د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: الحركَة الإسلامية اليَوم .. من الأوْلى بالقيادة؟ السبت سبتمبر 24, 2011 8:45 am | |
| الحركَة الإسلامية اليَوم .. من الأوْلى بالقيادة؟
د. طارق عبد الحليم الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
الحركة الإسلامية اليوم بلا قيادة. فقادتها، أو كثيرا منهم، كما رأينا في تحليلاتنا السّابقة لمواقفهم، قد انحرَف بهم فَهم الواقعِ، أو إنحرفوا في فهم الواقع، إلى درجة قاربت بينهم وبين الحركات العِلمانية المُتواطِئة مع النظم الديكتاتورية، من الناحية العملية لا العقدية، وأفسدت عليهم الشارع المِصري المسلم. ومن ثمّ، صحّ أن نتساءل، من الذي يجب أن يتقدم الصفوف الآن لقيادة الحركة الإسلامية؟
لابد أن نؤكدَ على معنى فاصلٍ في هذا السّياق، هو أنه لن تعدِم الحَركة الإسلامية جَمْعا ظَاهرا على الحق، كما أبلغ المَعصوم صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيح. والظُهور على الحق، لا يكون مع تجزأته، بل يعنى الحق كله، فالحق لا يتجَزّأ ولا يتبعّض. الظهور على الحق في العقيدة، والعَمل، والواقِع. وهو ما جَعل هذه الطائفة قليلة في العَدد، غريبة في الناس، واضِحة في النَهج، لا يَضُرّها من خالفها أو خَذلها إلى يوم القيامة.
وقد أشار الحديث إلى عَدوّين لهذه الطائفة المنصورة، الأوّل من خَالفها، والثاني من خَذَلها، إذ "أو" في الحديث تفيد المغايرة. والمُخالفة تأتي من أصحاب المَناهج العَقدية المُخالفة، كالعِلمانيين في عَصرنا هذا، وأمرهم معروفٌ مَفضوح. والخِذلان قد يأتي من المُوافقين في العقيدة، المُتخَاذلين في المنهج، أو المُنحرفين في فهم الواقع، مثل ما نراه من تصِرّفات بعض قادة التجمعات الإسلامية اليوم، من الذين خَذلوا أهل الحقّ والإسلام، وانحرفوا عن النَهج، بعلمٍ أو بغفلة، في عقيدة أو منهجٍ أو تطبيق.
القيادة اليوم يجب أن يتولاها من هم أحقُ بها وأهلَها. أعنى بهم أهل السُّنة والجماعة الخُلّص. ويبرُز التساؤل، من هم أهل السّنة والجماعة الخُلّص؟ أليس الإخوان والسلفيون من أهل السنة والجماعة؟ وإذا كان هناك طائفةٌ بهذا الإسم، فأين هي، وأين رؤوسها، وأين أبناؤها؟
يتميز أهل السُّنة والجماعة الخُلّص بإتباع السلف الصالح، عقيدة ومنهجاً، على طريق فهم أصحاب القرون الثلاثة الفضلى رضى الله عنهم، بما يَجمع بين الأدلة الشرعية، من كتابٍ وسُنة، وقواعد كلية شرعية مُستنبطة من كليهما، دون تضاربٍ أو مخاصمةٍ، ودون تمحكٍ أو مداورة. وهُم، في هذا النظر، يدركون مواطن الخلل ومراكز القوة في الواقع المعاصر، دون إفراط أو تفريط، فلا يغلبون مصلحة موهومة على دليل شرعيّ ثابتٌ من كتابٍ أو سنة أو كلياتٍ مبنية عليهما. كما لا يغلبون نصاً جزئياً، على قاعدة كلية عامة، دون النظرِ في صحة إندراج الجزئي تحت الكليّ، ومدى إنطباقه على مناطه. ومن هنا فإن تقدير أهل السّنة والجماعة الخلّص للواقع أقرب للحق من كلِّ تقديرٍ. ولإن زعم البعض أن الشق الواقعيّ في العملية الشرعية يخضع للتباين في الفهم البشريّ، فإنا نقول أنّ الأقرب للصحة في هذا التقدير هم أصحاب هذا المنهج في النظر، إذ إن عملية تقدير الواقع ليست عملية تقوم على التقدير الشخصي البحت "subjective" بل هي تعتمد على العقلية التي تنظر في هذا الواقع، ومُركبات هذه العقلية وطريقة بناء أساليب فكرها "objective"، فتعود إذن إلى المنهج مرة أخرى، وتخضَع للشرع مرة أخرى.
وهذه عجالة لا نقصد بها شرح عقيدة أهل السنة والجماعة أو منهجهم، فإن هذا يحتاج إلى مطوّلة لا يتسع لها هذا المقال. كما إنها انتشرت في كتب أئمة هذا المنهج قديماً، وحديثاً، كالشيخ العالم الجليل عبد المجيد الشاذلي أطال الله عمره، وبعض ما دون كاتب هذه السطور منذ ما يقرب من أربعين سنة، وعدد من العلماء الأفاضل من أصحاب المنازل العالية في هذا الشأن. إنما القصد إلى تمييز الفارق بين هذه الطائفة وبين الحركات الإسلامية السائدة، والذي هو في فقه تقدير الواقع، ومن ثمّ، سُبل مواجهته، في هذا الزمن المتقلبّ العَصيب.
فأهل السنة والجماعة الخُلّص، يشاركون السّلفيين في مصدر التلقي وتقدير أقوال السَلف، والتمسك بما هم عليه من تشبثٍ بالدليل الشرعيّ، إلا إنهم يخالفونهم في ما يُقصد بالدليل الشرعيّ وإتساعه لما هو وراء النصوص الجزئية كما أسلفنا، كما يخالفونهم فيما ينبني على ذلك من مواقف عملية، مثل ما انتهي اليه بعض مشايخهم من تحريم التظاهر وغير ذلك من إنحرافٍ منهجيّ، أو ما وقع فيه آخرون منهم، كمحمد حسّان وصفوت حجازى، من تزلّف لأصحاب المال والجاه من كفرة الحكام، كالقذافيّ، والذي هو من باب الإنحرافٍ الخُلقيّ. كما أن أهل السنة والجماعة الخُلّص يتفقون مع الإخوان في ضرورة الوعي السياسيّ والحنكة الواقعية، إلا إنهم يخالفونهم أشد المخالفة في عدم وضع العمل السياسيّ تحت مرقاب الشريعة، إذ إن الشريعة ما تجيزه صالح، يؤدى إلى النجاح، وما تأباه باطل لا يؤدى إلا إلى الفشل. وهذا الأمر كان سبباً فيما عانته هذه الجماعة من جراء تأويلاتها لدلائل الشَرع في هذا الصّدد على مرّ ستين عاماً، وها هم يعيدون الكرة مرة أخرى، كأنهم لم يعتبروا بما كان، وهو إنحراف في المَنهج والبنية العقلية الشرعية، ومنهج الإستدلال والنظر وإستنباط الأحكام، أعادهم الله للصواب.
الأمر أن أهل السُّنة والجَماعة الخُلّص ليس لهم كيانٌ خَاصٌ موحدٌ يتحدثُ بإسمهم، ويمثل وجهتَهم، وهو كما أشرنا من قبل، بسبب ما تعرضوا له بوجه خاصٍ من مطاردة مُمنهجة، تتجاوز ما حدث للإخوان والسلفييين، نظراً لدقة تقييمهم للواقع، الذي أثبت الحَاضرُ صِحَتُه، والذي عادت اليه بقية الجماعات في الوقت الراهن. قالوا بخروج نظام مبارك عن دين الله وضرورة الخروج عليه، بطريق التوعية والتجميع، ونصحوا بعدم اللجوء إلى العنف من ناحية، كما فعلت الجماعة الإسلامية، وعدم التسيّب والإنخِراط في سِلك السِّياسة، كما فعلت الإخوان من ناحية أخرى، وأدانوا القول بأنّ الحَاكم بغير ما أنزل الله وليّ أمرٍ يجب طاعته، كما زعم السلفيون! ووَجّهَوا إلى الدعوة لإحياء فَهمِ الأمّة والتهيئة والترقب، لحين تنفرِج نافذة تُمَكِّن الأمة من إملاء رأيها على النظام، وهو ما حدث في حَركة 25 يناير، بشكلٍ جَزئيٍ، إذ لا تزال الأمة في حاجة إلى السَّير في عملية الإحياء الكامل، وحينها، لن تكون الثورة بهذا العجز الذي نراه في الحاضر، ولن تفشل هذا الفشل الذي صاحب حَركة 25 يناير، لأن القيادة وقتَها لن تكون لزعامات إسلامية متلجْلجْة متردّدة، عاجزة عن التقييم الصَحيح للواقع، ومن ثم، كيفية التعامل معه، بل ستكون بعون الله لمن تربى على منهج الرسالة الصافية، لا على المناهج المُشوّشة السائدة.
أهل السُّنة والجَماعة الخُلّص عليهِم واجبٌ ثقيلٌ يتمَثل في أخذ زِمام المُبادرة، والتحرّك بقوةٍ، وإنشاء مَجلسٍ يتحدث بإسمهم، وجمعية تدعو لِضمً أعضَاءها، وإخراج رؤيتها وبرامجها على الفور، إذ هم في حالة من التسيب وانفراط العقد والتشتت. وأخشى ما أخشى أن يكون أهل السُّنة والجَماعة الخُلّص، واقعون في نفس الإضطراب الذي يعاني منه الغير، في مواجهة الإرتباك السائد في الواقع الإسلاميّ الحاضر.
وأهل السُّنة والجَماعة الخُلّص موجودون بقوة وكثرة، سواءاً من قياداتٍ تاريخية لا تزال تقوم بدورها، أو من طلاب علم كُثرٍ، يعرفون المنهج وينتمون اليه إنتماء ولاءٍ ومحبة، وعملٍ وجَهد.
أدعو من ينتمى لأهل السُّنةِ والجَماعةِ الخُلّص، قيادة وأفراداً، أن يتحَرّكوا لتكوين مجلسٍ قياديّ يأخذ بزِمام الأمور، ويُجمّع المُنتَمين اليه على يدِ رجلٍ واحد، إذ هم بالفعلِ على قلبِ رجلٍ واحد. وأن يتبع ذلك، على الفور، إنشاء مَركزٍ في القاهرة، وإعلان منهج عَملٍ، وجدولِ أعمالٍ، يُنهى حالة الفَوضى والتشَتّت الذي تعاني منه هذه الحَركة الرائدة، والوارثة الوحيدة للحركات التي تعاني من جراثيم عقدية أو عملية.
والله وليّ التوفيق
* 22 سبتمبر 2011 | |
|