بقلم :د.طارق عبد الحليمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ظل الأمور التي تجرى اليوم خلف كواليس الساحة السياسة المصرية، وأمامها، لا نملك إلا أن نقول "اللهم لا شماتة"! فقد وضح للأعمى الآن، ما كان واضحاً للعاقل الواعي البصير من قبل، أن العسكر قد خرجوا على إتفاقهم مع إخوان البرلمان، وأنهم، كما هو معهود عنهم لم يَفوا بما عاهدوا الإخوان عليه.
فقد، نصّت اتفاقية "كامب سليمان"، التي أشرنا اليها في مقالاتنا منذ مارس 2011، بين عمر سليمان وبين محمد مرسى وسعد الكتاتنيّ، والتي أثبتها محمد حبيب نائب المرشد السابق، أن يعطوا الإخوان البرلمان، على أن يعاونوهم على وأد الثورة وإنهاء غليانها، ثم جردوا البرلمان من صَلاحياته، وهو ما احتملته الإخوان، لرغبتهم النرجسية في الجلوس على تلك الكراسي السحرية، ولمّا لَمَس المَجلس العَسكريّ نقطة ضَعف الإخوان، إستغلها أحسن استغلال، فصار يصدر قوانين، ويعدل مواد دستورية وتتحدى حكومته كل تساؤل برلمانيّ، فصار البرلمان أضحوكة القاصى والداني، ثمّ وجّه ضربته القاضية بأن أعلن ترشيح عمر سليمان، خبيث القوم ومُجرمهم ورمز الفاشيّة المباركية، بعد أن لوّح بإمكانية حلّ البرلمان وحفظ ملفّ مستند قرار الحلّ في درج عميله فاروق سلطان.
هناك من يقول أن أمر هذا الخلاف صورىّ، وأنه متفق عليه، ليصل مرشحٌ توافقيّ مرضيّ عليه من الجانبين آخر الأمر، كما ذهب إلى ذلك محمد حبيب على برنامج بالجزيرة أمس، وكما سنح لي في ساعات الخلاف الأولى. ذلك أنّ موضوع العفو عن الشاطر دون إعلان، يوحى بالمؤامرة المشتركة. وقد يكون السبب في الدفع بعمر سليمان تحت مظلة العسكريّ بهذا الشكل الفجّ، أن يقبل الشعب بأيّ بديل عنه، إتقاءً لشره، فنبتلى بأحمد شفيق أو عمرو موسى، وهم كلهم سواء.
لكن، والله تعالى أعلم، هناك تعليل آخر وهو أنّ الأمر هو أقرب أن يكون خيانة العسكر للإخوان من أن يكون توافقاً معهم، كما ذهبنا اليه أعلاه. فإن هذا التوافق لم يكن يستدعى الدفع بمحد مرسى كإحتياطي للترشح.
على كلّ حالٍ، فإن الثابت المستقر أنّ جماعة إخوان البرلمان، لن تصل إلى صدامٍ مع العسكر، ولن تنخلع مؤخراتها عن كراسي البرلمان بخُطرها، ولن تتحدى المجلس العسكري، وإن ضرب أبشارهم، وسلب أموالهم، واغتصب نساءهم، ويتم أولادهم، وأنّ خيانته لهم، إن كان ثمّ خيانة، مغفورة معذورة. هذا دينهم الذي يدينون به، وهو ما سيلاقون به ربهم، أنّ البرلمان هو المعبود المقصود، وهو الهدف المرصود. وأنه الضامن لسلامتهم الشخصية، ومجسد لأمل أجيالهم المتعاقبة.
فمن هنا يجب أن لا ينتظر المسلمون من هذا الخلاف الحادث خيراً أو تغييراً. إن انبطاح الإخوان هو مركبٌ رئيس في سياساتهم، وعامل ركين من عوامل تحركهم. هم كالمرأة مع زوجها، تتمسكن له، وترضى بما قسم لها، عدلاً أو ظلماً، أملاً أنه سيغفل لحظة أو لحظات، فتسطو على بعض ماله، أو تسترجع بعض حقها، فإذا نَهرها انتَهرت، وعادت إلى حجرة نومها، باكية مُستسلمة!
إنّ هذا الموقف المُخزى، الذي يُصوّره بعض المُغفلين من العامة والخاصة، على أنه حِنكة وسياسة اكتسبوها من خبرة ثمانين عاماً، هو في حقيقة الأمر، خذلان وسقوط، بدأ بالخيانة وانتهى بالخسارة، على كلا التفسيرين. فإن هذه الحركة لم تكن مكشوفة عريانة أمام الناس بهذه الدرجة من قبل. وقد داوَمْتُ، وغيرى من الباحثين، على الكتابة عن إنحراف عقيدتهم وفساد حركتهم ما يزيد عن خمسة وثلاثين عاماً، منذ أن نشرت كتاب حقيقة الإيمان، في الرد على "دعاة لا قضاة" عمدتهم العقدية عام 1978، ومقال "الإرجاء والمرجئة" عام 1985. فوالله ما نجحنا في كشف عوارهم عشر معشار ما فعلوه بأنفسهم في الشهور الأخيرة. فسبحان الله العظيم.
والشعب المصريّ اليوم، لن يعطى ثقته لهذه الجماعة، أو مرشحيها، مرة أخرى، لا والله، فهو أذكى من هذا وأنقى فطرة وأصوب نظراً.
الدور اليوم على المخلصين من أهل السنة والجماعة، وذوى العقول من تلك الجماعة المنهارة، وأهل الصدق من التيار السلفيّ، شيوخاً وشباباً، أن يخرجوا إلى ميادين مصر، وأن يعوا الدرس الذي مرّ بنا جميعاً، وأن لا يسقطوا في ذات الحفرة مرة أخرى، حفرة الإنتظار والترقب لما قد يأتي به نظام الكفر من خير، وما عساه أن يكون نتيجة الطعون والقرارات وهذه الأساليب التي لا هدف لها إلا التمطيط والتثبيط.على الناس أن يخرجوا في ثورة حقيقية عارمة، هدفها نزع العسكر عن قيادة البلاد، وغعادتهم إلى ثكناتهم، دون أي سلطة للحكم، بأي شكلٍ كان. ويصحب ذلك حلّ هذا البرلمان العميل، ونزع السلطة التشريعية من يد خونة الإخوان، إذ سيعيدون هم أنفسهم العسكر إلى الصدارة، فالمرأة تحنّ لزوجها وإن قسى عليها!الأمر جللٌ، والمؤامرة مع إسرائيل على حدود سيناء مرسومة مجهزة لتحيط بشعب مصر، وتخنقه وتجبره على قبول النظام الفاسد الكافر. والدماء لا بديل لها لتحرير النفس والأرض. هكذا شرع الله، وهكذا سننه في كونه وخلقه.