د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: أهي مُشكلةُ السّلف .. أم المُتسَمِّين بإسمهم؟ السبت أكتوبر 01, 2011 10:36 pm | |
| أهي مُشكلةُ السّلف .. أم المُتسَمِّين بإسمهم؟
د. طارق عبد الحليم الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم
لا ينقضى عجبى مما أراه في أيامنا هذه، من غفلة من نسميهم "الإسلاميون"، وضعف تصوّراتهم وتحليلاتهم، بل وعِمالة بعضهم للأمن، ومن فهمِ العلمانيين للحقائق على الأرض، ومن إخلاصِهم لدينهم وعدم مُراآتهم فيه.
بثينة كامل، الإعلامية العلمانية المَعروفة، قد صَرّحت اليوم "أن الثورة الحقيقية قادمة، وستكون بالدم"، حسب صحيفة الدستور. بينما يصرح عبد المنعم الشحاذ أن "السلفيين" لن يخرجوا في أي تظاهرة، أيا كانت، لمنع التثوير(!).
الفارق بين الفهمين عميقٌ ومُخيف. عبد المنعم الشحات، يشحذ رضا الأمن والعسكر، ويُمهد لإستلابهم الثورة، ومدّ حكمهم، وتأليه مشيرهم، ويكتفي بالرفض والشَجب. وبثينة تعلن ما سَيكون، وما يجب أن يكون، موافقة للشيخ حازم أبو اسماعيل في رؤياه. ألا يخجل الشحات من أن تفوقه إمرأة، علمانية، فهماً وجرأة في الحق؟
لا أدرى ما الذي في تراثنا السلفيّ ما يجعل هذا العدد الغفير ينحرف هذا الإنحراف العقديّ والخُلقيّ؟ تراثنا كله، قرآننا كله، حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم كله، سيرته صلى الله عليه وسلم، وسيرة صحابته رضى الله عنهم، وتابعيهم، وتابعي تابعيهم، سيرة أئمة السنة كأحمد والعز وبن تيمية وبن القيم، وغيرهم كثير، واضحٌ صَريحٌ، ينصر الحرية، والكرامة، ويمنع العدوان والتعدى ويقف في وجه الإستعباد والإستبداد، ولا يقبل الظلم ولا يرضاه، ويأبي الخنوع والخضوع والهوان والذلة. فماذا الذى رآه هؤلاء، الذين استولوا على كلمة السلفية فشوّهوها ولوّثوا معناها، وأخرجوها عن حقيقتها، ماذا رأوا في هذا التراث العظيم ما أدّاهم إلى هذه الغفلة المُردية، التي تأخذ مداها مع بعضهم، ومن بعض قياداتهم، أن تصلَ إلى حدّ الولاء والتعاون مع يرونهم هم أنفسهم كفرة بشرع الله، ضد أولياء الله والمدافعين عن الشريعة؟
ما الذي يجعل العلمانيين يعلمون ما تنطوى عليه تصرّفات العسكر، وما مَقصدهم، وما يجرّون البلاد اليه، فيتحدثون وكأنهم مسلمون، فهماً وإدراكاً، بينما يتحدث أدعياء السلفية وكأنهم علمانيون خونة؟
العيبُ ليس في تراثنا، بل تراثنا هو الأعلى والأفضل والأمثل. العيبُ، كل العيب، في هذه الطبقة من أدعياءِ العلم، الذين لمّا قعدت بهم هممهم عن السعي والسير في الأرض لطلب الرزق، طلبوا الدين ليكون لهم به مَكانة وإمامة. أخطئوا الغاية، فرَدّ الله عليهم الوسيلة، فإنحرف فهمهم وخابت وجهتهم، حتى قال أحد مُقدَميهم أنّ الإستعباد أفضل من الفوضى...(!) كذباً وإفتراءاً على الله.
ليس من السلفية، ولا من دين الله، هذا الجبن والتخاذل ومناصرة البغي والطغيان، والوقوف في صفّ أعداء الله والشرع، تحت أي زعمٍ، ولأي سبب، وبأي تأويلٍ.
لا يجب والله أن يَترُك أهل السنة إسم "السّلفية" نهباً لأمثال هؤلاء الأدعياء. بل يجبُ أن يُحرّروا هذا المُصْطلح الشريف، الذي يَنسِب حاملُه نفسَه لأفضل أجيال الأرض على مر الزمان، يحرّرونه أكاديمياً وواقعياً، إذ من العار أن يتخذ أعداء الدين من موقف هؤلاء الأدعياء حُجّة للإستهزاء بالسّلفية ورميها بالعِمالة والغباء معاً، وبل ورمي الإسلام نفسه بالتخلف عن تحقيق مطلب الحرية والكرامة الإنسانية.
ولا أتحدث عن الجماعة الإسلامية، فقد ابتدع هؤلاء مرتين، مرة بالإفراط، حين نزعوا لجهادٍ في غير موضعه ولا وقته، ومرة بالتفريط حين تخلفوا عن الجهاد في موضعه وفي وقته. وصَدق سلفنا الصالح (الحقيقيّ): ما خرج صاحب بدعة منها إلا وقع في شر منها، وهو معنى أن ليست له توبة، وقال بن عيينة "كلّ صاحب بدعة ذليل"، وليس بعد هذا النكوصُ من ذلة.
وليعلم القارئ قدر خطل هؤلاء وخلطهم العجيب، وضعف فهمهم للتراث النبويّ السنيّ، نستشهد بنقلهم من قول بن تيمية في منهاج السنة ج5، قال رحمه الله:
"وبالجُملة؛ العادة المعروفة أن الخروج على ولاة الأمور يكون لطلب ما في أيديهم من المال والإمارة وهذا قتال على الدنيا، ولهذا قال أبو برزة الأسلمي عن فتنة ابن الزبير وفتنة القراء مع الحجاج وفتنة مروان بالشام: (هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء إنما يقاتلون على الدنيا وأما أهل البدع كالخوارج فهم يريدون إفساد دين الناس فقتالهم قتال على الدين). والمَقصود بقتالِهم أن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ونهى عن ذلك. والمقصود بقتالهم أن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ونهى عن ذلك". وهو استشهاد باطلٌ يحمل دليل بطلانه في طياته، كما هي عادة استلالات أهل البدعة. فإن الحثّ على قتال الخوارج قد جاء بغرض القتال على الدين، وقتال الأمراء الظلمة يكون على الدنيا وطلب المال والجاه، ونسأل هؤلاء: وماذا عن مواجهة المجلس العسكري، أهي للدين أم للدنيا؟ أالخوارج أبعد عن الدين من مبارك وحكمه والمجلس العسكريّ؟ لقد إختلف الناس في حكم تكفير الخوارج، لكن هل يختلف أحدٌ في حكم تكفير من يعاند شريعة الله ويُصر على تحكيم غير شريعته، ويحارب ويقتل من يدعو إلى ذلك؟
لقد رأينا أقوال عددٍ من مشايخ السلفية كالشيخ سعيد عبد العظيم والشيخ محمد عبد المقصود، يتحدّثون عن كفر من لم يحكم بما أنزل الله، أي الطائفة التى لا تحكم بما أنزل الله، التي يسميها بن تيمية بالطائفة الممتنعة، فكيف لا يسوّون بينها وبين طائفة الخوارج في وجوب قتالها، يعنى قتالها على الدين، ودع عنك تكفير أعيانها؟ بل كيف لا يرون حتى الخروج عليها "سلمياً" بالتظاهر، بدعوى أنّ بعض المتظاهرين خرج عن السلمية؟ وهؤلاء يعلمون أن الخارج عن السلمية هم إما الشرطة وإما البلطجية المأجورين من الشرطة.
ولو أردنا إحسان الظن، وأن نجد مخرجاً لهؤلاء، أو تخريجاً لقولهم، قلنا إنه يمكن أن يكون مقصوداً بهذا التخلف أنْ يدرك العسكريّ أنّ الإسلاميين هم من بيدهِم فَصل الخِطاب في المسألة الوطنية، وأن هذه التظاهرات وإن كان لها زخمٌ ملحوظ، إلا إنه لا يصل إلى درجة التهديد الفاصل دون هذه القوى. هذا افضل ما يمكن أن يقال، إحساناً بالظن بتخلف هؤلاء. إلا إن هذا لا مبرر فيه، بل هو مرة أخرى سذاجة متناهية في قراءة الواقع، إذ إلى متى ينتظرون إذن بعدما فعل العسكري كل ما يمكن أن يفعل تنكيلاً بالثورة، ونصرة للفساد؟ وهل يعتقد هؤلاء أن هذه الرِسالة للعَسكريّ ستُثنيه عن عزمه في سرقة الثورة؟ وهل سيمد العسكريّ يد التعاون لهؤلاء السذج الغافلين؟ هذا والله، إن كان، عذرٌ أقبح من ذنب.
أُشهد الله على إنحراف هؤلاء، وعلى مفارقتنى لما يعتقدون في هذه المسألة، قولاً وعملاً، عقيدة وحركة، وأنهم بهذا - رضوا أم لم يرضوا، علموا أم لم يعلموا - موالون لأهل الطغيان، مُعينون عليه وعلى استمرار تنحية شريعة الله، جُبناً من المواجهة وخوفاً من السلطة، إلا من تبرّأ منهم من ذلك التوجه.
30 سبتمبر 2011 | |
|
خالد
عدد المساهمات : 31 تاريخ التسجيل : 28/03/2011
| موضوع: رد: أهي مُشكلةُ السّلف .. أم المُتسَمِّين بإسمهم؟ السبت أكتوبر 01, 2011 10:46 pm | |
| قال ابن تيمية رحمه الله: (ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسـوله؛ كان مرتدا كافرا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة) [مجموع الفتاوي].
| |
|