بقلم: د. طارق عبد الحليمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
المعركة التي ظهر فيها الحق يوم أمس، على فمِ قُضاةٍ من قضاة النِّظام نفسه، هى آية بيّنة على أنّ الحقَ الأبلج لا يمكن أن تغطيه قوى الشرّ والباطل، مهما نفخت ريشها، وتناعقت بأباطيلها في أبواق الإعلام الكافر المُنكَر، قال الحق سبحانه "وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًۭا"الإسراء81.
الهجومُ الضّارى الذي واجهه الشيخ أبو اسماعيل في الأيام الماضية، لم يكن موجها أصلاً إلى شَخص حازم، بل إلى الإسلام، وإلى الشريعة، وإلى منهجها، وإلى سبيلها كله. مصدرها معروف، هو المجلس العسكريّ، وإن لم يُسمع له صوت فيها. إذ إن أصابعه تتحرك في الخفاء لتحريك الإشاعات، التي يلقيها لأهل الإعلام المنافقين الجبناء، كما يلقى الناس العظمة للكلاب، فيبدؤون في نهشها، وتبادل لعقها، وكأن فيها دسماً يحيون به، وما هي إلا عظمة خاوية، لا غناء فيها. فإذا طفت الإشاعة، فبها ونعمت، وإن دمّرها الله على رؤوس الأنكاد من أهل الإعلام، ومن يستضيفونهم من كفار القوم، ظهروا وكأنهم طاهرى اليد والذيل، وتركوا أهل الإعلام يلقون مصير الكذبة الجبناءالأخساء، جزاءً وفاقاً.
هذا ما يحدث، في كل مرة يتعرض فيها مسلم لهجوم هذه الحيّات الرقطاء التي تسكن ماسبيرو، وتجلس في فضائيات ساويرس، وعلى مقاعد تحرير صحفه.
إن من الحكمة اليوم، أن نُحدّد من هم الفرقاء المتواجدون على السّاحة السياسية، بكل صدق وشفافية وحياد، لا نقصد من هذا ذماً ولا تجريحاً، ولكن،ّ التغافل عن القوى المناوئة، وعدم معرفة القوى المحايدة من القوى المؤيدة، يجعلنا في موقف ضعفٍ لا يصح أن يضع مسلماً نفسه فيه. وهؤلاء الفرقاء اليوم ثلاثة.
(1)
أولاها فرقة المنافقين الطبالين من العلمانيين المارقين عن دين الله سبحانه. وهم جماعة الإعلاميين، كما يسمون أنفسهم، وجماعة من الكتاب والصحافيين والمثقفين والمفكرين! وأشهد الله ما في عقولهم من فكر، وحاشيتهم من القضاة و"الفقهاء الدستوريين"، زعموا، والفنانين، والمزورين المُرتشين من "النخبة". ولا عَجب أن يفعل هؤلاء ما يفعلون، وهم من بَكى على المَخلوع، ومنهم من بكى على وفاة شنودة النصارى، ومنهم قبَّل يديه حياً. وكلهم أهل خنا وفسق ومنكر، يحيون فيه، ويتنفسون دخانه، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
والعجيب أنّ أحد هؤلاء الملاحدة، علاء الأسوانيّ، قد خرج بعد ساعات قليلة من إعلان محكمة القضاء الإداري موقف والدة الشيخ حازم، على تلفاز الجزيرة في برنامج "على مسؤليتي"، وكأن الرّجل له مسؤولية يتحاكم اليها ضميره! فبدأ ملامح الحملة الجديدة على ممثل التيار الإسلاميّ الصحيح الوحيد، حازم أبو إسماعيل، فقدم أرقاماً أنتجها علمانيّ آخر، أنّ حازم أبو اسماعيل، هو الأكثر إنفاقاً على حملته بمبلغ يفوق 40 مليوناً من الجنيهات في بند واحدٍ! ووالله لا أدرى كيف يهرب مثل هذا الرجل من التقاضى بشأن هذه الأكاذيب التي يُروّجها، إذ من أين للشيخ حازم هذا المبلغ ينفقه على بندٍ واحد في دعايته؟ لكن هؤلاء المناكيد لا يعلمون أنّ أصحاب التصاميم يُصمّمون، وأصحاب الورق يَمدّون، وأصحاب المطابع يَطبعون، وأصحاب المحبة في الدين والله يوزعون وينشرون، لا ينفق أبو اسماعيل مليماً واحداً من جيبه في كل هذه المَنظومة. فهذا العلماني لا يعرف معنى الولاء في الله، ولا يعرف معنى النصرة في الله. ولا يتصوّر إلا شيكات رجال الأعمال تموّل حملات زائفة، تشترى أصوات المساكين، بلقمة عيش سرقوها هم أنفسهم منهم من قبل. وماذا يفعل حازم أبو اسماعيل، إن كان خطابه الإسلاميّ قد اخترق أفئدة كلّ هؤلاء، ليس كخطاب الإخوان المفتعل، ولا خطاب بعض أدعياء السلفية المحدود المتكبر الحاقد.
(2)
والفرقة الثانية، هم من بنى جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ويستخدمون خطابنا، لكنهم على أعراف السياسة، لا إلى الإسلام ولا إلى العِلمانية، يلوّحون لهؤلاء إن ظَفروا، ويُداهنون لأولئك إنْ علوا، من ضَعفِ قلوبِهم وانحرافِ أهدافهم. ونعنى بهم فرقة الإخوان ومشايخ أدعياء السّلفية. ونحن على علمٍ بما يقوله المشايخ الأحباء من عدم فضح هؤلاء، وترقيع الصدع الذي أوجدوه بأيديهم، والذي لا زالوا مُصرّين عليه بعد أن خَدعهم العَسكر، وضَرَب بصَفقتهم عرض الحائط. ونحن نؤمن أنّ البيان الوافي الواضح الصريح المباشر، حين يتعلق الأمر هذا البيان. بل أزعم أنّ المداراة على إنحراف منحرف، أو عمالة عميل، مهما كان الشّعار الذي يحمله، هو ذنبٌ وإن ظهر أنه فضلٌ وتقوى. فإنّ
البيان لا يؤخرُ عن وقت الحاجة، و لا تقل قوة البيان في رتبتها عن رتبة المُنكر الذي تظهره. وإنى أعرف أن الكثير من أتباع هذه الفرقة، هم من أصحاب النوايا الحسنة، وإنما أمرهم هو الإنخداع في قيادات لا يعرفون حقيقة وسائلها، وتصرفاتها ومبرراتها، ودوافعها. لكن، لا يدفعنا هؤلاء أن نترك الأفعال الضارة المخالفة للشريعة أن تمرّ دون إيضاح أو بيان. ولو صدق الإخوان، لسحبوا مرشحهم اليوم، أو غداً، خاصة ولا فرصة أمام شاطرهم ولا مرسيهم في الفوز مع وجود حازم في السباق. لكنّ دافع مكتب إرشادهم هو إعتبار مصلحة جماعتهم لا غير، التي هي عندهم فوق كل شرع وإعتبار. ولو صدق عبد المقصود وبرهامي، لتخلوا عن حسدهم وكبرهم. لكن الأمر أعمق من ذلك، فإنه لن يحدث، لا هذا ولا ذاك، إذ إن مصالح هؤلاء، وعقديتهم ليست على ما نحن عليه في منهجية أهل السنة.
الإخوان قد قرروا أن ينفصلوا عن الشعب من زمن بعيد. يعقدون صفقاتهم، ويرتبون مليونياتهم، يتقدمون بها، ويحجمةن عنها لصالح جماعتهم، ليس لله ولا شرعه ولا للشعب في هذا نصيب. هذا أمر محسوم الدلائل عليه الآن أوضح من أن يستدل عليها مستدل
وليس يصح في الأذهان شئ إذا احتاج النهار إلى دليل
الأمر اليوم أن نترك هؤلاء، وأن نعرض عنهم حتى يهملوا تلك الجماعة، ويلفظون قياداتها، وهي ستنتقص من أطرافها شيئا فشيئاً، فهي سنة الله في الباطل ولا رادّ لسنته.
فلا تغرنكم، يا أتباع أبو إسماعيل، تلك الرياءات التي خرج بها الشاطر، معبراً عن فرحته لإنتصار أبو إسماعيل، فلا والله ليس هذا من طبيعة الإخوان، إنما هي كلماتٌ يُرضى بها أتباعه من السُذّج المُخلصين، ثم من وراء ذلك حربٌ ضروس يشنّوها عليه، لن يكون للأمانة ولا للخلق فيها نصيب. بل لا نستبعد، من خلال معرفة وسائلهم، أن يضعوا أيدهم في أيدى أخسّ المُرشحين للقضاء على فرصة فوز أبو اسماعيل، إذ حينها، ستظهر عوراتهم، وتتجلى عمالتهم، وتخرج أضغانهم.(3)
أما الفرقة الثالثة، فهم هؤلاء الذين يؤمنون بأن شرع الله هو الأعلى، وأنه يجب أن يُطبّق بكامل أحكامه، دون تخيّر أو تنقّص. هؤلاء يؤمنون بأن الشرع غالب على أمره، إن لم يكن بالسلم الإنتخابيّ، فيكون بالقوة الشعبية العارمة الساحقة. وهم في هذا طائفتان، طائفة تتبع طريق السلم الإنتخابيّ، دفعاً لمضرة المواجهة المباشرة، فإن كان وإلا فهو الجهاد والثورة، وطائفة ترى عدم جدوى هذه الطريقة إبتداءً، بل وعدم مشروعيتها، وأنه يجب المواجهة دون اللجوء لغيرها. لكن الطائفتين مجتمعتان على حتمية الوصول لتطبيق الشريعة كاملة، خلافاً للفرقة الثانية التي تتميع وتتلون، وترضى بالدنية في دينها ابتداءً.
دورنا، نحن أهل الفرقة الثالثة، أن نكن غاية في القوة والوضوح، في كشف مؤامرات أهل النفاق والفساد من العلمانيين. ثم أن نسعى لفتح أعين المخدوعين من أتباع قيادات الإخوان ومشايخ أدعياء السلفية، عسى أن يكون منهم من يرى الواقع البئيس، من خلف حجب السياسة الخدّاعة وضباب التلون المريب. فهؤلاء الشباب فيهم من الإخلاص والطهارة، ما قد يطهر عقولهم من برمجة السمع والطاعة العمياء التي تتبعها قياداتهم. ثم أن نحض الناس على إستمرار الثورة، وأن يجتمعوا على قيادة واحدة راشدة، تكن لهم هادياً ومناراً في الأيام القادمة .. الحالكة.
يا أنصار أبو اسماعيل، لا يتلاعبنّ بكم الأمل، فتقولوا لأنفسكم "ولكننا قاب قوسين من ترشيح الشيخ، ثم نجاحه، ثم توليه الرئاسة"، فلا والله إن هي إلا أضغاثُ أحلام. ونحن لا نريد أن نثبط عزائمكم، بل إننا منكم ومنه روحاً وقلباً، لكن ألم يكن فيما حدث، ويحدث، ذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد؟ أتعتقدون أنّ العسكر سيمرّروا هذا الأمر بهذه السهولة. عقبة واحدة ثم يستسلموا لكم؟ لا والله الذي لا إله إلا هو، و"ياما في الجراب يا حاوى". هذه واحدة. ثم الأخرى، أتريدون لرئيسنا أن يكون مقيداً، عارياً عن الصلاحيات، كما رضىَ الإخوان أن يكونوا نواباً طراطيراً ؟ لا والله الذي لا إله إلا هو، لا أحسب الشيخ حازم نفسه يقبل بهذا أبداً لنفسه ولكم. ويا شيخ حازم، وفقكم الله، ونحن ننتظر منك الريادة في كلّ ميدان، فقد عهدناك قوياً، صدوقاً، واعياً بخطط العدو، فلا تغفل عن هؤلاء، فهم بالمرصاد، عند كلّ منحنى ومنعطف، وسنن الله جارية، وهي لا تدلنا إلا على التدافع، لا التحاور والتماكر.إن الحرب قائمة ضروس، والثورة حية ضارية، لا ينهيها قرار المحكمة الإدارية، فلنخرج في 20 أبريل، ثم لا نعود إلا بعد أن يسقط حكم العسكر. حينها، نحيا الحياة الكريمة مرة أخرى..