د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: المجلس العسكري أصدر أوامره للمحافظين بحشد فلول المجالس المحلية إلى القاهرة...خريطة العمل السياسيّ الإسلاميّ .. والمخرج الوحيد الجمعة نوفمبر 25, 2011 5:37 am | |
| د. طارق عبد الحليم
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
لا شك أن الموقف الآن على الساحة السياسية والجماهيرية في مصر، تحتاج إلى مراجعة هادئة هادفة لما يجرى، فقد تشعبت الأقوال وتنافرت المواقف، وتباينت التوجهات. ونود أن نحدد الإتجاهات التي تعمل على الساحة السياسية والجماهيرية، من منطلق إسلاميّ، أو شِبه إسلاميّ، ونرسم خريطة لهذه الساحة كالتالي:
1. تجاه الشيخ حازم أبو اسماعيل: وهو الإتجاه الذي يرى أن الإبقاء على المجلس العسكريّ في السلطة، هو إجهاضّ تلقائيّ للثورة الإولى، وأنّ أية خطوات يتخذها هذا المجلس، سواءاً بإتفاق مع جهات مدنية أم إسلامية، فليست ذات جدوى لأنه معلوم سلفاً ما يبغى المجلس العسكريّ، وأن هؤلاء الذين يروجون أنه لا يجوز تخوين المجلس! وهؤلاء معتصمون في الميدان، مع عدد من مشايخ الصُمود، كفوزى السعيد وحسن أبو الأشبال والشيخ رفاعي سرور.
2. إتجاه "الإخوان المسلمون": وهم يرون، كَسابق رأيهم في السّاحة السَياسية، أن إقامة البرلمان هو السبيل الأوحد للوصول إلى حكومة "ديموقراطية" تشترك فيها القوى الإسلامية مع القوى العلمانية في السلطة. وهؤلاء يرون أنّ الثورة الثانية كانت مصنوعة مدبرة بعد يوم الجمعة 18 نوفمبر، وأنها تقصد إلى تأجيل أو إلغاء الإنتخابات، لتعطيل تسليم السلطة، بالطريقة التي أعلن عنها المجلس العسكريّ في 19 مارس الماضى. ومن ثم، جلسوا مع العسكريّ وعنان، ودعوا منتسبيهم إلى عدم النزول للميدان، معللين ذلك بأنه يحدّ من زيادة الجموع فيقل الزحام وتقل الإصابات، وهو ملخص ما جاء به بيان محمد بديع المرشد العام للجماعة، غير محاولات لتبرير موقفهم ببيانات يقصد بها استدراك الهبوط الشديد في شعبيتهم، رغم تناقض موقف بعضهم مثل محاولة البلتاجي للنزول إلى الميدان. ويمثل هؤلاء محمد بديع، والكتاتني ومحمد مرسى والعريان، انضم اليهم موخراً في رؤيتهم هذه راغب السرجاني.
3. إتجاه "السلفويون": وهو غير واضحٍ، ويتلخص في أنّهم يرون، مثل الإخوان، أنّ إجراء الإنتخابات هو الطريق الأمثل للوصول إلى الحكومة الإسلامية، خلافاً لما آمنوا به ونافَحوا عنه عقدياً ومارَسوه عَملياً لعقود عدة. كذلك فإنهم يرون أن أحداث الصدام بوجه عامٍ، تتنافي مع التوجيه الشرعي، والسنة النبوية! وتتمثل رموزهم في محمد عبد المقصود، ومحمد حسان ومحمد يسرى وياسر برهامي. ويخالفهم عدد من السلفيين الأحرار كحزب الأصالة والجبهة السلفية، إذ يشتركون في مع الشيخ حازم أبو اسماعيل في إتجاهه.
إتجاهات فردية لا تمثل قوة سياسية على الساحة:
4. الشيخ وجدى غنيم: وهو يمثل قوة مُعارضة للمَجلس العسكريّ لا يُستهان بها، ويدعو إلى الثورة الثانية والإعتصام، والوقوف بالقوة في وجه العدوان من قبل الشرطة المدنية والعسكرية. وهو، وإن انتمى إلى الإخوان كياناً، إلا إنه يخالفهم فكراً وعملاً.
5. الشيخ عبد المجيد الشاذلي: وهو ممثل الإتجاه الأكبر من أهل السنة والجماعة وإمامهم في هذا الوقت، وقد تبنى الشيخ الوقوف إلى جانب الإخوان، تكتيكياً، كما أخذ نفس وجهة نظر الإخوان في أن الثورة الثانية هي من فعل الثورة المضادة، وأنها ضَارة بالمَوقف الإسلاميّ.
6. الشيخ هاني السباعي: وهو يمثل مقاومة عنيدة ضد مجلس العسكر، ويرى ضَرورة الإعتصام، والمُقاومة ضدهم بكافة الوسائل، ولا يُؤمن بالوسائل "الديموقراطية"، للتغيير الإسلاميّ الصحيح، إلا بعد إعتماد نظامٍ إسلاميّ بالفعل. ويرى أن الثورة الثانية ضرورة قطعية لا يجب التنازل عنها. ولسنا بصدد التقييم العقديّ أو التقييم النفسيّ أو المَرجِعيّة الشَخصية لهذه الإتجاهات في هذا المَقال. إنما نقصد إلى أن نطرح رؤيانا، كأحد هذه الأطراف المتحاورة المتباينة المتناحرة، لنوضح أين نقف، وأين يقف غيرنا من الوضع القائم الحال، إجابة لسؤالٍ محوريّ، وهو: أين نقف من الثورة الثانية؟
لا يشك أحدٌ في المحاولات المستميته التي لا تخطؤها العين، من مجلس العسكر، في الإبقاء على نظام مبارك، بل وعلى مبارك نفسه، وفي إكتساب شرعية عسكرية تلجّم الحكومات القادمة، وتقوض صلاحيات رئيس الجمهورية، وتؤسس مجلساً للأمن القوميّ يعمل لحساب الصهاينة لضمان عدم التحرك ضدهم أياَ كانت الأسباب.
لا يجادلُ أحد في القدر الذي ذكرنا، ولكن العجب كل العجب من الكيفية التي يَرونها للخروج بالأمة من الأزمة، والوصول بها إلى بر الأمان والإسلام. وفي تقديرهم للثورة الثانية.
نقول إن الثورة الثانية هي ثورة شعبية حقيقية، قامت لتحقيق ذات المطالب وتصحيح ذات المسار الذي اتفقت كل القوى على إنحرافه عن مساره، وأن سبب الإنحراف هو مجلس العسكر، إلا من شذّ كمحمد حسان، ولا أعرف له مثيلاً في دعواه عدم تخوين العسكر.
وتتلخص هذه الرؤى في اثنتثن:
أولا: الرؤية التي تنصُر منهج الإنتخابات في التغيير، وإقامتها، ولو في ظلّ حكم العسكر وتحت إشرافهم، وهم الإخوان وطوائفُ من السلفيين، والشيخ الشاذليّ.
ثانياً: الرؤية التي ترى أن تسليم السلطة بشكلٍ فوريّ إلى من يرتضيه الشعب، وهو، فيما يظهر، رئيس مجلس القضاء الأعلى. وترى أنّ الثورة والإعتصام هما الطريق الوحيد الذي يمكن به فرض التغيير الحقيقيّ على العسكر. هؤلاء هم الشيخ حازم أبو اسماعيل ومن معه في الميدان، والشيخ وجدى غنيم، والشيخ السباعي، على سبيل المثال لا الحصر.
ونحن، إذ نَنصُر الرؤية الثانية على طول الخط، نود أن نسأل هؤلاء الذين يَنصرون الرؤية الأولى: متى حقق المجلس العسكريّ وعداً قطعه على نفسه؟ متى توقفت محاولاته عن إفراز وثيقة السلميّ بطريق أو بآخر، رغم البيانات والشجب والتهديدات التي يطلقونها؟ كيف يمكن إئتمان وزارة العيسوى على صناديق الإقتراع؟ ما هي السُلطات المُخولة لهذا البَرلمان حتى إنْ فاز فيها الإسلاميون؟ ماذا سيفعل هؤلاء حين تزاحمهم الفلول، التي سمح لها العسكر عمداً بالترشح؟ أليس هذا هو سيناريو 2010، معدلاً بلإضافة عدة أحزابٍ جديدة كالنور والأصالة؟
لا أرى إلا أنّ أصْحاب الرؤية الأولى، قد نسوا من هم العسكر، ما هي وسائلهم، وما هي توجهاتهم، وما هو تحايلهم، واعتقدوا أنّ مجرد غجراء الإنتخابات سيمدهم بقوةٍ إلى قوتهم. وهذا وهمٌ غير صحيح. فالعسكر يضربون بالشعب كله عرض الحائط، فما بالك بمائتين منه، ولو كانوا على كراسىّ من فضة؟
إن نظرية التعمد في إحداث الفوضى لإلغاء الإنتخابات، هي نظرية مدحوضة على كل المستويات، وبكافة الأدلة، وعلى رأسها، أن المجلس العسكريّ الآن هو من يقف في صف أصحاب الرؤية الأولى ويصمم على إجراء الإنتخابات! ليتم التزوير بأسرع وقتٍ ممكن، حيث يمكن إعادى صياغة وثيقة السلميّ، عن طريق رئيس حكومة جديدة برئاسة علماني، كحسان عيسى الشيوعي العلماني، أو محمد البرادعي الذي شارك في صياغتها بادى الأمر. ثم إن هذه الفوضى قد قوضت، وإلى الأبد ثقة الشعب بالعسكر، وجعلتهم يقفون موقف المدافع، ويسمعون بآذانهم سبهم ولعنهم، الأمر الذي حاولوا مراراً كبته بتجريم من "إهانة المجلس العسكريّ"، وتحويل من يفعله لمحكمة العسكريّ! ليس هناك أمراً واحداً يدل على هذه المؤامرة المزعومة من الجيش، ولكن هناك كافة الدلائل على أن فلول الوطنيّ وأتباع العادليّ هم من يُحاولون تأجيج الصراع داخِل الميدان، أو في شارع محمد محمود، لا العسكر، فمصالِحهما، وإن اجتمعتا في العديد، تفترقان في بعض المَواقف.
يجب أن يكون معلوماً لأصحاب الرؤية الأولى أن كل يوم يقضيه العسكر في السلطة، هو مسمارٌ في نعش الدولة المسلمة، نعينهم على تثبيته. وما نراه اليوم من تداعيات في الأحَداث هو نتيجة مُباشرة للسُّكوت على هذه الطُغمة عشرة أشهرٍ، نبحت فيها أصوات المخلصين من الدعاة أنْ إحذروا مكر هؤلاءـ سواءاً بإنتخابات أو بغير إنتخابات.
المخرج الوحيد الآن، هو التمسك بالثورة، وبالإعتصام، فإنه حتى مع التصديق بالنظرية الأولى، فإن الوقت لم يعد يحتمل تداعيات هذه الرؤية الأولى والتشبث بها. الشعب في الشارع بالفعل. ولن يجدى التمسك بهذا التصور إلا القضاء على شعبية أصحابه، وسيخرج المتظاهرون والمعتصمون منتصرين بإذن الله، إن كانت بتضحياتٍ أكبر مما لو شارك الجميع الآن في هذا العصيان، عملاً بمبدأ النصرة.
ولنعلم أن الغد سيحمل أحداثاُ جساماً، وستتعرض البلاد إلى مَوجة من العُنف سيتولى كِبرها الفلول، ورجال الأعمال من عهد مبارك، والبلطجية، بدعمٍ من المجلس العسكريّ،غدا للهتاف باسمهم! الذي أصدر أوامره للمحافظين بحشد فلول المجالس المحلية إلى القاهرة . فليحرِص الإسلاميون على أن يسيروا في خِضَم هذه الأحداث بترتيبٍ وتنسيقٍ تامٍ، منعاً من الخُسارة العامة الطّامة. الحلّ الوحيد، أن تجتمع أيدى الإسلاميين كلهم، بكل طوائفهم ورؤاهم، في الضغط على العسكر، ليمنعوا مما هو مُدبرٌ للغَد من شرٍ. | |
|