د. أكرم حجازي
عدد المساهمات : 77 تاريخ التسجيل : 16/08/2011
| موضوع: تأملات في شريط العاصفة الشعبية:أشرار الثورات والأمة - 3 الثلاثاء سبتمبر 06, 2011 2:12 pm | |
|
تأملات في شريط العاصفة الشعبيةأشرار الثورات والأمة(3)د. أكرم حجازي20/6/2011 في أوقات سابقة احتاجت الأمة إلى سنين طويلة، إن لم يكن عقودا كاملة، لكي تتأكد، ليس مما بدا لها حقائق ثابتة بل، من شبهات كانت أوضح من الشمس، لكنها ما كانت لتبلغ الحقيقة، رغم وفرة المؤشرات، وحتى الأدلة والبراهين. وفي زمن الثورات، حيث توزن الدقائق بقنطار من الذهب، ثمة قدرة عجيبة ومدهشة على إحداث تمايز حتى في أخطر النوازل وأدقها وأشدها حساسية .. تمايز ثمين يساهم، من حيث لا يحتسب الأشرار أو يتمنون، في ضبط إيقاع الثورات القادمة وتجاوز مواطن الخلل فيما سبق منها!!
حتى اليوم، تبدو الثورات العربية محلية الطابع. لكن مفارقاتها باتت تفضح ما يدور في «المركز»، مثلما تفضح حقيقة نظم «الهامش». ولعل في هذا ما يفسر الاعتراض الدموي لها. فما يجري في ليبيا واليمن وسوريا، ليس سوى حروب إسرائيل و «المركز» الطاحنة، لمعاقبة الشعوب الساعية إلى الخروج عنهما .. لكن بأيد محلية، بحيث تبدو أيادي الدولة اللقيطة .. الوالغة بالدماء والأشلاء، طاهرة وعفيفة .. وأرحم على الشعوب العربية من حكامهم !!! .. حروب ما توقفت في يوما ما، لكنها، مع ثورات اليوم، أصبح رموزها وأدواتها وآلياتها، عرضة للتعرية والبغض والسخرية من كل جانب.
العجيب في المفارقات أن نجد ممن لا يمكن تصنيفهم بأقل من «أشرار الثورات والأمة» يجتهد، ويجاهر، ويعاند في تحقيق أهداف «المركز» وطموحاته، بعلم أو بجهل، وقبل الثورات وخلالها وبعدها، في الوقت الذي يتطاير فيه شرر الثورات ليصيبه وأسواقه بالفزع، ويضيء بعضا من معاناته التي قد تودي بقيمه السياسية (الحرية والديمقراطية) والاقتصادية (الرأسمالية) والأخلاقية (المساواة والعدالة) على السواء!!!
المفارقات، في إطار الصراع بين «المركز » و «الهامش »، غزيرة ومثيرة، ولا تخلو من طرافة أو غرابة تثير الدهشة، لو تأملنا بها قليلا. ونظرا لأهميتها، في سياق الثورات، سنتوقف عند إحداها، مع التأكيد على أننا سنتابع بعضها في حلقات قادمة.
علماء طغاة!!! بداية؛ فإن التقييم الموضوعي للثورات ينبغي ألا يتجاوز عن اعتبارها، بالدرجة الأولى، حصيلة لتراكمات من عقود الهيمنة الغربية، والاستبداد، والطغيان، والاحتلال الداخلي، والفشل، بشتى صوره وأشكاله. أما توصيفات «القاعدة» للحكام العرب بـ «الطغاة » و «المستبدين »، والتي كانت إلى وقت قريب محرمة الذكر، فقد غدت، مع الثورات، من المفردات الشائعة، على كل لسان، وفي الإعلام العربي والغربي نفسه!!! وهذا يعني أن خطاب «القاعدة» تجاه النظم السياسية لم يكن مجحفا بحق رموزها، حتى لو تجنبته القوى الثورية أو الجماعات الخصيمة لـ « القاعدة ». بل أن الوقائع التي تكَشَّفت، حول ماهية النظم العربية، تؤكد أن الأمر أبعد من الطغيان وأعمق من الاستبداد. وما بدا من مؤشرات ثقيلة، على قلتها حتى اللحظة، ليس سوى قمة جبل الجليد .. وما ينطبق على تونس ومصر أولى أن ينطبق على بقية النظم العربية.
فلم تكد تمضي بضعة شهور؛ حتى أعلنت وزارة العدل المصرية (5/6/2011) أن النيابة الإدارية تلقت 76609 قضايا و 17 ألف شكوى فساد. وفي ذات التاريخ أعلن د. عبد الفتاح عمر، رئيس اللجنة الوطنية التونسية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة، أن اللجنة تحقق في أكثر من تسعة آلاف ادعاء بالفساد والرشوة، منها حوالي ثمانية آلاف ملف تلقتها من المواطنين.
مثل حكام تونس ومصر، لم ينازع أحد في كونهم ولاة أمور قبل الثورات، يتمتعون بالشرعية التي تمنح الحاكم حق معاقبة كل من يخرج على سلطانه أو ينتقده. لكنهم أصبحوا، بين عشية وضحاها، «طغاة» و «مستبدين»، و «أصناما» يستحقون «القتل» و «المحاكمة الجنائية» وليس «العفو»، لقاء ما ارتكبوه من جرائم ومظالم بحق الأمة والدين!
عجبا! أوَ لم يكونوا أولى بالعقاب قبل أن تباغتهم الشعوب؟ لاسيما وأنهم ارتكبوا جرائم قتل بالجملة في أوقات سابقة، كما هو حال القذافي في مجزرة سجن أبو سليم (1996) أو الأسد في مجازر حماة (1982)؟
لو كانت الإجابة بـ «نعم» لتعارضت الفتاوى، بالتأكيد، مع أهداف «المركز» واحتياجاته !!! ولأنها كانت «لا» فقد انتسي الضحايا وذهبت دماءهم دون قصاص. أما الجماعات الخارجة على النظم فقد استحقت، بامتياز، كل مفردات الإدانة والتفسيق والضلال والخروج عن الشرع!! ووجب عليها القيام بـ «مراجعات شرعية» تنتهي باعتبار «الطاغية» ممن يحق له التمتع بصفة «ولي الأمر» الذي تجب طاعته، ويحرم الخروج عليه، سلما أم حربا. لكن ما هي القيمة الشرعية لـ«المراجعات» اليوم؟ وما هو موقف الذين عملوا على إخراجها وإجازتها؟ وبأية مشروعية تمت إجازتها؟ وكم من ولي أمر شرعي سقطت شرعيته وما زال، فوق المساءلة، وقيد التبجيل والتعظيم والتقديس، وكأنه المعصوم عن الخطأ؟
عجيب كل العجب ما يجري من قتل في اليمن، وقتل وحشي في سوريا، لا مثيل له حتى عند أشد المجرمين بطشا. لكن الأعجب هو حال الثورة الليبية التي تواجه مجرما أهوجا لا يقل عما تواجهه الثورة السورية. ومع ذلك فقد حظي «الناتو» بغطاءين سياسيين: الأول: خليجي، والثاني: من الجامعة العربية، للتدخل العسكري ضد القذافي. وصدرت فتاوى شرعية تبرر هذا التدخل لحماية الناس من خطر الإبادة على يد القذافي وكتائبه الأمنية المتوحشة. لكن حين خرجت عليه الجماعة الليبية المقاتلة اتهمت بسفك دماء الأبرياء، واستدعيت من داخل السجون للتراجع عن أفكارها المتطرفة وغير الشرعية!!! وذات الأمر حصل في مصر وموريتانيا.
بالتأكيد لا يمكننا، وليس من شيمنا وقناعتنا وشريعتنا، أن ننتصر للطغيان والاستبداد. لكن يبقى السؤال مطروحا في إطار المفارقات التي أنتجتها الثورات الشعبية: كيف يكون خروج جماعة إسلامية على طاغية حراما وآثما بحق ولي الأمر، وباطلا شرعا، بينما «خروج الناتو» عليه حلالا يستحق أن يحظى بكل الشرعية اللازمة؟ فأيهما أولى بشرعية التدخل: الجماعة الإسلامية المقاتلة أم « الناتو »؟
«ثوار بغاة»!!! أميز ما في الثورة الليبية الحضور الديني البيِّن في الناس كما في الثوار. فلا تكاد تخلو تغطية إعلامية من صيحات التكبير، أو قارئي القرآن أو المناجين ربهم بالدعاء تضرعا إليه، أن يخلصهم من طاغية، لا مبدأ له، ولا عقيدة، ولا منطق يردعه عن الظلم والقتل. غير أن للمجلس الانتقالي رأيا آخر في الجهاد ومحاربة الغزاة والطغاة .. رأي يساوي بين «إرهاب طالبان»، الحليفة لـ «القاعدة»، و «إرهاب القذافي» المعادي لهما وللمجلس!!!
فقد جاء في بيانه الصادر في بنغازي بتاريخ 30/3/2011 «بشأن مكافحة الإرهاب»، ما يلي:
• «التزامه التام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتصلة بمكافحة الإرهاب بما في ذلك القرارات المتعلقة بلجنة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة وطالبان وذلك مع الالتزام الكامل بجميع التدابير والجزاءات المتعلقة بأي فرد أو كيان مرتبط بتنظيم القاعدة وحركة طالبان حسبما تحدده اللجنة»؛
• «يلتزم بتنفيذ كافة القرارات الصادرة عن الجمعية العامة المتعلقة بجميع التدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي بما في ذلك التدابير المحددة في إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب والعمل مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية على تنفيذ الإستراتيجية بطريقة متكاملة والانتهاء من الإعداد للاتفاقية الشاملة للقضاء على الإرهاب»؛
• «يتعهد المجلس بالعمل على تعزيز الدور المهم الذي تقوم به الأمم المتحدة ولجانها وفرق عملها المعنية بمكافحة الإرهاب والتعاون الكامل معها، والانضمام والالتزام بكافة الاتفاقيات والبرتوكولات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب والعمل على المستوى التشريعي والتنفيذي على تطبيق الأحكام والتدابير الواردة فيها».
في أول انطباع يتشكل لدى المراقب، عقب قراءة هذه الفقرات، لا يخلو من الدهشة وهو يرى لغة البيان كما لو أنه صادر عن حلف «الناتو» وليس عن مجلس من المفترض أنه ثوري!!! والغريب في هذا المجلس أنه لا يتمتع إلا بصفة «المؤقت»، وهذا يعني، مبدئيا، أنه طارئ، حتى لو اعترف به العالم أجمع، فليس من اختصاصاته إلا إدارة مرحلة انتقالية، وبالتالي فهو غير مخول بإصدار بيانات تتعلق بالسياسات الليبية ما بعد القذافي. وعليه فلا شأن له بحركة «طالبان» التي ساندت الثورات العربية ولم تعاديها، فضلا عن أنها تقاتل «الناتو» وحكومة الطاغية العميل حامد كرزاي كما يقاتل هو القذافي.
فلماذا؟ وبأي منطق؟ ولأية مصلحة شرعية وحتى أخلاقية؟ يجيز المجلس لنفسه الاستعانة بقوى الطغيان العالمي للتخلص من الاستبداد بينما يعلن عداوته الصارخة ضد حق الأفغان في طرد الغزاة من بلادهم أو التخلص من العملاء والمستبدين والفاسدين؟ ولما يكون المجلس قد أعلن عداءه للدول التي ناصرت القذافي؛ فبأي حق يجيز لـ «الناتو» محاربة « طالبان»، وقتل الشعب الأفغاني؟ هل هو رد الجميل لـ «الناتو» ؟ أم هو تعبير عن رأي الثوار والشعب الليبي؟ وهل يحمل البيان ذرة أخلاقية تجاه القتل اليومي الذي تمارسه طائرات «الناتو» بحق المدنيين والأطفال؟ وأخيرا: ما هو رد المجلس الانتقالي على قرار الأمم المتحدة الأخير، القاضي، بحسب النص، بالتمييز ما بين «طالبان» كحركة «تحرر وطني» و «القاعدة» كـ « تيار عالمي»؟
لا ريب أن علامات الاستفهام حول هوية المجلس وتركيبته وسياساته وتحالفاته مع الغرب لم تعد موضع تساؤل، خاصة مع حلول جيوش الاستخبارات الأجنبية على الشرق الليبي منذ الأيام الأولى للثورة. ورغم أن المجلس نفى، بلسان ناطقه الرسمي عبد الحفيظ غوقة، أن يكون قد أرسل رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تتعلق بتعهد المجلس إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وليبيا، إلا أن النفي لا يكفي لتكذيب ما صرح به الكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي، اليهودي الأصل، والصهيوني الفصل، خاصة وأنه كان شريكا فاعلا في غرف العمليات والاجتماعات، منذ الأيام الأولى للثورة، وليس مناصرا، وهو ما لا يستطيع المجلس نفيه.
الطريف في الأمر، أن ما يخفيه المجلس أو ينفيه يكشفه المجلس نفسه والحلفاء. فبعد مضي قرابة الشهرين على اندلاع الثورة الليبية؛ وبعد بيان المجلس بشأن طالبان، أدلى وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني لصحيفة «لا ستامبا – 9/4/2011 » الإيطالية بتصريحات ذات دلالة بالغة عن هوية المجلس الانتقالي قال فيها: «ما أدهشني في ممثلي هذا المجلس هو العلمانية المميزة» .. لذا: «لن تكون هناك خلافة ... » فقد: «قمنا برصد دقيق جداً» في ليبيا، و«في أول حديث، أوضح لي رئيس المجلس الانتقالي في بنغازي، أنهم كانوا يستأصلون كل محاولة ارتباط مع التطرف الإسلامي».
هذا الاستئصال بدا جليا في 15/6/2011 حين اتخذت دائرة الأوقاف التابعة للمجلس الانتقالي في بنغازي قرارا يقضي بمنع الشيخ ونيس المبروك، من الخطابة في ساحة التغيير في بنغازي. أما قرار المنع فيأتي، بحسب تصريحات الشيخ لقناة الجزيرة، ردا على انتقاده في خطبة الجمعة (3/6) «رفع العلم الأمريكي في الساحة، وتذكيره باحتلال المسجد الأقصى»، مشيرا إلى أن دعم أمريكا لثوار ليبيا: «لا يعني أن ننسى ما تفعله بإخواننا .. وكلما نظرت لهذا العلم تذكرت المسلمين في غوانتانامو وأفغانستان».
هذه التصريحات ليست اتهامات للمجلس أو افتراءات عليه، بقدر ما هي أقواله وأفعاله التي عبرت عنها حتى غرف الثورة الليبية على برامج الدردشة الصوتية، والتي كان أغلب مشرفيها يتميزون غيظا وهم يطردون أو يصرخون بوجه كل من يأتي على ذكر الجهاد أو الإسلام بالقول: «هذه غرفة ضد الخلافة .. ضد الجهاد » !!! نزعة عدائية بارزة لكل ما يمت للإسلام بصلة .. بل هي نزعة « شريرة »، تسترخص كل ثمن، مهما بلغت قدسيته ومحاذيره، مقابل التخلص من طاغية مستبد.
تصريحات المجلس وأفعاله، بحق الإسلام والمسلمين، لا يمكن أن تعكس، بأي حال من الأحوال، شريعة الثوار وطموحاتهم. فمن أي شريعة هي إذن؟ هل هي من شريعة الله؟ أم من شريعة القذافي؟ أم هي شريعة « المركز» وما يهواه؟ وهل في هذا ما يطمئن الشعب الليبي وتقرّ به أعين الأمة؟
الحلقة القادمة: « إسرائيليو الثورات»**************************
الحلقة الأولى: القاعدة ومدنية الثوراتالحلقة الثانية: صراع « المركز» و « الهامش» نشر بتاريخ 20-06-2011 http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-305.htm | |
|