... تكملةولا عجب أن تكون حواراتها في اللقاءات الأولى التي جمعت أطيافها في استنبول وأنطاكيا وبلجيكا وباريس وغيرها من العواصم والدول تجري وفق نظام الحُزَم الأيديولوجية كاللبرالية أو الإسلامية البراغماتية أو الأقليات الإثنية وما إلى ذلك ... لذا فقد كان شعارها الوحيد هو البحث عن «التوافق». فاللبراليون يتعاطفون مع بعضهم رغم غياب أي رابط حزبي أو تاريخي يجمعهم فضلا عن العداء المستحكم بينهم، والإخوان المسلمون يجتمعون معهم أو يتوافقون على قاعدة البراغماتية، وأصحاب الأقليات يخوضون صراعات لتأمين مصالحهم أو تثبيت هوية أقوامهم ولو على حساب عقيدة الأغلبية وهوية الأرض وتاريخها، والغالبية الساحقة من هؤلاء مغيبون أصلا وآخرون متنفذون يحرصون على ترضية « المركز» بما يحب ويهوى من الصيغ السياسية والاجتماعية التي يرتضيها للنظام والدولة بعد الأسد، وشريحة فرحة بما نالته من كراسي وسلطة وامتيازات في السفر والطعام والشراب والوجاهات التي لطالما افتقدتها.
ومع أنها أحست بخيبتها إلا أن حالها ظل مزهوا بنفسه، ينشد كما أنشد الشاعر:
ألقاب مملكة في غير موضعها ****** كالهر يحكي انتفاخة صولة الأسد
منذ لحظات تشكلها الأولى؛ ظلت المعارضة تبحث عن الشرعية في مواطن «المركز، وتستجديه، ولا تستحي من القول: «أننا قدمنا برهان غليون كواجهة مقبولة لدى الغرب»، علَّه يطيب نفسا به، أو يرق قلبه على تقديم العون والمساعدة، وله أن يطلب ما يشاء حتى لو كانت عقيدة الأمة وحضارتها وتاريخها ومستقبلها ومصيرها .. بل حتى لو حرصت على تجنب ذكر اسم الله في مطلع وثيقة فاجرة .. لكن دون جدوى!!! وليتها اتعظت من نظرائها في العراق وأفغانستان أو من تنازلات بلا ثمن أو توقفت للحظة عند تَمَنُّع «المركز» عن تسليح الثورة طوال هذه المدة من الزمن أو درست حقيقة تجاهله لها أو مبررات سكوته، بل موافقته، على تدمير سوريا والسماح بالتمثيل برجالها وأطفالها وانتهاك أعراض نسائها واستعمال أقسى وأفتك أسلحة التدمير حتى أن أركان النظام نفسه عجزوا عن فهم ما يمارسونه من وحشية بحق بلادهم وشعبهم!!!
العجيب أن المعارضة، السياسية والعسكرية، ظنت أنها البديل المنتظر، وما هي إلا بضعة أسابيع أو شهور حتى ترتفع على أكتاف الثكالى والمنكوبين والأرامل والقتلى والجرحى والمغتصبات وأنقاض سوريا. والأعجب أنها كانت آخر من يعلم فيما يحضر لها « المركز». ويبدو أنها لم تلتفت لعشرات التصريحات التي توطئ لإزاحتها عن المشهد السوري، أو أنها لم تقرأ ما نقلته واجهات العمل ابلوكالة كتلك التي أوردتها صحيفة «عكاظ » السعودية (1/10/2012) عن مصادر سياسية تقول أن: «واشنطن تبحث عن قيادة عسكرية مركزية في الجيش الحر قادرة على التعامل مع هذه المعلومات»، وأنها: « بحثت أكثر من مرة مع قيادات الجيش الحر وغيره من القيادات العسكرية مسألة وحدة القيادة من أجل تركيز الجهود على إسقاط نظام الأسد، لكنها حتى الآن لم تقتنع بمساعي وحدة الكتائب المقاتلة»، وأنها: « رهنت، منذ توسع سيطرة الكتائب المقاتلة على حلب، الدعم بالسلاح بتوحيد كافة الكتائب المقاتلة على الأرض، وإقصاء بقية العناصر الموسومة من قبل واشنطن بأنها متطرفة». هل سمع أحد في التاريخ كيف يمكن لأعداء عقديين وتاريخيين أن يوحدوا خصومهم عسكريا؟ وضد من؟ هل لأحد أن يكشف عن هوية العدو الذي يستحق هذا التوحد؟
ما أن أُعلن عن بدء اجتماعات الدوحة في 4/11/2012 حتى فاهت الولايات المتحدة على لسان وزيرة الخارجية في كرواتيا (31/10/2012) بما لا تهوى الأنفس، فقد: «حان الوقت لتجاوز المجلس الوطني السوري وضم من يقفون في خطوط المواجهة». هكذا دون أي مقدمات في عرف المعارضة! ولا ريب أن أغرب ما في تصريحات كلينتون أنها تحدثت بما يدغدغ مشاعر العسكريين والثوار وكل من ناصب المجلس الوطني العداء أو البغض. العجيب أن الولايات المتحدة تشن حربها في العادة على «المتطرفين» و «الإرهابيين» لكنها هذه المرة شنتها على عشاقها ومريدها من أهل الاعتدال والوسطية والبراغماتية!!! ولو كانت المعارضة «متطرفة» بما يكفي لربما نجت من الهجوم الأمريكي!!! إذ والكلام لكلينتون: «لا يمكن أن تكون هذه معارضة يمثلها أشخاص يتمتعون بخصال جيدة كثيرة لكنهم في كثير من الأمثلة لم يذهبوا إلى سوريا منذ 20 أو 30 أو 40 عاما»، أما الذي يمكن فهو: «أن يكون هناك تمثيل لمن يقفون في خطوط المواجهة يقاتلون ويموتون اليوم في سبيل حريتهم».
ونقلت وسائل الإعلام المزيد من تصريحات كلينتون كقولها: «أن الولايات المتحدة قد طرحت فكرة تشكيل تنظيم معارضة موحدة تحل بدلا من المجلس الوطني السوري الذي تعتبره واشنطن تنظيما غير فعال بسبب عدم نجاحه في توسيع قيادته، وأن: «واشنطن قد أعدت مرشحين سوريين للانضمام إلى أي قيادة جديدة للمعارضة يمكن أن تنبثق من مؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا في الدوحة». أما المتحدث باسم الخارجية الأميركية باتريك فنتريل، فقد طالب في مؤتمره الصحفي بواشنطن: «المعارضة أن تكون أكثر تنظيما والتزاما بإستراتيجية»، لافتا الانتباه إلى أن: «واشنطن لم تر ذلك في المجلس الوطني السوري ولذلك تساعد في تحديد بعض الأشخاص» .. إذ: «ثمة حاجة ماسة لتشكيل تركيبة تمثل قيادة المعارضة»، أما لماذا « حاجة ماسة فلأن: « أمامها عمل سياسي وإداري للتواصل مع المجتمع الدولي والمساعدة في تنسيق التواصل والمساعدة».
هكذا بطشت الولايات المتحدة في المعارضة التي تحالفت معها دون سابق إنذار. فما كان من المعارضة، في اليوم التالي (2/11/2012) إلا أن صبت جام غضبها على أمريكا. وردا على تصريحات كلينتون أصدر المجلس الوطني بيانا قال فيه: «إن الحكومة الأميركية تريد بقاء بعض عناصر حزب البعث في السلطة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد»!!! وكأن «البعث» الذي ليس له في العير ولا في النفير بات المسؤول عما حل بسوريا وأهلها من خراب ودمار وسفك للدماء. طبعا المجلس يقصد الطائفة النصيرية، لكنه لا يجرؤ على البوح بحقيقة المسؤولية لأنه محكوم بالسقف الدولي وأيديولوجياته وعقائده ومفرداته الدبلوماسية والسياسية. ثم تبع بيان المجلس غضب الكثير من أعضائه تجاه ما بدا لهم: «وصاية مباشرة وإملاءات لم تعد مقبولة للشعب السوري». ومن لندن، علق محيي الدين اللاذقاني، عضو المجلس، بالقول: «لا يحق لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون انتقاد المجلس في وقت لم تحدد فيه إدارة الرئيس باراك أوباما أي مسار لسوريا، مشددا على أن كل ما تحاول أميركا أن تفعله هو إلقاء اللوم على المجلس».
لكن أعجب وأميز ما في ردود الفعل جاء من جانب «الإخوان المسلمين». فقد انعقد لقاءً تشاوريا في العاصمة الأردنية عمان في 1/11/2012 بحضور 25 شخصية سورية، من بينها رئيس الحكومة السورية المنشق، رياض حجاب، وصدر الدين البيانوني، ممثلا عن الإخوان، ورياض سيف، الوكيل الحصري لـ «المبادرة الوطنية السورية»، وبحسب بيان صحفي صدر عن المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية يوم 2/11/2012 فقد: «تقدم الأستاذ البيانوني خلال اللقاء بمداخلة (مشروطة) أعلن فيها تأييد فكرة إيجاد قيادة سياسية جامعة للمعارضة السورية». ومع ذلك فقد علق زهير سالم، المتحدث باسم الجماعة، على تصريحات كلينتون بعصبية!! مشيرا إلى: «أن الولايات المتحدة تريد أن تفصل المعارضة السورية على مقاسات محددة»!!! بل أن اللقاء أنهى مشاوراته بالدعوة إلى تشكيل ما سمي بـ: «هيئة المبادرة الوطنية السورية», تمهيدا لإنشاء «قيادة سياسية جديدة للمعارضة» يليها «إعلان حكومة مؤقتة في المنفى» يقودها «رياض سيف».
لكن ليس من العجيب أن تواصل الولايات المتحدة تجديد عزمها على تفصيل الثوب الجديد عبر إقامة كيان بديل عن المجلس الوطني، بصريح القول والفعل، ورغم أنف قوى المعارضة، وبلسان كلينتون: «إن واشنطن أعدت مرشحين سوريين للانضمام إلى أي قيادة جديدة للمعارضة يمكن أن تنبثق من مؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا». وبدا واضحا أن الولايات المتحدة أوكلت لقطر، محضن الاجتماعات القادمة، مهمة العرّاب. وهو ما كشفته صحيفة «الغارديان – 3/11/2012 » البريطانية حين قالت أن: «دولة قطر تقف وراء تنظيم مبادرة الدوحة»، وأنها: «حصلت على دعم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لإيجاد معارضة سورية موحدة ومتماسكة».
هكذا؛ وعلى وقعْ التصريحات الأمريكية وردود الفعل انطلقت اجتماعات «أصدقاء سوريا» و «المجلس الوطني» في العاصمة القطرية - الدوحة يوم 4/11/2012 لتنتهي بما أسمي «اللقاءات التشاورية». وجهد المجلس الوطني في الالتفاف على «المبادرة الوطنية السورية» لرياض سيف، والداعية إلى تشكيل ائتلاف للمعارضة أوسع من المجلس الوطني، بحيث ترمي، بحسب محمد العطري، المتحدث باسم رئيس الحكومة السورية المنشق رياض حجاب (4/11/2012)، إلى: «إنشاء جسم سياسي جديد للمعارضة السورية ليكون ممثلا لجميع شرائح المعارضة ويتكون من المجلس الوطني (الأعضاء الـ14) والمجلس الوطني الكردي (3) والمجالس المحلية التي تعنى بتنظيم الشؤون في الداخل، والمجالس الثورية في الداخل والشخصيات السياسية والتاريخية وهيئة علماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين»، مشيرا إلى أن: «مشاورات ستجري لمعرفة ما إذا كانت هذه المبادرة ستشكل جسما بديلا عن المجلس الوطني أو ائتلافا جديدا».
ورغم الاستياء الشديد لرئيس المجلس، عبد الباسط سيدا (4/11/2012)، من: «جهود كثيرة بذلت وتبذل من أجل تجاوز المجلس»، وعن: «تضييق مادي» واتهام بـ « القصور والعجز والانغلاق»، وكذا حيرة جورج صبرا، الناطق باسم المجلس، وهو يقول: «تحاصرنا أفكار لا يمكننا قبولها»، إلا أن أحدا لم يسمع صراخ المجلس .. وبدا أحد أركان «البديل الجديد»، كمال اللبواني، لا يسمع صراخا ولا عويلا إلا سيمفونيته الخاصة: «لا ننافس على الشرعية ولا نتلقى أوامر من أحد»، مكتفيا بالقول أن السبب وراء المبادرة الجديدة هو: «تحول الثورة السورية إلى فوضى، والانقسام الحاد بين أطياف المعارضة، الأمر الذي: «يهدد بحرب حقيقية بعد سقوط النظام». ويبدو أن صبرا استفز حتى النخاع في تصريحاته لـ «وكالة الأنباء الألمانية – 5/11/2012 » في الدوحة حين قال إن: «المجلس يتعرض لضغط هائل لجعله ينخرط في مفاوضات سياسية مع النظام السوري، وهو شيء يرفضه كثير من قادتنا».
وعشية اللقاءات التشاورية حول مبادرة سيف (8/11/2012)، أدلى برهان غليون بدلوه محاولا التخفيف من وقع الصدمة: «ليس هناك شيء اسمه قيادة جديدة ولا بديلة والأجدر تسميتها بلجنة تنسيق للعمل المشترك فهذا هو المطلوب وليس استبدال المجلس»، مشيرا إلى أن: «الموقف الأمريكي قد لان كثيرا بهذا الشأن، وأن: «الجانب القطري عرض علينا أن نظل يوما أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة حتى يطلع الدخان الأبيض، وإذا لم يطلع سيذهب كل إلى سبيله»!!! ويبدو أن دخان انتخاب البابا لم يخرج حتى ذلك الحين ليهدئ من غيظ سمير نشار، الذي فتكت الصدمة بأعصابه، ولم يذهب في سبيله، فكان على النقيض من غليون: «لن نقبل بأي قيادة جديدة فوق المجلس الوطني»، فما: «الجدوى من خوض تجربة قيادة جديدة قد تفشل في حين أن المجلس الوطني السوري بصدد التوسعة وإصلاح نفسه؟ »، لكن وبكل برود صب رياض سيف الزيت على النار المشتعلة؛ فهدم أية مشروعية أو فاعلية للمجلس من أصله بالإشارة إلى أن: «المبادرة ليست إلغاء للمجلس الوطني باعتبار انه لم يكن في أي وقت من الأوقات سلطة أو قيادة» للمعارضة، لكن؛ وكي يُطَمْئن المجلس على مستقبله وموارده المالية فيمكن له الاعتماد على «التسول» و « النصب» و «الاحتيال»، إذ: «سيكون له ألف عمل وعمل في خدمة الثورة، أما تمويله: «فيجب أن يكون ذاتيا بحسب الأعمال والنشاطات التي يقوم بها أعضاؤه، كما يمكن له أن يتلقى دعما عربيا وأجنبيا مثل أي منظمة تطوعية وغير حكومية»، والمحسنين كثيرون. أما العمل الذي يجري الآن فهو فقط: «من أجل إيجاد قيادة وسلطة سيكون للمجلس الوطني فيها نصيب 50% إذا استثنينا مندوبي المحافظات الأربعة عشر».
باختصار؛ فقد اتسمت الاجتماعات والتصريحات بالمهاترات والمماحكات والغضب والمساومات والتطمينات والفضائح، وظهرت المعارضة كما لو أنها أزواج ضرائر لزوج كسيح. والعجيب أن المجلس الوطني واصل اجتماعاته ووسع هياكله كالأطرش في الزفة، أملا في تجاوز مبادرة سيف. فانتهت بخروج شخصيات معتبرة من أمانة المجلس مثل برهان غليون وجورج صبرا، وحصل الإخوان المسلمون على ثلث المقاعد .. ومع ذلك، وكما سبق وقدموا برهان غليون واجهة مقبولة لدى الغرب، جاؤوا بجورج صبرا أمينا عاما للمجلس، وهو مسيحي وملحد في الوقت نفسه!!! وطار مناصروهم ومؤيدوهم بهذه الخطوة « الجبارة» معتبرين أن انتخاب صبرا يثبت للعالم أن هدف الثورة السورية هو «الحرية» وليس «الطائفية»!!! وكأن أحدا، غير «المركز» والخصوم والأعداء، اتهم الثورة بالطائفية أو شكك بأهدافها. بينما لم يذكر أيا منهم، لا على مستوى الجماعة وفروعها ولا على مستوى الأفراد، أن انتخاب صبرا هو استنزاف عقدي بغيض بحق الله على العباد، وبحق الإسلام والمسلمين، وبحق شعب غالبيته الساحقة مسلمة، وبحق شلالات الدماء النازفة .. وهو سطو على دين الله وحقوق الأمة من المفرطين، والملحدين، وممن لا عقيدة لهم، ولا مبدأ ولا تاريخ .. ودون أن يرتد إليهم طرف من فعلتهم الشنيعة إلا من الرغبة المسعورة في استرضاء « المركز» بما يحب ويهوى. الله لا يعطيكم عافية على هكذا إنجاز ورسالة.
لكن «ومن يهن الله فماله من مكرم». فما أن بدأت اللقاءات التشاورية (8/11/2012) لمناقشة مبادرة رياض سيف حتى تلقى اتهامات صريحة من بعض أعضاء المجلس بأنه: «يتبنى أجندة أمريكية لتهميش المجلس». ومن جهتها تلقت وكالة «رويترز» للأنباء تصريحا من مصدر في المجلس قوله إن: «سيف لم يكن مقنعا أبدا»، لكنه قال للمجلس بأنه: «سيمضي قدما بالمبادرة بموافقة المجلس أو من دونها». لكن ما نعرفه أن رياض سيف ليس سوبرمانا في الداخل ولا في الخارج. وغني عن القول أنه ما كان لسعادة الوكيل الحصري، أن يطلق هذه التهديدات دون أن يكون محصنا بدعم حاسم من «المركز» الذي لم يعد يقبل الهياكل التقليدية.
هكذا ولد الهيكل الجديد المسمى بـ: «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، وابتلعت المعارضة ألسنتها، وسحبت كافة تصريحاتها، ونزلت عند رغبة المركز»، وأمطرت بالشروط التي ارتضتها «المجاهدة» كلينتون. وفي 8/11/2012 أعلن صدر الدين البيانوني، المراقب السابق لجماعة «الإخوان المسلمين» في الدوحة أنه: «تم التوقيع بالأحرف الأولى وبالإجماع على اتفاق تشكيل الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة السورية»، وبعد الإعلان الرسمي انتخب الشيخ أحمد معاذ الخطيب رئيسا للائتلاف بأغلبية 54 صوتا من أصل 63، كما انتخب رياض سيف وسهير الأتاسي نائبين له.
حقا!! عجيب أمر المعارضة السورية!!! يعارضون التشكيلات الجديدة ويفاوضون عليها من وراء الكواليس، ثم ينتخبون رئيسا بالأغلبية!!! ثم يبدؤون في الثناء عليه، وكأن الأرض أزهرت. فما أن انتخب الخطيب رئيسا للتشكيل الجديد حتى بدأت الدعوات وحملات التسويق حتى من موقع الخطيب الإلكتروني، وعلى صفحات المواقع الاجتماعية تشق طريقها. وبدا أن التركيز على شخصية الرجل الذي لم تشوبه شائبة من قبل، كرياض سيف، هي محور الترويج له. لكن هذا لا يمنع من القول أن الرجل، الذي لم يعرف عنه سوء، ليس بأفضل من أولئك الذين عارضوا النظام لعشرات السنين، ودفعوا ثمنا باهظا طال حياة عشرات الآلاف منهم.
والمهم في شخصية الرجل ليس فقط ما يحظى به من شرعيه اجتماعية دمشقية ودينية عريقة، والتي استعملت في تسويقه، بل في قناعاته السياسية ومعتقداته التي رجحت اختياره كأنسب ما تحتاجه التشكيلات السياسية والعسكرية الجديدة. فهو خطيب الجامع الأموي بدمشق، ويوصف بأنه رجل وسطي معتدل يؤمن بالتعددية العقائدية والطائفية، ولعله أبعد ما يكون عن تكفير الطائفة النصيرية أو الطوائف الباطنية. ويعرف عن نفسه بموقعه قائلا: «لا نرضى الفتنة وحمل السلاح في الأمة الواحدة مهما يكن السبب، وننبذ الطائفية والعصبية وضيق الأفق، كما نرفض تحجيم الإسلام وفق أهواء العوام أو الحكام .. ونرفض الفكر التكفيري الغضوب، ونعتقد أن الإسلام رسالة هداية للبشرية جميعاً». وهو بالمحصلة وكما وصفه خالد الزيني، عضو المجلس الوطني السوري، «شخصية توافقية»، بما تكفي لتلبية احتياجات الجميع.
وفي أول بيان أصدره (14/11/2012) بعد زيارته لبعض العواصم العربية والدولية كتب على موقعه مخاطبا الشعب السوري بما يشبه التسول والاستجداء الذي لا يليق بسوريا ولا بشعبها ولا بتضحياتها ولا بتاريخها ولا عقيدتها ولا بشخصية تتبوأ منصب قيادة:
« اليوم اعترفت الولايات المتحدة بالائتلاف ممثلا وحيدا للشعب السوري ولكنها علقت ذلك على تأكدها من أن الائتلاف يمثل الشعب السوري حقيقة … هذه لحظة تاريخية .. أرجو الله أن لا نخذلكم فلا تخذلونا أرجوكم .. أريد أن يكون شعار الجمعة القادمة: (يا أوباما لا تخاف .. كلنا مع الائتلاف).. أريد لافتات فيها شكر للرئيس الفرنسي .. ولافتات: (الشعب السوري واحد)، ولا فتات عليها: (لا تطرف لا إرهاب .. افهم افهم يا حباب) .. وفي آخر البيان طالب بـ: تعديل: بعد التشاور مع بعض قيادات الداخل اقترحوا أن يكون العنوان للجمعة القادمة: يا أوباما اسماع اسماع كلنا مع الائتلاف» .. لكن الجمعة المقصودة أسميت: «الائتلاف يمثلني»!!! والنعم.
سؤال: ما الذي جنته المعارضة السياسية الساعية إلى تحصيل اعتراف دولي وعربي بها من تشكيلها الجديد؟فيما خلا الموقف الفرنسي الذي قدم اعترافه وصار يلعب دور رأس الحربة في رفع الحظر عن تسليح الثورة، والاستعداد لطلب «أسلحة دفاعية»، إلا أن بقية المواقف الأوروبية والدولية نأت بنفسها عن الاندفاع الفرنسي، ابتداء من أوباما وانتهاء بالمفوضة الأوروبية كاترين آشتون، واكتفت بالإشادة بالتشكيلات الجديدة أو تعليق الاعتراف الكامل بها حتى إلى ما بعد سقوط النظام!!! ولعلها لطمة غير محسوبة من أولئك الذين يظنون دائما أن التعهدات والتنازلات والتصريحات وحرق الذات يجدي مع « المركز». وتغافلوا عن كل تاريخ وحاضر، وتناسوا أن «المركز» والخصوم والأعداء لم يقبلوا بالرئيس العراقي، صدام حسين، وهو علماني، كما تناسوا كيف دبروا اغتيال الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، وهو من قدم لهم التعهدات والتنازلات حتى الاعتراف بـ «إسرائيل» .. ومع ذلك تآمروا عليه وحاصروه وأذلوه وقتلوه دون أن يأسف عليه أحد. فلماذا يقبلون تعهدات المعارضة القديمة أو الجديدة؟ ولماذا يثقون بها أو يسمحون لها بالوصول إلى السلطة على أنقاض طائفة ائتمنت على النظام الدولي و «إسرائيل» منذ 1913 وإلى يومنا هذا؟ فما الذي يمكن أن تقدمه المعارضة بالمقارنة مع ما قدمته الطائفة النصيرية، صاحبة الامتياز الدولي؟ وهل تعهداتها أو حتى اعترافها بـ «إسرائيل» سيكون أثمن من اعتراف عرفات بها!!!!؟
في أول رد فعل للرئيس الأمريكي، باراك أوباما (14/11/2012) على التشكيلات الجديدة التي صممتها بلاده!!! قال بصريح العبارة: «نحن غير مستعدين للاعتراف بهم كحكومة في المنفى، إلا أننا نعتقد أنها مجموعة تتمتع بصفة تمثيلية». وأعلن بوضوح: «نحن نحترس وخصوصا عندما نبدأ بالحديث عن تسليح مسؤولي المعارضة لكي لا نضع أسلحة بين أيدي أناس قد يسيئون إلى الأمريكيين أو الإسرائيليين». وأن: «إحدى المسائل التي سنواصل التشديد عليها هي التأكد من أن هذه المعارضة تتجه نحو سوريا ديموقراطية ومعتدلة وتشمل كل المجموعات»!!! ومن فاته مضمون عبارات: «ديمقراطية .. ومعتدلة .. تشمل كل المجموعات» فما عليه إلا أن يلحق بأول رد فعل آخر أدلى به الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحفي مشترك (15/11/2012) مع أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، في موسكو، حيث قدم حقوق الأقليات والطوائف على حقوق الشعب السوري برمته: «إن موقف بلاده يعطي الأولوية لتحقيق اتفاق حول المستقبل، وإنه يجب أولا تفهم كيفية ضمان احترام المصالح والحقوق المشروعة لمختلف الطوائف والقوميات قبل البدء في التغيير، وليس تنحية الرئيس السوري بشار الأسد» ثم التفكير في الخطوة التالية.
أما وليم هيغ، وزير الخارجية البريطاني، الذي التقى أحمد معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الجديد، فقد أحبط مضيفه مثلما أحبط أولئك الذين توسموا خيرا بتصريحات ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية حول اقتراحه الممر الآمن للرئيس السوري واستعداد بلاده لدراسة تسليح الثورة. وفي تصريحات لقناة الـ BBC استبق فيها لقاءه بالخطيب، أوضح هيغ أن: «بلاده تدرس الاعتراف رسمياً بهذا الائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، لكنها تسعى لمعرفة خطط هذا الائتلاف للانتقال السياسي في سوريا ومعرفة من الذين يعتزمون تعيينهم وكيفية توزيع المناصب، وهل سيكون الأكراد مشاركين، وما حجم التأييد الذي يتمتع به ائتلاف المعارضة داخل سوريا»، مؤكدا بأنه: «قد يكون قادرا على اتخاذ قرار بشأن الاعتراف بالائتلاف خلال الأيام القليلة القادمة» .. تصريحات استفزت سهير الأتاسي، نائب الخطيب، التي علقت بالقول: وكأننا تحت اختبار!!!؟ صح النوم يا مدام.
وفي تغطيتها للموقف الأوروبي بشأن تسليح الثورة ذكّرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية بموقف كاثرين أشتون، ممثلة السياسة الخارجية الأوروبية، وهي تردد القول: «إن إرسال السلاح إلى سوريا ربما يزيد الأمر سوءً هناك». وتنقل الصحيفة عن مسؤول أوروبي، رفيع المستوى، قوله في العاصمة البلجيكية بروكسل: «إن "محادثات مطولة" قد تجري قبل إجراء أي تغيير على حظر بيع الأسلحة لسوريا»، مشيرا إلى أن: بعض أعضاء الاتحاد لن يقبل بسهولة إرسال أسلحة للمعارضة السورية». وأن رفع الحظر يتطلب اتفاقا أوروبيا مشتركا يتم التوصل إليه بعد مفاوضات معمقة، قائلا: «أنا شخصيا لا أخفي بعض الشكوك. إذ أن: القلق الأوروبي لن يتعلق فقط بمبدأ إرسال الأسلحة، بل أيضا بتطبيقه، لافتا إلى أنه لن يكون من السهل ضمان وصول شحنات الأسلحة للمعارضة فقط». ولعلها تصريحات راقت لوزير الدفاع الألماني، توماس دي مايزيري، الذي قال إنه: «يشكك في الفكرة».
أما منظمة العفو الدولية فقد رحبت بدعوة وزير الخارجية البريطاني جماعات المعارضة السورية إلى ضرورة الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، وحرض كريستيان بنديكت، المسؤول في المنظمة، وليم هيغ على مزيد من الضغط لاتخاذ إجراءات عملية ضد المقاتلين: «نريد رؤية مساءلة حقيقية يتم بموجبها اعتقال أي مقاتلين ارتكبوا انتهاكات، وفتح تحقيقات مناسبة حولها».
إلى هنا نقول بأن الهياكل الجديدة لا تعني أنها تتمتع بحرية الحركة والمطالب. وتوسلاتها لقوى الثورة بتقديم الدعم لها عبر تسمية يوم 16/11/2012 بـ جمعة «الائتلاف يمثلني»، المماثلة لـ جمعة «المجلس الوطني يمثلني – 7/10/2011 » كانت فاضحة كما سبق وأثبته الخطيب في كلمته إلى الشعب السوري. هذا فضلا عن أن تسميات الجُمَعْ تخضع للمساومات السياسية والأيديولوجية، لاسيما وقد سبقتها جمعة «أمريكا ألم يشبع حقدك من دمائنا؟ » و التي تأجلت في 12/10/2012، بعد معارضة من المجلس الوطني قبل أن يتم فرضها يوم 19/10/2012.
المهم أن ردود الفعل الشديدة على التشكيلات الجديدة من بعض رموز الثورة السورية استبقت اجتماع اللقاءات التشاورية في الدوحة. فالقوى الإسلامية رفضت، كالعادة، كل التشكيلات والمبادرات السياسية. ومن جهته شن العقيد رياض الأسعد، قائد «الجيش الحر» هجوما شرسا على المجلس الوطني، في تصريحات نشرتها صحيفة «الوطن» السعودية في 7/11/2012، قال فيها أن: «هناك من أعضاء المجلس الوطني من شتت الصفوف وحاول تفرقة الكتائب، هؤلاء عصابة، والمجتمع السوري يعي ذلك، كانوا فعالين في تفرقة المقاتلين لكنهم لم يتمكنوا، والثوار معنوياتهم مرتفعهم على وقع الانتصارات اليومية .. أشخاص معروفون لدينا، مؤثرون في المجلس الوطني ومُتنفذين، هم من يتحملون مسؤولية قتل السوريين»، .. هذا المجلس الذي أقصى الجيش الحر حمله الأسعد مسؤولية: «ثمن سفك دماء الشعب السوري».
وخلال انتخابات المجلس الوطني، تلقت وسائل الإعلام: «بيان مشترك من القوى الوطنية السورية في رفض مخططات اجتماع الدوحة» وقعته شخصيات وقوى عسكرية ومدنية، من بينها «الجيش الحر» و «التحالف الوطني السوري» و «الكتائب الميدانية المقاومة في سوريا»، وتضمن البيان أسماءً من بينها العقيد رياض الأسعد والعقيد حسام العواك وسعد العقيدي و د. وائل الحافظ. وجاء فيه: «إنه لواجب علينا أن نوضح للجميع أن الإصرار على إقصاء أبناء الثورة الصادقين إنما هو استمرار في السير على ذات الخطى التي لم تقدم ما هو ايجابي للثورة على مدى 13 شهرا وذلك يدفع إلى زيادة في الشكوك حول ماهية الأجندات التي تم تحضيرها والإعداد لها لما هو أبعد من ذلك من حكومة ووزارات وقيادات تريد فرض نفسها».
وأوضح سعد العقيدي، منسق الكتائب الميدانية المقاومة في سوريا، وعضو المكتب التنفيذي في مجلس القبائل العربية السورية: «إن القوى الوارد اسمها في البيان ترفض المجلس جملة وتفصيلا، وتعتبره غير موجود وأن مبادرة رياض سيف لا تعنيهم». أما فيما يتعلق في الموقف من المجلس فهو: «سبب رئيسي في تمزق المعارضة السورية وأن من يقودونه لديهم أجندة حزبية ضيقة للوصول إلى كرسي السلطة ولم يقدموا شيء للشعب السوري»، الذي: «أعطى فرصة للمجلس طيلة أكثر من سنة فما قدم شيء للشارع السوري سوى أن قام باستلام الأموال وسرقتها». وأوضح أن: «المجلس الوطني السوري أعاد إنتاج نفسه وأن جماعة الإخوان المسلمين قسموا أنفسهم في هذه الانتخابات إلى أربع كتل تحت أسماء كتل وطنية إلى آخره حتى يحظوا بالأصوات»، وتجاهل ما اعتبره: «ضعف تمثيل القبائل السورية في المجلس، مشيرا إلى أن أهم مكون في سوريا القبائل العربية التي تشكل 45 بالمائة والتي من المفترض أن تحظى بتمثيل أكبر في المجلس أعطيت فقط 8 أصوات».
ما زال الوقت مبكرا على الخاتمةلا ريب أن «المركز» بات مقتنعا للغاية أنه من المستحيل بقاء عائلة الأسد في السلطة بالنظر إلى الإرث الدموي والأمني وما خلفته من قروح غائرة عميقا في الجسد السوري. لذا ما من أحد يشك بزوال الأسد وعائلته إلا من يصر، في اللحظة الأخيرة والحرجة للجميع، على البيع بأبخس الأثمان دون مبرر، بينما الفرصة للثراء أمامه متاحة رغم أنف أكبر التجار والمستهلكين.
لكن المشكلة في هؤلاء الذين يستقوون بأفخاخ «المركز» نفسه وإغراءاته لهم اعتقادا منهم أنهم يحققون مكاسب بإثارة مخاوفه أو الاتزام بتوجيهاته وآرائه!!! ومن أمثلة هذه المصائد ما قاله جيمس دوبينز، مدير مركز راند للأمن الدولي والسياسة الدفاعية (7/11/2012)، من أن: «الأحداث قد تجبر أوباما على التدخل بدرجة ما في سوريا وربما يقدم السلاح». وهذا احتمال مرجح فعلا، لكن ليس لخدمة الثورة بقدر ما هو الخشية منها. ولعل جاستين فايس الباحث في معهد «بروكينغز» أحسن في التشخيص حين قال: «إن عدم التدخل عسكريا في سوريا أدى إلى اتخاذ الصراع ضد النظام منحى راديكاليا، وهو ما يفسح (المجال) لدخول الجهاديين والقاعدة، ولنشوب حرب أهلية ستكون لها تبعات على الأردن والعراق وعلى التوازنات في لبنان». ولهذا السبب رأت مارينا اوتاواي، الباحثة في مركز «كارنيغي للسلام» الأمريكي (14/11/2012) أن: «الولايات المتحدة تريد تنظيما عسكريا موحدا .. يمكن أن ترسل إليه المساعدات المالية والعسكرية ويقطع الطريق أمام الجهاديين » .. وتعلق على الرغبة الأمريكية بتشكك: «إنها خطة ملفتة لكنني لست واثقة من إمكان نجاحها». فما هي، إذن، منزلة تصريحات العميد مصطفى الشيخ وهي تحذر من «تحول الثوار السوريين إلى إرهابيين - 10/11/2012» حين قال: «إذا لم يكن هناك قرار سريع لدعمنا، فإننا جميعا سنتحول إلى إرهابيين؟ » هل يمكن تصنيفها في خانة ابتزاز «المركز»؟ أم في خانة تقديم الخدمات له؟ أم في خانة المكر به؟
قلنا وما زلنا نقول بأن الحل المطروح على السوريين من «المركز» هو الحل السياسي الذي يقوم على صيغة «الحل مع النظام»، وبما يضمن بقاء الطائفة النصيرية متمتعة بذات الامتيازات التي تتمتع بها، شريكة كاملة في السلطة. وكما سبق وأعلن ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي، أن حل الجيش وأجهزة الدولة والأمن غير وارد في سوريا. وها هو الرئيس الأمريكي يتحدث صراحة عن دولة «ديمقراطية .. ومعتدلة .. تشمل كل المجموعات»، وكذا الرئيس الروسي الذي أعطى «الأولوية» لحقوق الأقليات والطوائف ومستقبلها واندراجها في السلطة قبل أن يتحدث عن حقوق الشعب الجريح.
أما الإبراهيمي فلم يفته أن يذكِّر المعارضة السورية، ومن لا يتذكر أو يتعظ، وقبل أن يطالب أحد بتسليح الثورة (5/11/2012) بأنه: «لا حل عسكري للأزمة السورية، وأن الحل الوحيد هو إيجاد عملية سياسية يتفق عليها الجميع، أو أن المستقبل سيكون سيئا للغاية، وستتدفق الأزمة على دول الجوار وحتى إلى دول بعيدة عن المنطقة».
بقي أن نقول أن هؤلاء الذين مثلوا جسرا لـ «الاختراق»، بحسن نية أو بسوء نية، بعلم أو بجهل، لم يحسبوا حسابا كما فعل «المركز» الذي أحسن استدراجهم .. وهو الآن عازم على استنزافهم من عقائدهم وأخلاقهم وقيمهم وإنسانيتهم وانتمائهم وتاريخهم حتى إذا ما سقطوا لن يأسَ عليهم أحد. فهم لا يمتلكون أية ضمانة من «المركز»، وليس لـ «المركز» حتى الآن بديلا عن الطائفة في الحكم. فهي باقية في السلطة ودواليبها .. لكنها عند السوريين مطالبة بكشف حساب ثقيل جدا. وهذا لا يعني ذبح الطائفة أو قتلها، فهي على كل حال موجودة شأنها شأن الكثير من الطوائف، لكنها من المستحيل أن تكون مقبولة في السلطة دون أن تدفع ثمن جرائم الغالبية الساحقة التي ارتكبتها بحق الشعب السوري، أو دون أن تقدم عشرات آلاف المجرمين فيها للمحاسبة، أو دون أن تتحمل مسؤولية انخراطها في النظام والقتل والرعب التاريخي الذي أوقعته في المجتمع، أو دون أن تتحمل مسؤولية استيلائها على الدولة والمجتمع وحقوق الأمة برمتها لعشرات السنين ..
هذا الأمر لا يروق لـ «المركز» ولا يقبل به!!! فما الذي ستأتي به إذن الوسطية والاعتدال والتعددية والديمقراطية والمشاركة؟ وما الجدوى أو الغاية منها إنْ لم تسترد حقوق الشعب وتنصفه في مظالمه وعذاباته؟ وما معنى ألا يتعظ عشاق «المركز» من أسلافهم أمثال محمد دحلان (فلسطين) وشيخ شريف (الصومال) و رباني ومسعود (أفغانستان) وطارق الهاشمي (العراق) وبرويز مشرف (باكستان)، هذا ناهيك عن أولئك الذين أخطؤوا الحسابات فاغتيلوا رغم ما قدموه من خدمات!!! ألا ليت قومي بعلمون.
يتبع .... نشر بتاريخ 18-11-2012
http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-388.htm