يا مُسلمي مصر .. ليس هناك ما يُقال بعد!
د. طارق عبد الحليم الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
نشرت على هذا الموقع، منذ أن بدأت إنتفاضة 25 يناير في مصر، مائتان وتسعةً وسبعين مَقالاً، دار كلها حول التأكيد على عدة معانٍ قليلة، إلا القليل النادر منها، تتلخّص في بيان التالى:
1. دورُ المجلسِ العسكريّ الخبيثِ في قمعِ الإنتفاضة الشعبية، ومنع تحوّلها إلى ثورة، بفرض الإنقلاب العسكريّ، وما يتبعه من مدّ قانون الطوارئ، وتأجيل الإنتخابات، ورفض إعادة هيكلة الداخلية والإعلام، أو منعِ الفلول من الحَقّ السياسيّ، أو مُحاكمة مبارك مُحاكمة حقيقية لا رمزية تهْريجية.
2. نية المجلسِ العسكريّ الخبيثِ في التحكم في الإنتخابات البرلمانية، وإدارتها كما في عهد مبارك، مع هامش السماح للتيارات "الإسلامية" بالمشاركة فيها.
3. إتجاه المجلسِ العسكريّ الخبيثِ إلى فرض آلية تؤدى إلى دستور علمانيّ، به مسحة إسلامية لا يمكن من خلالها تطبيق الشريعة، كما في مسألة ما اسموه "المرجعية الإسلامية" غامضة الحدود، أو تطبيق "مبادئ الشريعة" العامة، التي هي كليات لا تطبق بذاتها على الأرض.
4. عَزم المَجلسِ العسكريّ الخبيثِ على زَرع مادة في الدستور تنص على استقلاليته عن الدولة، إدارياً واقتصادياً، كأنما هو يتبع دولة أخرى خاصة به، ويفرض وصايته على دولة مصر، احتلالاً لا حماية.
5. تنبيه المسلمين، وشباب الإسلاميين، إلى سلبية حركة الإخوان، وحقيقة مبادئها، التي تدور حول "اللعبة البرلمانية" التي فشلت في تحقيق أي مكاسبٍ خلال الستة عقودٍ الماضية، كالتي حققتها الإنتفاضة في ثمانية عشر يوما، وأنّ قادتها يحسبون حساباتهم الشخصية المبنية على تأمين السلامة الشخصية، وعلى الإيمان بالتوسط بين العلمانية والإسلام.
6. تنبيه المسلمين، وشباب الإسلاميين، إلى حقيقة أثر ِالتحرك السلفيّ السياسيّ، وأنه قد يَكون أخطرُ على الأمّة، دون دراية منهم، مما كان أيام اقتصار دور مشايخهم على نشر مبادئ الولاء للحاكم أياً كان ومهما فعل، إذ أصبح اليوم دورهم يتعدّى إلى الشارع السياسيّ، يخذّلون به الأمة، ويُشاركون في تجريم من يقِف للعُدوان والبغي بغير الحق بالمرصاد، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
7. التحذير من القوى العلمانية اللادينية الكافرة المعادية للإسلام ، وممثليها، كإبراهام عيسى ومحمد البرادعيّ في الساحة السياسية، وككافة الإعلاميين في القنات الفضائية سواءاً المصرية أو التابِعة لقيادات القبطية العلمانية، مثل أون تي في، ورؤوس الإعلام اللاديني الملحد كمنى الشاذلي وريم ماجد والأرناؤوطي وغيرهم كثير، تطفح بهم شاشات التلفاز، ليلاً ونهاراً.
8. التحذير من القوى الصليبية القبطية، المتآمرة مع الغرب الصليبي الكاثوليكيّ، ومع خونة المهجر، وبتعاونٍ مع مجلس العسكر، للسيطرة على معالم مصر، وتحويلها إلى علمانية غربية نصرانية، سيراً على المخطط الذي رسمه كلبهم نظير جيد، ومباركة نظام الخائن المخلوع.
هذا ما دار عليه حديثى إلى قرائي الأحباء خلال الثمانية أشهرٍ الماضية، والتي رسمتُ فيها، على وجه الدقة، كافة تحرّكات المجلس العسكريّ الخبيث، وما ينتويه لمصر ولأهلها، وهو ما أكدته الأيام، واشارت اليه كافة التقارير من الداخل والخارج.
والأمر أنه رغم علمي بدور الكلمة في صنع الأحداث وتوجيهها، إلا إني أدرك كذلك أن الكلمة لها وقتٌ معلوم افقد فيه أثرها، ولايبقى محلً إلا لصوت السيوف تتقارع، والرجال تتصارع. الكلمة لا تصنع حدثاً، بل هي إما تشرح حدثاً أو تحرض على حدثٍ، لا غير. ودور التحريض هامٌ أساسيّ، قال تعالى "فَقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ" النساء 84. إلا إننا قد حرضنا، وشرحنا وبيّنا، وجادلنا، ولم يبق إلا أن نكرر ما ذكرنا سابقاً، أن قد حان وقت العمل. حان وقت الخروج والتضحية، وإن كان ذلك يعنى المزيد من الشهداء، بل وهو ما يعنى المزيد من الشهداء. حان وقت مواجهة القوى العميلة التي استغفلت مصر، ولا تزال تستغفل أكثرها، لتبقى على رأسِ منظومة الحكم، برعاية الغَرب الصليبيّ والشرق الصهيونيّ.
لم يعد هناك معنى لكثرة الكلام، وترديد المعاني، إذ إما أنّ الناس تعقل، أو لا تعقل. ولو ظنّ الإخوان لحظة من اللحظات أن البرلمانات القادمة، تحت إشراف العَسكر وسَيطرته، يمكن أن تأتي بحريةٍ أو عدالة، لا أقول بإسلام فهو في حكم المستحيل، فقد فقدوا عقولهم مرة واحدة، واحتاجوا أن يَحجُر عليهم حَجرٌ شَرعيّ، إذ لم يتأتي هذا في العقود الستة السابقة، وهو ما تشهد به تجربتهم ذاتها، فمن لم تصله منها العبرة ، فلا حماه الله من عدوه. ولو استكان الشباب لما يحدث، فعليهم أن يدفعوا ضريبة الاستكانة والذلة وحب الدنيا وكراهية الموت. ضريبة من الفقر والجوع والبطالة والتخلف والذل، لكلّ ما هو صليبي وصهيونيّ.
العقد مع الله سبحانه يعنى أكثر من اللعب والتلاعب في أروقة السياسة. العقد مع الله سبحانه يعنى الصدق مع النفس، وإرادة النصر، والاستعداد للتضحية، وقبول نتائج التمسك بالإسلام ديناً وشريعة وحكماً. العقد مع الله لا يعنة استمرار عمل اللسان وإعماله، بل يعنى عمل اليد الذي قد رأينا أنّ الشعب قادرٌ عليه. والتمحك في القدرة والاستطاعة ما هو إلا هروبٍ من وجه المعركة، وجبنٌ وتولية دبرٍ، وفرارٌ من الزحف، ليس كما زعم "مفتى الإخوان"، تهريجاً، أنّ انتخابات مجلس الشعب المزيفة عام 2005 هو الفرار من الزحف! وليس أمامنا اليوم إلا خيار واحد، بعد أن استنفزنا الحبر، واستهلكنا الكلمات، وكررنا المقالات، أن يخرج الشباب في وجه هذا الإحتلال الجديد، ولا ينتظر عقداً آخر من الزمن، يستغفل نفسه، يتبع سبيل المرجفين والمخلفين والساقطين والمتوهمين. إن الله سبحانه قد مدح المُتوسّمين في القرآن، فقال "إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَـٰتٍۢ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ" الحجر 75، والتوسم هو إدراك العبرة بالبصر والبصيرة، قال قتادة "للمعتبرين" وقال مالك عن بعض أهل المدينة " للمتوسمين" للمتأملين، وهو، كما ذكرنا من قبل، من فراسة المؤمن الذي ينظر بنور الله، كما جاء في الحديث الصحيح. والتوسم، هو معرفة الشئ بعلاماته، لا بذاته، فإن كلّ إنسانٍ قادر على معرفة الأمر بذاته، أي حين رؤيته حقيقة، وإنما المُتوسّم هو من يعرف الأمر من علاماته الدالة عليه، قبل وقوعه.
ليس مثل قول أبي تمام
السّيفُ أصدقُ أنباءً من الكُتبِ في حَدِّه الحدُّ بين الجدِّ واللعَبِ
وليس هناك ما يقال بعد قول الله تعالى: "مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌۭ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِيلًۭا" الأحزاب 23.
ألا هل بلغت..اللهم فاشهد
* 18 أكتوبر 2011
|