د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: الإسلام .. وقيادة ثورة التصحيح الأحد سبتمبر 11, 2011 7:14 am | |
|
الإسلام .. وقيادة ثورة التصحيح د. طارق عبد الحليم
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
كان الإسلام، وسيظل، صاحب اليد العليا في ظاهرة التغيير في حياة البشر، على مدار الزمان، وعلى امتداد المكان. فالإنسان، بطبيعته، ينزع إلى التغيير والتبديل، وإلى الزيغ والشطط، ولكن فضل الله ورحمته لم يزل يستدرك هذا الإنحراف والإنجراف بعيداً عن الحق، فيرسل الأنبياء، ليستعيد البشر مسيرة الحق، إلى حين.
ولو نظرنا إلى حقيقة دور الأنبياء عليهم السلام، لوجدنا أنهم قادة تغيير وزعماء إصلاح، جاءوا برسالة حقٍ، في ظلمات باطلٍ، ليبدّلوا وضعاً قائماً فاسداً، بواقعٍ عادلٍ صائبٍ، يعطىِ كلّ ذى حقٍ حقه، ويعيد البناء على أسس عقدية صحيحة، يتبعها نظام حياةٍ مستقيمٍ. والأدلة على ذلك كثيرة منتشرة في القرآن. دعوة شعيبٍ عليه السلام "وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًۭا ۗ قَالَ يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُۥ ۖ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا۟ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا" الأعراف 85. فشعيبٌ النبي عليه السلام دعا إلى توحيد الله سبحانه، ثم بين تأثير ذلك في الحياة ومنهجها، وفي التعامل الإقتصادي خاصة وقاعدته التي تُبنى على إقامةِ العدل ومنعِ الغش والتحايل. وفي قصة لوط عليه السلام "وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطًۭا سِىٓءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًۭا وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌۭ ﴿77﴾ وَجَآءَهُۥ قَوْمُهُۥ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ۚ قَالَ يَـٰقَوْمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِىٓ ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌۭ رَّشِيدٌۭ" هود 78. فهاهو لوطٌ عليه السلام ينكر الفسق الإجتماعيّ ويضيقُ به، ويسعى إلى تغييره. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاد أكبر ثورة تغيير عرفتها البشرية، في كافة مناحي الحياة وتعاملاتها وتوجهاتها وتصوراتها.
الإسلام إذن هو طريقٌ للتغيير. تغيير الواقع البئيس الفاسق الملحد، إلى واقعٍ نظيفٍ شريفٍ، تعلو فيه كلمة الله، التي هي الحق والعدل والمساواة. واللادينيون/الليبراليون/العلمانيون يفزعون حين تُذكر "كلمة الله"، ثم هم يتشدقون بمعاني الحق والعدل والمساواة! فهم إما أنهم لا يعرفون أن "كلمة الله" هي الحق والعدل والمساواة، رغم استفاضة البيان بهذا، أو يعرِفون لكن يَجحَدون، من باب "وَجَحَدُوا۟ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًۭا وَعُلُوًّۭا" النمل 14، وفي الحالتين، هم ممن لا محل لهم في دين الله سبحانه، ولا خَلاقَ لهم في الآخرة.
وهذا التصور، يجعل التردّد والتلكؤ في مُناصَرة التغيير لإعلاء "كلمة الله" خروجاً عن النهج الإسلاميّ، ومجافاة لطريق الأنبياء، ومحادة لفطرة الله في إحياء الأرض، وعمارتها وخلافتها. كذلك، فإن هذا التصور يدحضُ ما يلوكه بعض المُنتمين للحركة الإسلامية من أحاديث صحيحة، وُضعت في غير موضعها، واستخدمت فيما لم تأت لبيانه، وهو داء البدعة الذي يضرب الكليات بالجزئيات، ويفتت الشريعة. كما يضعُ حداً شرعياً للتخفى وراء مفهوم "السياسة" ودعاوى "المصلحة".
المُسلمون هم الأولى بالثورة، وهم الأولى بالخروج على الظُلم ومقاومة الظالم، سواء كان حاكماً فرداً أو مجلساً عسكرياً. والتضحية في سبيل هذا الركن الأصيل في التصور الإسلاميّ هي من أشد موجبات الإيمان، وأعلى مراتبه.
إن تصحيحَ الرؤية البشرية لحقيقة العِلاقة بين الخَالق والمَخلوق، وضَرورة طاعة الواحد الأحد، ليست فقط بتلاوة القرآن، أوالتمسك بالهدي الظاهر، وإلا لما خرجت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما حاربته العَربُ والعجم، بل إن هذا التصحيح يتناول الشّقين، تغيير التصور العقديّ، ثم تغيير الواقع المَبنيّ على التصور الباطل. كلاهما لازم وكلاهما مرتبط كإرتباط السبب بالنتيجة.
هناك طريقان لا ثالث لهما، لتحقيق هذه النتيجة، والوصول إلى تحقيق ما يريده الله سبحانه لنا، وبنا. الأول هو طريق إقناع العُصبة المسيطرة على قيادة أبناء الحركة الإسلامية بأن يأخذوا ما آتاهم الله بقوة، وأن لا يميّعوا قضية التغيير، ولا يتلاعبوا بها، وان لا يسيسوها وراء ما تحتمل، فالفارق بين السياسة الشرعية والسياسة الوضعية المصلحية الشخصية لا يلمسه إلا من صدق من عاهد عليه الله. وهو الطريق الأسرع وإن كان سلوكه لن يصل بالناس إلى نتيجة، إذ إن هؤلاء "القادة" قد تربوا في ظلِ منظورٍ لا يتلاقى مع مبادئ الثورات، ووعيها وخططها. والطريق الثاني هو إستمرار خاصة أهل السنة والجماعة في مهمة البيان والدعوة، واستفاضَة العِلم بين الناس، وتكوين الجمعيات الأهلية الدعوية لتنظيم هذه الدعوة، ونشرِ هذا البيان، إلى أن يتكفل الزمن بإزاحة هذه القيادات الحَالية المُتقاعِسة، وتكوين قاعدة عريضة ممن يعلم من الإسلام حقيقته، ويؤمن بها ويموت في سبيلها. وفي هذه الحالة، تكون الثورة القادمة ثورةٌ إسلامية حقيقية، تقصد إلى إعلاء كلمة الله، ونشر الحق والعدل والمساواة.
والإتجاه الذي تسير فيه ما تدعى القيادات الإسلامية، لا يُبعدها فقط عن هذا التصوّر والمَنهج، بل يُقصي عنها إحترام قطاع كبيرٌ من الشعب الذي لا ينتمى إلى جماعات إسلامية، وهو القطاع الذي يُفترض أنه حقلُ الدّعوة ومصدر أفرادها. وقد والله جاءتنى رسائل من مسلمين، غير منتمين لجماعة أو حزب، ممن شعروا بالقرب من الحركة الإسلامية في وقت من الأوقات، يطلقون على هذه الجَماعات "الجرزان"، و"الجراثيم" و "الطفيليات". وهؤلاء الإخوة أعداء العلمانية والليبرالية، ولكنهم كذلك، كما ذكروا، أعداء الجُبن والغَباء والتغفيل. فأيّ جمهورٍ يرتقبُ هؤلاء القادة أن ينصرَهم يوم ينقضُّ عليهم المَجلسُ العسكريّ، وهو يومٌ ليس ببعيد؟ إلا أن يرتموا في أحضانه، ولا يبقى لهم من الإسلام إلا اللحية، والذكرى!
الإسلام برئٌ من التخذيل والغفلة، كما هو برئ من الكفر والعلمانية والليبرالية. الإسلام دعوة للتغيير المستمر، الذي لا يهدأ، إذ إن أولياء الشيطان لا يهدؤون "قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴿16﴾ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ ﴿17﴾ " الأعراف.
*10 سبتمبر 2011http://www.almaqreze.net/ar/news.php?readmore=1382 | |
|