د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: مأزق العَسكر .. والطريقُ المسدود! الإثنين سبتمبر 26, 2011 7:24 am | |
| مأزق العَسكر .. والطريقُ المسدود!
د. طارق عبد الحليم الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
"إِن تَكُونُوا۟ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ" النساء 104
المجلس العسكريّ، الذي انتخبه مُبارك لإدارة شؤون مصر، قبل أن "يتخلى" عن السُلطة، في مَأزق لا أظنّ أنه يُقدّر عمقه وأبعاده. والسّبب في ذلك كثير.
فقيادات العَسكر، بطبيعةِ تكوينهم ومُمارساتهم، لا يروْن المُشاكل قادمة، بل قد لا يَرونها إلا من بعد أن تلطُمَ وجوهَهم وأصْداغهم. ذلك إنهم لم يتعوّدوا مجابهتها، إذ حل المُشكلة، عند العَسكري، أن يُصدر أمراً بحلهاً، وينتظرُ تقريراً بأنها قد زالت، فإن ظَلت قائمةً، أصدر أمراً آخر بحلّها من جديد. العسكريّ لا يفكر في أبعاد المشكلة، بل فيمن يقدِر على أن يجعلها تختفي، ممّن يرأسهم. وتلك بالضبط كانت وسيلة مبارك، حين ولّى العَادليّ حلّ مُشكلة الثوار. ويتفاقمُ هذا الدّاء حين يكون العَسكر من نوعية عَسكرنا، الذين تخلّوا عن واجبهم الوطنيّ منذ عقود، لصَالح العَمل الإقتصاديّ، وتكديسِ الأموال، وإنتاجِ الغَسّالات والسَخّانات! حينها، يَجتمع الشَرَه إلى العَنجَهية، ويا لهُما مَعا من داءٍ قَاتل.
ثم إنّهم يَعرفون أنّ مُخطّطهم لإجهاض الثورة، وتدمير أركانها، قد أصبح مَعروفاً مكشوفاً، لكل الناس، وانتهت مرحلة "الجيش والشعب يد واحدة"، وأفاق رجل الشارع العاديّ على الحقيقة التي حاول هؤلاء إخفاءها إلى حين. لم يستغرق الأمر أكثر من ستة أشهر لتتضِح نواياهم، فيما يريدون بمصر. وأصبح الشعب في مواجهة العسكر، يستعد كلاهما للصدام المرتقب. والعسكر يعلمون إنه لا قبلَ لهم بالشعب، هذه حقيقة لا مراء فيها. الجيش المصريّ لنْ يواجهُ شَعبه، إلا لإختبار عزم الناس وتصميمهم، ثم سيكون لجنوده وقياداته الوسطى أمرٌ مع المجلس العسكريّ. يعلمُ المجلسُ هذا الأمر تمام المعرفة، ويخشاه أشدّ الخوف. ولهذا مدّ قانون الطوارئ بلا شرعية دستورية.
ثم إن ما فعلته هذه القيادات العسكرية، في زمان مبارك، هو كابوسٌ مخيفٌ، يُطاردهم، يودّون لو أنّ بينهم وبينه أمدا بعيداً، سواءاً في تدجين القوة العسكرية المصرية، وتجريدها من التسليح الحقيقيّ، وإستخدام هذا الجهاز الرهيب، بعدده وعدّته، في تصنيع اللوازم المنزلية التي يعود خيرها على المنظمة العسكرية، قياداتها لا أفرادها. يعلم هؤلاء أنّ التغيير الحقيقيّ في مصر لن يكون إلا بسقوطهم، وإنكشاف بلاياهم، وهم من هذا في رُعبٍ مقيم.
المجلس العسكري يعلم أنه الآن يواجه الشعب، بلا حِجاب أو ستار. ويعلم أن الشعب قد خَاضَ التجربة من قبل، وكما يقال "اللي تعرف ديته اقتله"، فستار الخوف قد زال، وهو المَانع الأول والأعظم من الحركة والتمرّد على الباطل. ومن ثم، فهم يعلمون أنهم يجابهون شعبا ليس هو شعب ما قبل 25 يناير، ليس هو شعب مبارك الخاضِع الذليل، إلا قليلا منهم! وهو ما يُقلقهم ويَقضّ مضاجعهم.
المجلس العسكريّ يعلم أنه ليس من أفراده من يوازى عبد الناصر، رغم فساده وطغيانه، ولا معشاره في الشَخصية والتأثير على الجَماهير، وهو المُرتكز الذي مَكّن لعبد الناصر أن يخدع الشعب ويركب موجة يوليو 52. الفارق بين عبد الناصر وبين الطنطاوى وعنان وشاهين والفنجري، في المقدرة الشخصية، فارق بين السماء والأرض، فهؤلاء لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة. هم يعلمون أنهم شخصياتٌ هزيلة، لا تصلح للقيادة، ولذلك لم نر الطنطاوى على الإطلاق يتحدث إلى الناس. وهذه الحقيقة، تجعل أعضاء هذا المجلس في رٌعب دائمٍ من مواجهة الجماهير، وتُلجؤهم إلى التستر وراء شخصياتٍ كيحي الجمل وعلى السّلمي، أعداء الله والشَعب، لتنفيذ أجنداتهم.
المجلس العسكريّ يخطط للبقاء في السلطة، باي وسيلة كانت، إما بتزوير الإنتخابات، أو إلغائها، أو الإتيان بمن هم من زبانيته كشفيق أو عمر إسماعيل، أو وضع بند في الدستور يجعله حاكما فعلياً فوق الرئاسة والحكومة، أول كلّ ما ورد إعلاه معاً. ولكن يعلم المجلس أنّ هذا التَخطيط، يحتاج إلى إبداعٍ لا يَتيسّر لمِثل هذه الشّخصيات المُهترئة الضعيفة، فما كان إلا أن سار على مخطط إنقلاب 52، بالحرف الواحد، كالتلميذ الخائب، يغش في إمتحان الكيمياء من كتاب الجغرافيا! فالشعب اليوم هو من قام بالثورة على عصابة مبارك ثم انقلب الجيس على الشعب، ليس كما حدث في 52، حيث الجيش هو من انقلب على الملك، ثم انقلب على الشعب. وهو فارقٌ جوهري لا أعتقد أن هذه الشِرذمة الحَاكمة قد أعدّت له عدته. هم يأملون أن تسير الأمور على هواهم، وأن يصلح برنامج 1952 في 2011، لكن الأمر الذي يجب أن يفهمه مجلس العسكر، هو ما يقول أبو العتاهية:
ما كلّ ما يتمنى المَرءُ يدرِكهُ *** رُبّ أمرئٍ حَتفُه فيما تمَنّاهُ 24 سبتمبر 2011 | |
|