د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: آمنا وانتخبنا .. فماذا بعد الإنتخابات؟ الثلاثاء ديسمبر 13, 2011 9:25 pm | |
| د. طارق عبد الحليم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
تحت ضغط الوضع الراهن الحاضر، وحتى لا نُتهم بإغفال الأمر الواقع، والحياة في وهم حالم، دعنا نقول، فليكن إذن ما رآه الإخوان، ومن ورائهم السلفيون، ثم تمت الإنتخابات، وحاز هؤلاء النفر الأغلبية، ثم ماذأ بعد؟ ماذا نتوقع في حلبة السياسة المصرية؟ وما يفصل بيننا وبين نهاية هذه الإنتخابات إلا أسابيع تُعد على أصابع اليد، فكان حقاً علينا، ولنا، أن نعرف ماذا يراد بنا، وماذا يرسم من بيدهم الأمر، سياسيون أو عسكر، لمستقبل أمتنا.
ولا نحسب أن أحداً يستطيع أن يقدم إجابة شافية عن هذا السؤال، بما في ذلك أطرافه المتنازعة. فقد تُركت العديدٌ من مؤثراته الفاعلة دون تحديد أو توضيح، بضَبابية قاتمة، عَمداً، كأنها تركت للزمن يُعمل عمله، فيَخرُج الفائز والخاسر تبع قانون الحظّ ومَسالك العبث!
وحتى نستطيع رؤية الواقع الذي استقر، إلى حدٍ ما، على أرضية الحلبة السياسية المصرية، فإننا نقرر أن هذا الوضع السياسي المصرىّ قد تلخص بعد عشرة أشهرٍ من الثورة في طائفتين متمايزتين. طائفة هي المجلس العسكريّ، الذي يمثل قوة مسلحة، بلا صلاحية سياسية أو شرعية شعبية. وأحزاب الأغلبية، كما تبلوَرت بعد المرحلة الأولى، والتي لها صفة سياسية وشرعية شعبية، لكن بلا قوة حقيقية على الأرض، تحمى هذه الشرعية، أو "قوة بلا سياسة، وسياسة بلا قوة".
الطرف الأول، المجلس العسكريّ، صاحب القوة المسلحة، وقد عرف القاصي والداني أنه قد اغتصب السلطة غصباً، وراح يدعى أن الشعب قد أوكل له هذه السلطة، كذباً وبهتاناً. ثم إذا به يسعى لتكريس هذه السلطة بكل وسيلة ممكنة، سواءاً بالألاعيب السياسية المكشوفة كالحِوارات الوَطنية والوثائق الجَملية السِّلمية، والمَجالس الإستشارية، أو بقتل المُتظاهرين وإعتقال النَاشطين، وإرهاب الفتيات، كما عرفنا، بذاك الطريق المشين. وقد صرّح متحدثوه بأنهم لن يتركوا السلطة، وأنّ ممثلي الشعب لا يمثلون الشعب، وأنه يجب أن يَفرِض عليهم هؤلاء لجنة، وأن تفرض اللجنة دستوراً، يناسب العسكر وأغراضهم وتحالفاتهم السرية مع الصليبيين وبنى صهيون، ويكفل لهم تلك الثروة الهائلة من مصر يقتطعونها من أقوات أبنائها الأشقياء الكادحين، دون ضمير أو دين.
والطرف الثاني، التيارات الإسلامية، صاحبة الأغلبية الشعبية، كما ظهرت في نتائج الجولة الأولى، قد أظهرت ماذا تعنى بالسياسة، وحدّدت كيفية التعامل مع العَسكر، سلفاً، قبل أن تتسَلم السلطة فعلاً. فقد أفصحت هذه التيارات عن سبيلها سواءاً في مواجهة محاولات العسكر للإستيلاء الدائم على السلطة، أو في مناصرة القضايا الواقعة من ظلم وقهرٍ وتعدٍ، كقضايا قتل الثوار، وإعتقال النشطاء. وكان ما أفصحت عنه هذه التيارات أبعد ما يكون عن السمت الإسلاميّ من ناحية، أو السمت الإنسانيّ الكريم الشريف من ناحية أخرى. فقد تبنت هذه القوى سياسة الصمت خشيةً، والتظاهر بالصبر حكمةً. لكن الأمر سينتهى بهم، عمّا قريب إلى أن يجلسوا على مقاعد البرلمان، ممثلين للشعب الذي يُقتل ثواره، ويُعتقل نشطاؤه، وتُهان فتياته، وتُهضم حقوقه، وتُبتلع ثرواته، بيد العسكر قبل غيرهم. سيكون عليهم أن يجيبوا أسئلة ناخبيهم، ماذا فعلتم، ولماذا تنازلتم عما تنازلتم؟ ستسألهم أم الشهيد أين القصاص لدمِ ولدى؟ وسيسألهم الأب المقهور لماذا يكشفون عورة ابنتى؟ وسيسألهم الكلّ أين أموالنا المنهوبة، وستسألهم أبناء التيارات التي يمثلونها خاصة أين الإسلام الذي زعمتم أنكم سَاعون اليه، ونحن نرى الخنا والفاحشة في تلفازنا، ونرى العرى في شوارعنا وعَملنا، ونرى الخمارات يرخّص لها، وكأنها مما رَخّص الشارع؟
ما لم ينتبه اليه الطرف الأول، العسكر، هو أن الشعب ليس بغافلٍ عما يفعلون، وأنه يستهزؤ بمتحدثيهم ليلاً ونهاراً، وأنهم لا يقدّرون غضبته حق قدرها، فقد أعماهم الله كما أعمى القذافي وبشار ومبارك، أن يروا حتفهم قريب، إما بيد الشعب أو بيد الشرفاء من أبناء الجيش.
وما لم ينتبه اليه الطرف الثاني أن الشعب الذي رفعهم إلى كراسي البرلمان قادر أن يُجليهم عنها، وأنّ العبرة بالصدق في الوعد والقوة في الحق والكرامة في التصرف. الأمر أنّ الإسلام، كنّا نعرفه، لا كما يقدمه الإخوان في طَبعته الأمريكية، هو الشرف والكرامة، والصدق والإستقامة. الإسلام الذي يريد أن يُروّض الإخوان الشعبَ عليه هو طبعةٌ بِدعية توافقية من الإسلام، تريد أن تخلِط الحلال بالحرام، وتُغير المندوب مكروهاً، والمكروه حلالاً، وتجعل الحَرام مندوباً، وهلمّ جرا. فإذا الإسلام ليس ما نعرف. لكن الشعب المصريّ قد عرف عنه عدم قبول البدع جملة، وهو ما رأيناه في مقاومتهم للدولة العبيدية الرافضية. ثم إنه لن يكون هناك توافق بينهم وبين السلفيين إن التزم السلفيون بمناهجهم العقدية، وسيدخلون مع الإخوان في صراعات سياسية، حيث سيتحالف الإخوان مع العلمانيين ضدهم، إذ العلمانية أقرب للفكر الإخوانيّ من الفكر السلفي بلا جدال، كما أنّ هؤلاء يحسبونها بالسياسة لا بمبادئ الشرع، كما رأينا في كل تصرفاتهم، لا أغلبها.
سيصمم العسكر على وضع الدستور، أو تعيين من يضعه لهم، وسيجد النواب البرلمانيين أنفسهم أمام خيارٍ من اثنين، إما القبول بدستورٍ علمانيّ الهوية، تُقحم فيه المادة الثانية تمويها، وبأن تكون هناك دولة موازية للدولة، يَحكُمها القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا تَخضَع في رقابة أو ميزانية للبرلمان الشعبيّ، وتتحكم، في 40% من الإقتصاد المصري، ولا ندرى ما سيؤول اليه أمر وزارة الدفاع، التي يرأسها، في كل دول العالم، وزيرٌ يخضع لرئيس الوزراء! أو أن لا يقبلوا بذلك. وفي حالة عدم القبول، يكون أمامهم خياران لا ثالث لهما، إما الرجوع إلى الشعب، بدعوته للخروج إلى الشوارع مرة أخرى، وإما أن يرفضوا أي قرار من العسكريّ أو مجلسه الإستشاريّ، ويوقفوا الحالة التشريعية في البلاد، وهو ما سيؤدى إلى أن يصل بالعسكر إلى قدرٍ محتومٍ وهو أن يحلوا البرلمان، وأن يفرضوا الأحكام العرفية، التي هي مفروضة بالفعل بحسب حالة الطوارئ، ويوقفوا العملية السياسية بالكامل، ويَحكُموا البلد حتى إشعارٌ آخر. وهنا تعود الكُرَة إلى يَد السياسيين، إما أن يعودوا إلى الشعب فيخرجوا إلى الشوارع، أو أن يفضّلوا الإبقاء على البرلمان في حالته المزرية الفاضحة، ويقبلوا بميِّزاتهم الوظيفية بديلاً عن كرامتهم الشّخصية.
ليس هناك أيّ تَصوّرٍ يمكن أن يكون إلا هذا التَسلسل للأحَداث، يتبع بَعضها بعضاً. ونرى منها أن الشعب سيكون الحَكَم الأخير في هذه المعادلات المُعقدة، وأنّ من دعا إلى الخروج إلى الشوارع ابتداءاً ككاتب هذه السطور وكالشيخ حازم أبو اسماعيل، إنما رأى ذلك التوالى من الأحداث واقعاً لا مفرّ منه، فآثر اختصار الفترة التلاعبية، التي يسمونها الإنتقالية، والإنتهاء من المسألة بأسرع وقت، إذ لابدّ مما ليس منه بُدّ.
المجلس العسكري هو من سيأخذ المسألة لهذه النهاية، وسيرسم حتفه بيده، كما يفعل كلّ طاغية مُتجبر. لكنّ الشعب هو من سيضع هذه النهاية إن شاء الله، وساعتها سيخسر البرلمانيون شعبيتهم، إن انحازوا إلى مصالحهم الشخصية أو الفئوية المحدودة بحدود جماعاتهم. | |
|