بقلم: د. طارق عبد الحليمالأحد 06 يناير 2013
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
هل يمسك حازم أبو اسماعيل بخيوط الحلّ الإسلاميّ؟ هل هو القائد المنتصر المُنتَظَر، الذي سيخرُجُ بمصر من وأدتها إلى عالم الإسلام الرحيب؟ هل هو الرجل الذي يجب أن تسير وراءه جموع المسلمين ليخرج بهم من الظلمات إلى النور في عصرنا هذا؟ أسئلة دارت وتدور في أذهان الكثير، ما بين موافقٍ ومخالف، وإن قصّر الموافق أن يعرف فيما الموافقة، وعجز المخالف أن يحدد لماذا المخالفة.
لا شكّ أن حازم أبو اسماعيل شخصية صارت ذات وزنٍ مُعتبرٍ في عالم الحركة الإسلامية الحديثة، إذ قد فرضت نفسها على الساحة بشكلٍ قويّ حازمٍ منذ ثورة 25 يناير، بما يجعلها شخصية جديرة بالتأمل والإعتبار من أصحاب الإنصاف والعدل، إعجاباً وتقديراً وموافقة من ناحية، وعجباً واستغراباً ومخالفة من ناحية أخرى. وهاكم الأسباب.
سطع نجم حازم في السنتين الماضيتين، منذ الثورة، وإن كان قد طلع النجم قبل ذلك منذ سنواتٍ على مسرح الحياة السياسية المصرية، كمرشحٍ برلماني، يسير على خطى والده الشيخ صلاح أبو اسماعيل، وحقوقيّ مدافعٍ عن حقوق الإسلاميين المهدرة منذ عقود. وكان أن هيأت ظروف الثورة، والطاقة الكامنة في شخص الشيخ حازم، ووضوح رؤيته لما يريد أن يصل اليه، وإخلاصه في محبة دين الله والرغبة في نصرته، نحسبه كذلك، أن سطع هذا النجم، وبرز مبارزاً لقوى العلمانية الليبرالية الملحدة، المتمثلة فيما يسمونه القوى المدنية، والتي اتخذت واجهتها من أولئك الإعلاميين الكفرة، ترمي الإسلام بقوسٍ واحدٍ. فكان أن تفوق الشيخ حازم في عرض القضية الإسلامية والذبّ عنها، وترك وراءه شيوخ السلفية، التي ينتسب اليها، يلهثون، وبل ويتسابقون في سبّه ومهاجمته آنذاك، حقداً وحسداً، والذى رأيناه يعانق أحدها مؤخراً! كما ترك وراءه قادة الإخوان، الذين فشلوا فشلا دريعاً في أية مواجهة مع قوى العلمانية الملحدة، لضعف العلم الشرعيّ والواقعيّ، وخلل التصور والتوجه، وشرك المقاصد والحلول.
هذه كلها حقائق قد أثبتها التاريخ، وأثبتناها في كتاباتنا عن الثورة وأيامها، في أوانها. لكنّ الرجل حازماً، على ما فيه من فضيلة، قد كشف عن تناقضاتٍ خطيرة، تأبى، حين تجتمع في شخصية احدة، أن تحملها إلى ما أراده الله من قيادة ضرورية لتحقيق النصر، كما كان أمل الكثيرين فيه. وهاكم التفصيل.
يرى حازم أنّ الإسلام هو الحلّ، ليس على طريقة إخوان العريان، الذين تبرؤوا من هذا المفهوم على كلّ حالٍ. ويرى أنّ أحكام الحلال والحرام هي التي يجب أن تسود فوق القوانين وأن تكون الحكم الأعلى في تقنينها، وهو ما يوافق الشرع كلية. كذلك فإن حازماً يرى ضرورة تحرّر القرار المصري خاصة، والعربيّ عامة، من تبعية الغرب، وأن هذا ضروريّ لإحداث النهضة المطلوبة. كما أن له آراء في الحركة الإقتصادية المصرية والسياحة وغيرها من مصادر الدخل ما يجعل نظرته جديرة بالتأمل والإستيعاب. ذلك بجانب ما في شخصيته من قوة في الحق، وشهامة تجعله يقف مه من خانوه من الإخوان، إن تعرضوا لمحنة أو هجومٍ من العلمانية الكافرة.
لكن المشكلة هنا أنّ حازمَ يفتقد القدرة على رؤية الوسائل التي تحقق هذه الأهداف السّامية الصحيحة التوجه، ولا يصدر في تحركاته عن تصورٍ حركيّ صائبٍ مبنيٍ على تصور عقديّ سليم. فإن نشأته في أحضان الإخوان، وفي بيتٍ، على ما تميز من العلم والتدين، يؤمن بالبرلمانية والوسائل الديموقراطية، والطرق الإنتخابية في تناول المشكلات الإسلامية العويصة. وقد ساعد على هذا التوجه عقليته القانونية التي تجعل صاحبها يفكّر في إطار المتاح القانونيّ، ولا يخرج من صندوق القوانين إلا لماماً. وهو يذكرني في هذا بالمستشار طارق البشري، الذي، على فضله وتدينه، قد أخطأ أخطاءً فاحشة قاتلة نتيجة هذه العقلية القانونية.
هذا هو الشيخ حازم، يمضي في سبيل تأسيس حزبٍ جديدٍ، أحسبه حزب الأمة، أو ما شابه من تلك الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، يواصل الإعلان عنه دون أن يظهر له أثر في الواقع. وهو حزب سيضاف إلى قائمة الأحزاب الإسلامية الآخرى، كالنور والوطن والأصالة والتنمية ..الخ. ولا يدرك الشيخ حازم أنّ الأمة لا تحتاج إلى حزبٍ جديدٍ، بل تحتاج إلى حركة جديدة، خارجة عن إطار القانون وضوابط الأحزاب، تسرى في الناس، وتبنى وعياً، وفهماً، ثم إنتماءً وحباً، ثم حركة وتصميماً، يدفع إلى فرض الحلّ الإسلاميّ الشامل الصحيح، كما فرضت ثورة 25 يناير التغيير بالخروج على الأطر القانونية والحزبية.
المشكلة إذن، مع الشيخ حازم، ليست في تصور الأهداف، بل في تبني الوسائل الصحيحة لتحقيقها. لم يدرك الشيخ حازم أنّ المسألو الإسلامية لها أبعاد أعمق من أن يتناولها المصلحون بالطرق التي قد سَنتها أصلاً القوى العلمانية الملحدة غرباً، وتبنتها قوى الإلحاد العربيّ شرقاً. وهذه الإشكالية ناتجة عن طبيعة الحلّ الإسلاميّ، الذي لا يمكن أنْ يُدرك إلا من خلال السنن التي سنها الله سبحانه لإدراكه، والتي تتوافق مع العقيدة نفسها، إذ هذه الوسائل جزء من التصور العقديّ ذاته، تماما كالمقاصد والأهداف.
من هنا، نرى التخبط واضحاً في تصرفات حازم. فهو يصرح أنه جزء من نسيج الإخوان، وأنهم لحمه ودمه! وأنه تربى على أيديهم ومناهجهم. ثم إذا عم يخونوه، ويتبرؤوا منه ويتخلون عنه في أزمة الرئاسة، وجنسية والدته. وإذا هم يتخذون منه موقفاً شبه عدائيّ، في تحركاته وأحاديثه. وإذا هو يستغرب وينقد نقداً خفيفاً رقيقاً، ويلعق جراحه التي أصابوه بها، دون أن يحاول أن يفهم لمَ! لمَ هذا الموقف العجيب من الإخوان؟ وهو في هذا يذكّرني بأخي الحبيب الشيخ وجدى غنيم، الذي يترفق بالإخوان رفقاً أحسبه يتجاوز حدّ المطلوب الشرعيّ، بارك الله في عمره. وأحسب أنّ المشكلة عند كلٍ من وجدى وحازم، أنهما يحكمان على التصرفات الإخوانية على أنها مفردات منفصلة من أخطاء في العمل أو التقدير، بينما هي، بالنسبة لي، انحرافٌ في منهج التصور ابتداءً، نشأ عنه تصور ديني بدعي منحرف، نتجت عنه هذه التفاصيل المختلة. والفرق بين تصوّرنا هذا وتصور أخويّ في الدعوة حازم ووجدى، جدّ كبيرٍ، ابتداءً وانتهاءً.
لا يدرك الشيخ حازم أنّ الوسائل الخاطئة لن تصل به إلى نتيجة صحيحة، وأنّ ما سنَّته الطرق الديموقراطية، حتى وإن كانت بإشرافٍ إخوانيّ شبه إسلاميّ، لن يحقق له، ولا للأمة، ما يبغى.
إن الأمر هو أمر التأثير في البيئة المصرية، في الشارع المصري، ليدرك المصريون أنّ ما تغير في طرق الحكم، وفي نوعية الحكام، لم يبدل من طبيعة النظام الديموقراطيّ المبنيّ على سيطرة الغالبية، وهو ما لا يرضاه الله سبحانه، أن يكون له شريك، إن أرادت الأغلبية، كما في حديث مسلم أبي هريرة، حاكيا عن الله سبحانه "أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيرى تركته وشركه".
وهذا الذي نقرر هنا ليس فقط بناءً على معطياتٍ العقيدة وحدها، وإن كانت كافية للمسلم، ولكنه بناء على استقراء الواقع والبَصَرَ بالمصالح والمفاسد، فإنّ الحرام، ما حرّمه الله، ليس فيه فائدة عند النظر والتحقيق، ولا يمكن عن طريقه إدراك أية فائدة وإن ظنّ العقل المجرد أنه وسيلة ناجعة، وأن سلوكَه سيحقق نفعاً.
أخشى أن أقرر في نهاية هذا المقال أن الشيخ حازم لا يحمل مفتاح الحلّ الإسلاميّ، بل هو ترس من التروس التي قد تفيد، مستقبلاَ، في دفعِ عجلة الحركة تجاه هذا الحلّ، وأن يكون عوناً لمن سيحمل هذا المفتاح.