بقلم: د. طارق عبد الحليمالخميس 17 مايو 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخي الحبيب شيخنا وجدى غنيم. سلام الله عليك ورحمته وبركاته وبعد
ذكرت في تسجيلك الذي علّقت فيه على مقالى، مشكوراً، أنك تنتظر رداً منى، وما كنت لأتأخر عنك في تلبية مثل هذا الطلب، فأنت أعز لدينا من ذلك، يعلم الله.
وأودّ أن أبدأ حديثى اليك بأن أبارك لك محو اسمك من سجلات الإخوان، كما ذكرت في تسجيلك، فإنى أحسب أنّ في هذا رفعة لك يوم يقوم الحساب، زادك الله بركة.
ثم أخرى، أود أن أشير اليها قبل أن أبدأ في ردى، وهي أن أطلب منك، ومن قرائي، المعذرة إن استخدمت كلمات ثقيلة مثل الجماجم والمآقى، وما إلى ذلك، فإني كاتب بالأصالة، فتجد مثل هذه الكلمات يجرى بها قلمى دون قصد مبالغة أو تهويل، وأعدك أني سأحاول تجنب مثل هذ الكلمات في حوارى معك اليوم، ما استطعت.
أعود إلى موضوعنا، فأقول
أولاً، يا شيخنا وجدى، قد ذكرت أنك رَدَدّت على محمد مرسى، وصبحى صالح والعريان، وبديع، فيما خلّطوا فيه، وجاؤا بآراء شاذة عن السنة، بل يصل بعضها إلى الردة إن كان قائلها يعنى، أو يعى، ما يقول. وأقول، هذا، يا شيخنا، ما جعل الجماجم والمآقى تقفز على صفحات مقالى السابق! نعم، أنت رددت عليهم، ثم ماذا؟ أتحسب أن ردّك عليهم، قد أذهب رجس هذه الأقوال عن قائليها؟ أتحسبهم رجعوا عنها؟ المشكلة يا شيخ وجدى أنك ترى هذه الأقوال جزئيات متناثرة، فتتعامل معها بفكرٍ جزئيّ، بينما أراها كلّ متشابك، ينبعُ من منهج واحدٍ هو دين الإخوان الذي يدينون به، والذي تتناثر أمثلة منه في هذه الأقوال. نحن لا نتحامل، يا شيخنا وجدى، على أفرادٍ يلقون بكلامٍ على عواهنه، بل نتحامل على منهجٍ، خطّتْ مبادئه يد من كتب "دعاة لا قضاة" قديماً، بما فيه من إرجاءٍ واضح، ثم أتمتْه ممارسات العريان ومرسى وغيرهما، ليصلوا بهذا المنهج إلى ما وصلت اليه الجماعة التي انتقدتها أنت، حتى محو اسمك من سجلاتها.
هذه واحدة،
والثانية، إنّنى عجبت لقولك إنّ هؤلاء يمارسون الديموقراطية، ونحن نمارس الشورى! ووالله إنى لأربأ بك عن أن تقول مثل هذا القول يا شيخنا! هؤلاء أقاموا النظام، وسَنوا القوانين، ووضعوا المواصفات، وشرعوا الأحكام، ثم رسموا فوقها اللجنة العليا للتزوير، وجعلوا عليها أكابر مزورى مصر، ثم حصّنوا قراراتها من أيّ إعتراض، أيا كان، ثم مارسوا هذا الدجل السياسيّ مع أحد المرشحين بالفعل، ثم نقول إننا نمارس الشورى؟ أنعيش في دنيا واحدة يا شيخ وجدى، أم في كونين مختلفين؟ النظام المتكامل الذي تجرى تحته هذه الإنتخابات، هو نظامهم، ليس فيه من الشورى مثقال ذرة، فما بالك تذكرها؟ ثم ما بالك تذكر صحابة رسول الله وبيعة السقيفة في جانب هذه النجاسة الديموقراطية؟ أيّ شبه يمكن أن يكون بينهما، على أيّ مستوى وبأي شكلٍ يا شيخ وجدى، أعزك الله عن الزلل؟
ليس في هذه العملية شورى، ولا يصح أن نقسّمها إلى جزئين، جزء شورى، هو ما لنا، وجزء ديموقراطية هو ما لهم، فإن هذا خطل في المنطق والتفاف حول الحق، أعلم أنك لا تقصد اليه البتة.
ثم
الثالثة، وهى أنك ذكّرتنى مراتٍ بأن الشيخ حازم أصبح ماضٍ لا وجود له على الساحة، فيجب أن نتجاوزه إلى غيره. وأقول لك، لقد سبقتك في هذا يا شيخ وجدى، حين ذكرت في مقالاتي، منذ أن ظهر حازم أو اسماعيل، إنه لن، وكررتها مراتٍ، لن ينجح في مسعاه، لسببين، أولهما شرعيّ، أنّ وسيلة الإنتخابات في ظل النظام الديموقراطيّ ليست شرعية، ووالله لم ولن يصلح الله عمل المفسدين، ولن ينشأ صلاح من فساد، ولن تجد لسنة الله تبديلا. وثانيهما أنّ العسكر، قد أحكموا رباط نظامهم الفاسد، فلم يدعوا مدخلاً لصالحٍ يمكن أن يحكم مصر، في ظل نظامهم الديموقراطيّ، الذي ارتضت الإخوان وأدعياء السلفية أن يلعبوا في ملعبه، وأن يتركوا الميادين لجماعات 6 ابريل وكفاية، ويقايا من هم على السنة الصحيحة، يواجهون العسكر فيها وحدهم. لا والله، لم يكن لنا أمل في حازم أبداً، لكن كنا ندعم مشروعه وما يمثله لا غير، قبل إبعاده وبعد إبعاده. وأرجو أن تكون هذه النقطة قد وضحت لديك إن شاء الله.
ثم
الرابعة، أنك تساءلت، لكن ليس أمامنا إلا أمر من أمرين، أحلاهما مرّ، أبو الفتوح أو مرسى! فما هو الحل، أنترك شفيق يحكم مصر؟ جزاك الله خيراً شيخنا، فإنّ الأمر ليس هكذا على الإطلاق. هناك خيارٌ ثالث، بل هو في الحقيقة خيارٌ ثانٍ لا ثالث، إذ الأولان هما خيارٌ واحد، خيار من يرتضى العسكر أن ينجح، بشروط العسكر، وبشروط اللجنة العليا للتزوير، سواء كان مرسى أو أبو الفتوح أو شاهين أو أبو البركات، أيّا ما كان اسمه ، تحت نظامهم الديموقراطي القانونيّ.. والخيار الثاني، هو أن "نحرّض المؤمنين". نعم، نذكّر المصريين بأنّ الوسيلة الوحيدة التي أنتجت لنا خيراً فيالستين عاماً الماضية، كانت هي النزول إلى الميادين، التظاهر السلمي، الإعتصام. لقد فشلت من قبل المناوشات المسلحة، التي قد تصلح في بيئة أخرى غير بيئتنا المصرية، أو مع شعب آخر ليس له الطبوغرافية النفسية لشعبنا، في ظروفنا هذه. كما فشلت الوسائل الديموقراطية السياسية، على مدى ستين عاماً، في كافة دول العرب، إذ هي مجرد ملاعب يخطّها لنا الحاكم، ويرسم لنا قوانينها ويُصدر لنا تصاريحها، ثم يدعونا للقفز في قطارها! وهو يعلم أين ومتى وكيف وبمن يقف قطار اللعبة.
الأفضل يا شيخنا وجدى، أن لا نلقم شعبنا "بزازة "الإنتخابات" التي يُرضِعَها له العسكر، ويزينها له النظام الفاسد القائم، على أنها قد، قد، تأتى بمن يريدون، وأن نكون أوعى من ذلك وأفهم للواقع، فلا نشارك في جريمة تحويل الأنظار والجهود عن الطريق الأمثل، طريق حضّ المؤمنين، ونشر البلاغ بين الناس، فوالله لن يأتى إلى سُدّة الحكم، بهذا الطريق الذي تخطّه يد العسكر، بمن فيه أدنى صلاح للأمة، قولٌ واحد، مرة أخرى. إن سنن الله عاملة لا تتبدل ولا تتحول. وإنى والله لأرى في فتوى جواز المشاركة في هذه الإنتخابات، ركونٌ للذين ظلموا، ورضاً بالاعيبهم، وتمهيداً لما يريدون لمصر وبمصر.
أسألك بالله يا شيخنا أن لا تتذرع بالمصالح والمفاسد، فقد أشبعتُ هذا الأمر بحثاً وتفصيلاً في العديد من مقالاتي، أدعوك لقراءتها، على قلة علمى وضحالة فهمى، فإن فيها من التأصيل ما سيسرك ويرضى سُنيّتك. وأسألك بالله أن تراجع مقالتنا "الإنتخابات الرئاسية .. روية شرعية وواقعية"، قبل أن تشرع في تسجيلٍ آخر، إن عنّ لك ذلك.
ثم أخيرة، ثانوية، عن الشيخ عبد المقصود، إذ إننى ممن يؤمن بإقالة ذوى الهيئات من العلماء عثرتهم، فهو مذهب أهل السنة والجماعة كما أورد الشاطبيّ. ولكن هذا الشيخ بدت منه عثرات، حتى لم تعد عثرة عالمٍ، بل عالمٌ من العثرات! وأنت تعلم موقفه من المتظاهرين، ومن الإعتصامات، فليس الأمر أمر موقفه من حازم، جزاك الله خيراً، بل وما قال مؤخراً من أنه لو جاء مرشحٌ يريد تطبيق الشريعة فوراً لقاتلناه، إذ هو يريد حرق البلاد!! على أي فهم حملة هذه القولة، فهي قولة لا يقولها تلميذٌ في أولية الأزهر. بل يمكن أن تطبق الشريعة على الفور، لكن بشروطها وموانعها، كما هو معلوم لدى من عنده أدنى علم بالفقه أو الأصول، لكنها يا شيخنا ألقاب بلا حقائق، منحها الشباب لهؤلاء، على غفلة من العلماء.
أخي الحبيب الشيخ وجدى: لك منى كل محبة وتقدير، وجمعنى الله وإياك على صراطه المستقيم وسبيله القويم حتى يوم نلقاه.