د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: القبط .. في نظر الشرع الإسلامي الإثنين نوفمبر 12, 2012 5:12 am | |
|
القبط .. في نظر الشرع الإسلامي
بقلم د. طارق عبد الحليم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
رغم أنّ قضية القبط ليست هي القضية الرئيسة على جدول أعمال المسلمين الموحدين، بل يسبقها وضع التوحيد وقبول الشريعة في الدستور، ويسبقها وضع الجيش الذي يريد أن يكرس سيطرته على البلاد دستورياً، ويكون دولة داخل الدولة، لكنها لا شك قضية تحتاج إلى إيضاح وتأكيد، وقولٍ فصلٍ فيها، بعد أن تاهت العقول واختلطت الآراء، وكلها بعيدٌ عن مشكاة الشرع الحنيف، بسبب فساد الإعلام وكفر الإعلاميين من سحرة فرعون.
وليس المقصود بهذا المقال محاورة النصارى أو مجادلتهم، فهذا أمرٌ له من يتفرغ له، لكنّا أردنا هنا أن نقرر في هذا الصدد بعض حقائق واقعة ثابتة وراء الجدل والمراء، لا يحلّ لمسلم أن يجهلها أو أن يلتف من حولها:
· أنّ الأقباط النصارى المسيحيين، الذين يقولون إنّ الله ثالث ثلاثة، وإنّ المسيح ابن الله، وإنه له طبيعتين ومشيئتين، أو طبيعتين ومشيئة واحدة، حسب فرقهم المتعددة، وأنه قتل صلباً ليكفّر عن سيئات البشر! ثم بُعث، وجلس بجانب أبيه الذي في السماء ليحكم ملكوت الأرض، هؤلاء كفارٌ مشركون بالله، لا يختلف في هذا اثنان على دين الإسلام، إلا أن يكون أحدهما كافراً بالله كذلك. قال تعالى "لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـٰثَةٍۢ" المائدة 73، "لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ"المائدة 17، "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ"النساء 157.
· أنّ هذا ينطبق على أقباط مصر اليوم، إذ هم يقولون بهذه الأقوال، كانوا ولا زالوا، منذ دخلت الصليبية مصر بُعَيد رفع المسيح عليه السلام. وكتبهم ومواقعهم شاهدة على قولهم بهذا الكفر.
· أنّ الأناجيل التي بين أيدى هؤلاء الصليبيين مُحرفة، كتبها أصلاً عدد من أتباع المسيح بعد عقودٌ من رفعه عليه السلام. فالعهد القديم قد كتب بالعبرية قبل المسيح بعدة آلاف من السنين، بينما العهد الجديد كتب بالإغريقية، وتناوبت عليهما آلاف الترجمات، والإضافات على مرّ القرون، مما يشهد به مؤرخوا النصرانية أنفسهم. ولما اعتقد النصارى الأوائَل أن المسيح عائد على الفور، لم يهتموا بكتابة كلماته، ولا حفظها، إذ لم يكن الحفظ من عاداتهم. ثم لمّا بَعُد العَهد، وبعد خمسين عاماً أدركوا خطأ توقعاتهم، فدوّن مارك (مرقس)، أول الأناجيل، ثم تبعه ماثيو ولوك (متى ولوقا)، بعده بثلاثين عاماً أخرى، ثم أتي جون (يوحنا) في أواخر القرن الأول، بإنجيل كان مغيراً تماما للأناجيل الثلاثة الأخر! ولا تكاد تجد بين الأناجيل الأربعة أمراً واحداً لم يختلفوا فيه، من تاريخ الصلب، أو حياة المسيح، أو كلماته الأخيرة، فقط أجمعوا أنّ الحواريين قد انفضّوا من حوله لحظة القبض عليه، فكيف إذن عرفوا كلماته الأخيرة التي تفوّه بها، ودوّنوها بعد رفعه بقرن أو نصيفه، كلّ بكلمات مختلفة تماما عن الآخر؟ ويعترف الصليبيون أنّ الأناجيل فيها تناقضات كثيرة جداً، لكنهم يحاولون تبريرها، فيدعون أنها مكملة بعضها لبعض، ولا ندرى كيف يكون التكامل في نصوص تختلف حول النقطة الواحدة تناقضاً تاماً؟ وقد أحصى المؤرخون آلاف التناقضات بين تلك الأناجيل، في شتى الموضوعات "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا۟ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفًۭا كَثِيرًۭا"النساء 82. وكانت هذه الأناجيل الأربعة هي المختارة بين أكثر من أربعمائة إنجيل ظهرت على السطح بعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين للنصرانية، لمّا رأي أن ملكه سيزول لكثرة عدد أتباعها، واختار في مجمع نيقية تلك الأناجيل الأربعة، ثم بعد عقودٍ ثلاثة أو أربعة، جرت فيها "تحويراتٍ" رئسية، قام بها أوغسطين وجيروم، وكلاهما في القرن الرابع، بعد اختيار الأناجيل الأربعة مباشرة، للتقريب بين العهد القديم والعهد الجديد. هذا عدا أنّ العهد القديم هو في ذاته عارٌ على الفكر والأدب وفن الكتابة والنبوة جميعاً "فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـٰقَهُمْ لَعَنَّـٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَـٰسِيَةًۭ ۖ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ" المائدة13.
· أنّ هؤلاء النصارى، ومعهم اليهود، يتمتعون بلقبٍ خاصٍ في دين المسلمين، وهو وصف "أهل الكتاب"ٍ، فهم كفارٌ ذووا وضعٍ مخصوص، لأنهم كانوا من الأمم التي لديها بقايا من كتب الله التي أنزلها على موسى وعيسى عليهما السلام. يقول الله تعالى "لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ" البينة1. هذا الوصف يتضمن حلّ طعامهم، ونكاح نسائهم، ثم القسط والبرّ الي معاهديهم، ممن لم يحادّ الله والرسول علناً، ولم ينقض العهد، ولم يقاتل المسلمين"لَّا يَنْهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓا۟ إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ" الممتحنة 8.
· أنّ حكم الكافر الذي يموت على كفره هو دخول النار خالداً فيها أبداً، قال تعالى "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَـٰمِ دِينًۭا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ"آل عمران 85، وقال تعالى فيمن يمت كافراً "فَأُو۟لَـٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ"البقرة 217.
· أنّ نصارى مصر أهلُ عهدٍ وذمة، ما حفظوا العَهدَ والذّمة، فإن حفِظوها كان لهم ما لنا وعليهم ما علينا، إلا في إظهار شعائر الكفر أو الجهر بالمعاصى كشرب الخمر في العلن، وفي بعض أحكام الديات والقصاص. فإن لم يحفظوا العهد والذّمة، عوقب من خالف منهم حسب مخالفته، سجناً أو قتلاً، وإنْ أجمعوا كطائفة على الخروج وإظهار العداء، عادوا محاربين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وصحّ حربهم وقتالهم كأيّ محاربٍ.
· أنّ الأمر ليس أمر أقلية أو أكثرية، وإنما هو أمر الشريعة الغالبة على البلاد وعلى هويتها، إسلامية أو وطنية مصرية، فإن كانت شريعة الإسلام هي الغالبة، سَرَت على أهل الكتاب أحكامهم، وإن كانوا أغلبية، وإن كانت شريعة الكفر الوطنية المصرية هي السائدة، كان حكم الأغلبية هو الظاهر، وكانت المواطنة على أساس الإشتراك في قطعة الأرض والماء والكلأ هو أساس التعامل. والمقصود بشريعة الكفر هي أيّ شريعة غير دين شريعة الإسلام، سواء كانت أحكام الإسلام جزء منها أم لا.
· أنّ حكم المواطنة، أي حكم التساوى بين الناس الذين يعيشون على قطعة أرضٍ واحدة، يتشاركون في الماء والكلأ، هو ليس من دين الإسلام في شئ، إذ هو من قبيل القانون الحيوانيّ، الذي يضع الحاجات المادية قبل الإنتماء الأيديولوجيّ، بصرف النظر عن الوحي الإلهيّ، وعن النبوة وعن الكتب والرسالات.
· أنّ إدعاء شَراكة الوَطن، بما يُخل بثوابت الشريعة، كمنع التعدى على الإسلام، أو إظهار شرائع الكفر، أو خطف المسلمات العائدات إلى الله، كما حدث مع وفاء قسطنطين وكاميليا شحاته وغيرهن كثير، هو إدعاء عاطلٌ عن الحق مجانبٌ للدين. فإن للمشرك أو الكافر الأصلي، كأتباع الصليب، العودة إلى الحنيفية السمحة دون أي قيدٍ أو شَرط. قال تعالى "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ مُهَـٰجِرَٰتٍۢ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ۖ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَـٰتٍۢ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّۭ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ"الممتحنة 10.
· أنّ أحكام الردة وحكم المرتد في الشريعة، كمن ينتقل من الإسلام إلى الصليبية الكافرة، يجب أن يكون رادعاً لمن تسول له نفسه التلاعب بالدين وحرماته تحت مسمى حرية الإعتقاد والتنقل بين الأديان. هذا لا يكون في دولة مسلمة على وجه الإطلاق واليقين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من بدّل دينه فاقتلوه" البخاري، والدين هنا هو الإسلام، إذ غيره لا يسميه رسول الله ديناً بالمصطلح الشرعيّ على وجه اليقين والإطلاق. والدخول في الإسلام، أمرٌ لا يمكن الإجبار عليه، أما الخروج منه فهو هجرٌ للحق وتعزيز للباطل لا يصح أن يترك في شرع الإسلام.
هذه بعض الحقائق التي لا يجادل في صحتها إلا كافرٌ أو مشركٌ، إذ هي مما عُلم من الدين بالضرورة، ومما لا يسع المسلم أنْ يَجهلْه، واشتهر بين الناس وأقرته العلماء، وجاءت به الآيات وشملته التفاسير وعضدته الأدلة وأقوالُ الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وفعلُه وتقريرُه، وفعل الصحابة والتابعين وتابعيهم، لا مجال للإنحراف به أو تبديله إلا ممن خلع الربقة وخَرج عن الدين، من أمثال كَفرة الإعلاميين وزنادقة السياسة.
فلا يتلاعبنّ بك أخي المسلم أصحاب الأهواء والبدع والكفريات، فشبهاتهم على هذه الحقائق الثابتة كلها ساقطة متهافتة، وأني لأحدٍ أن يردّ بدليل على آيات الله أو على صحيح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* 11 نوفمبر 201
| |
|