عمر رفاعي سرور
عدد المساهمات : 1 تاريخ التسجيل : 02/10/2011
| موضوع: لمن أسقط الله النظام؟ الأحد أكتوبر 02, 2011 7:23 am | |
| لمن أسقط الله النظام؟ عمر رفاعي سرور
الله وحده خالق كل شيء وإلى مشيئته تعود كل حركة، وأفعاله كلها دائرة بين العدل والرحمة والإحسان والخير والحق، وكل ذلك مرتبط بحكمته سبحانه وتعالى، لقد أسقط الله أنظمة كثيرة أقام على أنقاضها الدين الخالص له وحده، لكنها سقطت بطائفة قائمة على أمر الله، لم يضرها من خالفها ولا من خذلها، وهذه سنة الله الجارية في الإهلاك بعد إنزال التوراة، إلى أن تقاتل هذه الطائفة الدجال، قال تعالى: "ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهكلنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون"، قال ابن كثير: (يعني أنه بعد إنزال التوراة، لم يعذب أمة بعامة بل أمر المؤمنين بأن يقاتلوا أعداء الله من المشركين)، (مما يعني أن العذاب بالقتال هو الأسلوب القدري البديل للعذاب بالإهلاك منذ نزول التوراة حتى قيام الساعة، فالقتال هو عذاب الله بأيدي المؤمنين، وهذا هو المعنى الصريح في قوله تعالى: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم" (قدر الدعوة)، وقال تعالى: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا" قال ابن كثير: (أي بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء ومدافعتهم عن حوزة الأسلام وأهله ومقاومتهم ومصابرتهم، وقوله تعالى، "والله أشد بأسا وأشد تنكيلا"، أي هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: "ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض").
دل ذلك على أن النصر وإن كان من عند الله إلا أنه يتحقق بطائفة من المؤمنين حسب سنن الله في إهلاك الطغاة.
هناك صور أخرى لنصر الله لا تختلف كثيرا عن الصورة السابقة، تتحقق إذا بلغت تلك الطائفة مبلغا شديدا من الضغف يخفي سببيتهم للنصر، وأوضح مثال لها، ذلك النصر المتحقق للمؤمنين في غزوة الأحزاب، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا ننعمة الله عليكم إذ جائتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنود لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا"، إلى قوله تعالى: "ورد الله الذي كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا".
وهذا ليس نصرا من الله "بطائفة" من المؤمنين، بل "لطائفة" منهم، ومن الأمثلة الواضحة جدا على ذلك النوع من النصر، ما حققه الله لغلام أصحاب الأخدود بعد أن كابد طريق الدعوة، وتعذب فيه عذابا شديدا، انتهى به إلى القتل، ومن قبله الراهب "شيخه"، وجليس الملك "ثمرته"، فلم ير ثلاثتهم نصرا في حياتهم الدنيا إلا ما كان من ثباتهم على دينهم، حتى قتلوا في سبيله، فأهدى الله إليهم النصر وهم في حواصل طير خضر: آمنا برب الغلام.. أمنا برب الغلام.. آمنا برب الغلام.
وقد وحد النبي صلى الله عليه وسلم هاتين الصورتين من صور النصر بقوله الثابت في الصحيحين،: "يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم".
والذي يعنينا الآن هو أن نعرف من أسقط الله به النظام أو من أسقط الله له النظام، إنهم طائفة قليلة ترغب حقا في سقوط النظام، وتعجز حقا عن ذلك، لكنها قهرت خوفها وصدعت بمرادها على بصيرة من أمرها وصراحة في قولها، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلئك هم الكافرون"، فنابذهم لذلك مصاص الدماء، إذ خذلهم من يقول بقولهم ولا يمتلك شجاعتهم، فرأتهم عين النظام قلة يسهل البطش بها، بل لقد فرغ لهم حتى أوقف عليهم كل إمكاناته الأمنية والإعلامية، فلم يزدهم في ذلك إلا إيمانا وتسليما، فقويت الإرادة ببعضهم، فلم يكتفوا بأن يصدعوا بالحق، لكن تطلعوا لمناجزة الباطل في واقع قتالي (انظر تفصيله في فرسان تحت راية النبي)، فانكشفوا عن عدد هو أقل من القليل، وزاد بطش الظالم لهم بكل إمكاناته حتى أضعفه ذلك البطش إضعافا شديدا، وفر منهم بدينه من فر، وهاجر منهم من هاجر ليكمل جهاده، وبقى منهم طائفة قليلة العدد والعدة، لا منعة لهم ولا عزة إلا ما كتبه الله في قلوبهم من إيمان، ولم يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، واشتدت وطأة النظام عليهم في مدة استغرقت ثلثي عمر النظام، عشرون سنة كاملة، في ملحمة عظيمة، قل أن يشهد التاريخ مثلها، عشرون سنة قتل فيها من قتل وعذب فيها من عذب وشرد فيها من شرد ولم يسلم من ذلك النساء، عشرون سنة بين ترهيب شديد، مات فيه بالسجون من مات بالدرن والجرب والقهر النفسي، وجُنّ فيه الكثير، وترغيب شديد، أعمى أبصار بعضهم بعد ظلام الترهيب، حتى كانت فتنة انتكس فيها الكثير (بمراجعاتهم)!، فضلوا الطريق الذي بدأوه أول مرة، وثبت الله القليل بعد دعاء وتضرع ورغبة ورهبة إلى الله، تشهد عليه أسحار سجونهم بأن يكشف الله كربهم وينصرهم على عدوهم، ويسقط ذلك النظام. ثم من الله على بعضهم بالخروج من هذه المحنة العظيمة والبلاء الشديد فيسر الله لهم مشاركة الصادقين الذي ضحوا بأرواحهم فقط لتكون كلمة الله هي العليا، ليكملوا طريقا قد حف بشديد المكاره، فأسقطوا نظاما كان قد أسقطه الله فعلا، ولم يتبق منه إلا جثته، ولحكمة يعلمها الله سبحانه ما دلهم على موته إلى دابة الأرض تأكل منسأته.
الله وحده أسقط النظام.. لكن بهذه الطائفة المؤمنة فقط، ولهذه الطائفة المؤمنة فقط، والله وحده متم نوره وسيظهره على الدين كله، وسيكون الدين كله لله، لكن بهذه الطائفة فقط، ولهذه الطائفة فقط. فكانوا سببا سياسيا لسقوط النظام إذ بسببهم بلغ طغيانه منتهاه فانقلب الناس عليه، وكانوا سببا قدريا لسقوط النظام لأنهم قد استفرغوا الجهد حقا، فكان ذلك من الله لهم منة.
لقد تعين الآن على تلك الطائفة التي أصابها القرح، أن يستجيبوا مرة أخرى لله وللرسول، فهم فقط أكثر الناس استعدادا لتحقيق ما وصف الله تعالى: "الذي استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، للذي أحسنوا منهم واتقوا لهم أجر عظيم".
تعين عليهم القيام بقيادة الصادقين من أبناء أمتهم، حتى لا يضيع النصر الذي فعله الله بهم أو فعله لهم، على يد من كانوا لا يتجرؤون على مجرد الصدع بكلمة: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلك هم الكافرون" فيمرون عليها مر الكرام دون أن يمرروها لأصحابها.
أتراكم قد وضعتم عن كاهليكم السلاح ولم تضع الحرب أوزارها، أم تراكم تضيعون عشرين سنة من مكابدة نار النظام السابق لا وقت لديكم لإصلاح ما فسد من دنياكم، وتتروكون استجابتكم الثانية، فتلك والله هي التهلكة، ثبت عند أبي داوود، من حديث أبي أيوب الأنصاري، قال "إنما أنزلت على هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وأظهر الإسلام، قلنا هل نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة..فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد".
لقد ترك الميدان للقاعدين فقالوا بما لا يرضي الله من أقوال جاملوا فيها أهل الباطل على حساب الحق، والتمسوا بها رضى الناس من دون مبالاة بسخط الله، مكتفين بسلامة مقاصدهم ونياتهم، فالتمسوا كل مجروح من الفقه كأهل الزندقة والإلحاد، بل لم يسعهم ذلك فأتوا بما لم يأت به أحد من السلف عامة، من إخاء لأهل الكتاب وتمييع لحكم الله اعتذارا منه وتأويلا.
فعلِّموهم طريق النصر الذي بدأتموه وكابدتم شدائده، فلأنتم أحق بالقيادة ممن لا يستبين سبيل المجرمين.
وستجدون إن شاء الله خيرا كثيرا ممن حسنت مقاصدهم ونياتهم، وعرضوا صدورهم لنيران النظام السابق في عنفوانه، فهدفكم وهدفهم: "حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله".
* 1 أكتوبر 2011 | |
|