د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: الهوة التي تفصلنا عن السلفيين الخميس ديسمبر 15, 2011 3:54 am | |
| د. طارق عبد الحليم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
نود، قبل أن نشرع في الحديث عن تلك الهوة التي تفصلنا عن السلفيين، أن نؤكد على عدة أمور، أولها إننا ما ذطر ما نذكر من تصويبٍ وإيضاح، بغضاً في أحدٍ، فليس بيننا وبين أحد ممن نذكر خصومة، ولسنا طرفاً في انتخابات، ولا ترشيحات، ولا تعيينات، وإنما نحن نكتب ما نكتب إنطلاقاً من إنه كما أننا نصلى ونصوم لله سبحانه، فإننا نتحرك لله سبحانه، ونكتب لله سبحانه، ونعارك في سبيل الله سبحانه، وننافحُ عن دين الله سبحانه. فحياتنا كلها له جلّ شأنه "قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ" الأنعام 162. فالدعوة إلى الله هي مرادنا، وهي سبيل الأنبياء والرسل، الذين خرجوا بدعوةِ الله إلى أقوامهم، لا يكلّون ولا يَملّون "قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلًۭا وَنَهَارًۭا" نوح 5. ما نكتب ليس بغضاً في أحدٍ، بل حباً في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا غير . ثانيهما، أنه دون هذا البيان، فلا ندرى كيف ندفع بهؤلاء الذين نرى فيهم خيراً مشوباً بسوء، وحقاً مخلوطا بباطل، أن يميّزوا ما عليه، ولعلهم يتقون. وقد ذمّ الله الصامتين القاعدين عن العتب على المخالفين، وبيان الحق للمبطلين بأن أغفلهم كما أغفل المبطلين أنفسهم، بل ألحقهم بهم في الحكم، قال تعالى "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌۭ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًۭا شَدِيدًۭا ۖ قَالُوا۟ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿164﴾ فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦٓ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ بِعَذَابٍۭ بَـِٔيسٍۭ بِمَا كَانُوا۟ يَفْسُقُونَ" الأعراف 165، فذَكَر الله ما كان من عاقبة الفريقين، الظالم والجاهر بالحق، وأغفل ذكر الصَّامتين عقوبة لهم، كما أغفلوا ذِكره سبحانه. ثم ثالثة، وهى أنّ كثيراً من الشباب لا يستطيع وحده أن يميز ما بين الدعوات، أو الإتجاهات، لحداثة السن، او حداثة الإسلام، فيتبع ما يرى عليه من حوله، بعين الكثرة لا بعين التحقيق، فيضع نفسه حيث لا يجب. ولولا أننا نريد بهؤلاء الذين نذكر خيراً ما صرفنا الوقت في الحديث عن إتجاهاتهم وبيان خلافاتهم. ألا ترى أننا لا نكاد نَصرِف سطوراً في الحديث عن مذاهب العلمانية والليبرالية والإلحادية، إذ هي بينة واضحة من ناحية، والأمل في صرف رموزها إلى الحق جدّ ضئيلٍ.
أما عن إخواننا "السلفيون"، فأمرهم وأمرنا أقرب من أمر الإخوان. فالسلفيون قد نشأوا على عقيدة صحيحة لا غبار عليها، من فهم للتوحيد وحدوده وضوابطه. إلا إنه يجب أن نعرف أنّ تاريخ نشأةِ الدعوات، بشَكلٍ عامٍ، له تأثيرٌ مباشرٌ على بعض توجهاتها وما تتبناه من اختياراتٍ فقهية. فإن السلفيين قد نشأوا في مصر، أول أمرهم، في عهد السادات، وقد كان لهذا الزمن خاصية مميزة من حيث شدة التنوع المُخلِّ في التوجهات الإسلامية، التي كانت قد خرجت لتوها من تحت الأرض، ومن سجون عبد الناصر، بإذنٍ من السادات، للوقوف ضد المدّ اليساريّ. وكانت الدعوة السلفية آنذاك توجّهاً لضبط الحياة الخاصة طبقاً لمنهج السّلف الصالح، ولم تكن تبلورت كإتجاه عامٍ، بأي حالٍ من الأحوال، بل كانت عدة دُعاة من الشباب من طالبي العلم وقتها، يدعون إلى هذا التوجه فرادى. ثم، انتهى أمر السَادات بمقتله، وتولى المَخلوع، وظَهرت بوادِر الطُغيان، وأصاب بعض دُعاة السلفية مسّ من السِجن والإعتقال.. لكن مُفرّدات هذه الدعوة لا تسمح بالخضوع للحاكم الكافر، ولا موالاته ولا السكوت عنه، ولاءاّ وبراءاً. هذا مسلّمٌ به في منهج السلف الصالح. ولمّا كان لابد أنّ يستمر هؤلاء في دعوتهم، فقد زين لهم شيطانهم وسيلة للجمع بين الأمرين، الدعوة النظرية والموقف العمليّ، بأن يلجوؤا إلى أحاديث طاعة الحاكم، ولو جلد ظهرك وأخذ مالك، وأحاديث منع الخروج على الحاكم الظالم، وبعض مواقفٍ لأهل السنة، حمّلوها ما لا تحتملُ من معانٍ، رغم أنّ الكثير من أهل السنة قد خرج على الحاكم الظالم، بله الكافر.
وقد أعان هذا الإتجاه في مصر ما كان من أحداثٍ في الخليج بعد غزو الكويت، وحرب العراق، بعد أن ظهرت الجامية المدخلية، وأعانتها الحكومات الخليجية ضد الإتجاه السنيّ الصحيح، الداعي إلى الإصلاح والتغيير، وإقامة الشَرع حقيقة لا مظهراً.
والأمر الذي نأخذه على الإتجاه السلفيّ هو أنهم قد أخضعوا الإتجاه العام الذي صبغ الدعوة بمواقف فقهية مرجوحة، عالمين أم جاهلين، مما أدى إلى تأخر دور الدعوة وإظهار تناقض شنيعٌ فيما يقولون. فهم يصرحون بان قضية التحاكم إلى الشرع هي قضية توحيد وشرك، ثم يقولون بكفر الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله. ثمّ إذا هم يُحجِمون عن تكفير ذاك الحَاكم على الأرض! ثم يُحرّمون الخُروج على الحَاكم، الذي لا نعرف في هذا الخلط، إن كانوا يعتبرونه مسلماً أم كافراً، لا ذريعة لدرأ الأذى، بل ديانة لحرمة الخروج على الحاكم!؟
فأطروحة السلفيين إذن أطروحة مُضطربة مُخلّطة مَشبوهة، لا ينتظم عقدها، ولا تتوافق مناهجها، بل هي مُمزقةٌ بين إرادةٍ تريد أن تُملى موقِفاً سياسياً محدداً، تقويه وتنظر له تلك الزلات الفقهية التي ذكرنا، وعقيدة تحرِص على الإنضباط بموازين الشرع ودلالات النّصوص. وهذا التناقض هو السّمة الأساس التي باتت تحكم ما يقدمه السلفيون، خاصة بعد ذلك التغيير الهائل في توجهها، بعدما كانت الدعوة حبيسة بالمساجد، نائيَة عن السّياسة وشؤون الحُكم. وهذا التغيّر قد أفصَحَ عن هذا التَناقُض، إذ جَسَّدَه على أرض الواقع، بعدما كان مختفياً وراء الغِياب السَلفيّ عن الشأن العام.
وهذا التناقض، هو ما يجب أن تقوم الدعوة بحلّ طلاسمه، والإلتزام بأحد الأمرين، إما بالتوجه السياسيّ بالدخول في العمليات السياسة، والتحالفات البرلمانية، بناءاً على ما تقرر لديهم من إجتهادات فقهية معيبة مريبة، أو الإلتزام بتوابع ما يمليه التوحيد الخالص، والأمانة في تطبيقه على أرض الواقع.
وإلى أن تحسم تلك الدعوة أمرها، وتحدد مرجعيتها، تظل بيننا وبينهم تلك الهوة التي تفصلنا عن اللحاق بهم، أو تمنعهم من اللحاق بنا.
| |
|