشيعة***********************************
رابط الحلقة الأولى: وأد الفاضحة نشر بتاريخ 29-07-2011