بقلم: د. طارق عبد الحليمالأحد 24 يونية 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأحداث الأخيرة التي وقعت في تونس، بعد ذلك المَعرض الآثم الذي سمحت فيه حكومة حزب النهضة "الإسلامي"، بعرض ما يسئ للذات الإلهية ولرسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام، تنبؤ كثيراً عن مفهوم الإسلام في عقيدة المنحرفين ممن ينتسب ظلماً وزوراً للتيار الإسلاميّ، كالغنوشئ وأمثاله، كما يرسم صورة لما يمكن أن تكون عليه الخُطة الأمريكية في مصر، بعد تلك التطورات المتتالية السرعة على مسرح السياسة هناك.
الغنوشيّ وحزبه، كما أسلفنا، ليسوا من التيار الإسلاميّ، بل ليسوا من الإسلام في شئ. فقد اقترف هؤلاء من المُكفّرات العَينية ما يجعلهم يلحقوا بفرج فودة وسيد القمنى وسلمان رشدى وأبو لهب. والرجل الغنّوشي، قد اطّرح الإسلام وراء ظهره، واشترى إسلاماً أمريكياً علمانياً لا صلة له بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم. ولهذا جاءت حكومته علمانية قحة، وجاء دستوره علمانيّ قحّ، لا مداراةً للغرب، بل إيماناً منه، وممن تبعه، بأنّ هذا هو دينهم، وهذا ما سيلقون الله به، لبئس ما كانوا يفعلون.
ومن هذا التصور، بدأت المطاردات "الأمنية" للمسلمين ممن اعترضوا على هذا الكفر البواح الذي سمحت به حكومة الكفر التونسية. وبدأ الصدام بين المسلمين وجند الكفر هناك. وهو أمر كان متوقعاً بلا محالة. وبدأت المساجلات بينهم وبين المسلمين الذين وقفوا في وجه هذا الكفر البواح. ثم تطور الأمر إلى ضربات صاروخية على سيارات الإسلاميين، بل وطلب مساعدة الصليبيين الأمريكان ضد الحركة الإسلامية، كما حدث بالأمس في جنوب تونس.
هل هذا ما تنتظره الحركة الإسلامية إن فاز الإئتلاف الإخواني-العلماني الحاليّ ضد العسكر؟ هل هذا مصير "الثقافة" و "الإبداع" في مصر، أن تتحول القاهرة إلى حظيرة للكفر الإبداعيّ؟
إن الإئتلاف القائم اليوم بين الإخوان والعِلمانيين، وإن كان هَشّاً، لتضارب بعض المَصالح بين الجماعة والليبراليين، إلا إنه سيمكّن من الوقوف في وجه العسكر، لفترة يعلم الله مداها. فالإخوان وحدهم، وقوى الشعب التي يمكن أن تتصدى للعسكر باسم الإسلام وتحت رايته، ليستا بالقوة السياسية الكافية، وإن كانتا أصحاب الحشد الأكبر نفرا. وهي حقيقة تعنى أنّ الدعوة الإسلامية لازالت تحتاج إلى مشوارٍ طويل لتكوّن جبهة قوية نفرا ونفيراً، حتى يمكن أن تستغنى عن هذه التحالفات الشركية. لكن حتى يحدث هذا، فإن نتيجة هذه التحالفات هي من قضاء الله الكوني، الذي يجب أن يستفيد منه المسلمون على أحسن وجه.
الإئتلاف قد اسفر عن رئيسٍ مكسور الجناح، لا يؤمن أصلاً بتفرّد الإسلام في حق الحكم في بلاده، وبنواب له، وَعَد هذا الرئيس أن يكونوا كلهم من الليبراليين العلمانيين، والقبط والنساء. وحكومة غالبيتها من الليبراليين العلمانيين، ورئيسها "وطنيّ" مستقل، ونعرف معنى هذه الوطنية الحرة بطبيعة الحال. أشبه ما يكون الحال بتونس اليوم، دون عسكر هناك. وحتى بهذا الإفراط العقدي والعملي، لا يرضى العسكر إلا بالسيطرة الكاملة على الحكم في مصر.
الأمر إذن قد تبلور بعيداً عن أمر الإسلامٍ أو الشريعة أو الدين كله. بل صار أمرَ صراع بين كتلتين، كلتاهما علمانية، أحدها عسكرية مغتصبة متسلطة، لن تسمح بأيّ هامش حرية لقائل في دين الله، بأي شكلٍ كان. والأخرى علمانية ليبرالية بنكهة إسلامية، قد تسمح بهامش حرية للدعوة، شهوراً قليلة لا تزيد، يبدأ بعدها ضرب الدعاة إلى الإسلام الصافي النقى، الذي يخالف ما عليه تلك التركيبة الدينية-اللادينية، كما حدث تماماً في تونس الشقيقة.
لقد أصبحت تركيا أردوغان، الليبرالية، هي المثل الأعلى الذي تتوق له إسلامية الإخوان في الحكم، وأصبحت تركيا العسكرية، ما قبل حزب العدالة والتنمية، هي المثل الأعلى الذي تتوق له جند الطنطاوى. وكلاهما ليستا مما يتوق له العَربيّ المسلم، ولا يرضى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
إن الدعوة الإسلامية السنية في مصر، حال فوز الجبهة الإئتلافية الإخوانية-الليبرالية، وهو ما نضع أمامه علامات استفهام كبرى، سيكون أمامها أشهر قليلة قبل أن يُغلق الباب في وَجهها، وتنحصر مرة أخرى في الحِلق والزوايا، يطاردها أمن الدولة، وتفتح أمامها ابواب المعتقلات.
وليس هذا من قبيل التشاؤم. بل هو قراءة في الواقع، وتتبع لما يجرى حولنا من تداعيات مثل تلك التحالفات الشركية، كما رأينا في تونس. كما أن ذلك لا يعنى أنّ الزخم الشعبيّ الحالي ضد ممارسات العسكر وإعلاناتهم اللادستورية، لا داعى لها، ولا نتيجة، إذ إنها، كما ذكرنا قد تؤخر الهجمة على الدعوة إلى حين.
وقد علمنا القرآن أنّ الإستبشار بقدر الله الكونيّ، وإن لم يكن فيه نصرٌ واضح للمسلمين، إلا إنه مما قد يكون فيه مصلحة ثانوية لهم، تفرحهم، وتفتح لهم باب أمل، قال تعالى "
غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" الروم 1-4. فسمى الله إنتصار الروم من أهل الكتاب على الملاحدة من الفرس، نصراً من الله، رغم كفر كلتا الطائفتين. فإعتبروا يا أولى الألباب.
ومن هنا، فإن المسلمين من أهل الدعوة، يجب أن يعتبروا كافة الزوايا والأوجه التي تلوح اليوم على الساحة السياسية، دون أن يتنازلوا عن أيّ من الثوابت العقدية، أو الولاءات العقدية، التي تفصل التوحيد عن الشرك. وهذا أمرٌ لا يتهيأ إلا لمن حاز علماً صحيحاً جامعاً، وعقلاً واعياً راجحاً، ونظراً عميقاً ثاقباً، وتقوى لله راسخة، وقليل ما هم.
إننا، أصحاب الدعوة، لن نتنازل عن دعوتنا إلى السّنية الشرعية التي ترى أن لا حكم إلا لله، وأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وأن الدعوات الليبرالية العلمانية هي كفر بواح، مهما اتشحت فيه من أردية زور، وأن الطريق إلى الحرية والعدالة والمساواة لا يمر إلا بالإسلام عقيدة ومنهجاً، وكل ما عداه زيفٌ ونصبٌ وإيهام.
ثم نترك أصحاب الإئتلافات في تحالفاتهم، وندعو الله أن يجنّبنا شرّ تداعياتها، وأن يمكننا مما عسى أن يكون فيها من خير للمسلمين، قدراً لا شرعاً. آمين.