د. طارق عبد الحليم
عدد المساهمات : 197 تاريخ التسجيل : 31/08/2011
| موضوع: مجلس العسكر ومكتب الإرشاد .. يد واحدة! الأربعاء فبراير 01, 2012 9:26 pm | |
| د. طارق عبد الحليم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الواضح أن مكتب الإرشاد قد سقطت شرعيته، وزالت هيبته، واهينت كرامته، بعد أن قرر شيوخه أن يضربوا بطلبات الشعب عرض الحائط، وآثروا أن يحفظوا عهدهم للعسكر، وأن يخونوا عهد من أتي بهم إلى سدة الحكم.
لقد أخطأ هذا المجلس خطأ تاريخياً، حين خلط بين أن الشعب انتخب ممثليه للبرلمان، وبين أن الشعب قد اختارهم للقيام بأعمال محددة، هي استلام السلطة، وانتخاب رئيس إسلاميّ، كما انتخب ممثليهم تحت وهم أنهم إسلاميون، وما يتبع ذلك من محاكمة المخلوع وفلوله محاكمة صحيحة بدلا من التهريج الذي يجرى على يد أحمد رفعت، والقبض على قتلة الثوار ومحاكمتهم، وكتابة دستورٍ يمثل هوية الشعب الإسلامية، التي ظهرت في انتخاب "الإسلاميين"، قبل أن يكشفوا عن وجههم الحقيقيّ.
كانت هذه المَطالب على رأس القائمة التي يريد الشعب أن يرى مجلسه، الذي انتخبه، أن يقوم بها بلا تباطئ أو تواطئ. ثم يأتي بعدها الإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية وغيرها، إذ هذه الخطوات، تعنى بالنسبة للشعب تغيير إتجاه الدولة بالكامل، وإخراجها من تحت سيطرة العسكر الخونة.
لكن، ماذا حدث؟ انقلب مجلس الإرشاد، من ظاهر أنه ضحية للنظام، إلى وليّ للعسكر، خدام النظام، وتابع خطوات نظام مبارك، وكأنه يستلهمه ما يقول وما يفعل. فقد أعطى هيئة الحزب الذي يمثله تعليمات، وأعطى أبناء الجماعة، المغيبين عن واقع أهداف قادتهم، تعليمات تتلخص في أن يتعاون هذان الجناحان مع العسكر، فيتنازلوا عن حقهم في تكوين حكومة جديدة، رغم أنّ ذلك حقّ ثابت لأي برلمانٍ جديد. ثم، أن تعطى مؤشراتٍ أنّ الجيش لابد ان يتمتع بميزات خاصة في الدستور، وأنّ الدستور برمته سيكون مائلاً إلى الأيديولوجية العلمانية التي لا تسمح إلا لإسلامٍ صوريّ، ترضى عنه اليهود والنصارى. هذا إلى جانب إغفال الحديث عن محاكمات مبارك. بل وتجاوز الأمر إلى أن صرحّ رئيس الحزب برفض تسلم السلطة من الجيش، وتصريح مرشدهم بأنهم لن يدعموا أي مرشح له توجه إسلاميّ! وكان هذا التصريح الأخير هو القشة التي قصمت ظهر البَعير، رغم أن البعير كان قد برك منذ عقودٍ، دون أن يدرى حاديه!
ومما يجب أن يؤخذ في الإعتبار، أننا حين نتحدث عن هذه المواقف التي يتخذها مكتب الإرشاد، فإننا لا نقصد أعيانها، بل نقصد إلى دلالتها على ما وراءها من أيديولوجية، أو بدعة، بالتعبير الشرعيّ. فهؤلاء لا يتورعون عن أيّ فعلٍ أو قولٍ أو صفقة تضمن لهم التربع على كراسي البرلمان ولجانه، سواءً كان ذلك موافقاً للسنة أو مخالفاً لها، كأن فعلهم هو السنة، لا أنه يحب أن يتبعها! وهذا القول لا مبالغة فيه، أُشهد الله على ذلك. الأمر هنا إذا ليس أمر قرارات فردية أو تصريحات شخصيةن لكنه إتجاه عامٌ في النظر والمرجعيات. وهؤلاء يتخذون من عقولهم، التي تقبع من ورائها أهواءهم، مرجعية عليا، تتخطى كل المرجعيات. ولهذا السبب، لا تجد، على الإطلاق، تبريراً شرعياً واحداً يصدر عن أحدهم، يَدعم قولاً أو يؤصل قراراً. وما يثير الحزن أن أتباعهم من عوام الإخوان، لا يكادون يلحظون هذا الأمر، بله أن يستريبهم ويثير تساؤلاتهم. فالأتباع قد سلموا القياد تماماً لهؤلاء الجالسين بما يسمى مكتب الإرشاد، الذي يسيطر على الحزب والجماعة.
حقيقة أنّ مكتب الإرشاد قد تَبنى صَفقة "كامب سليمان" لم تعد تستدعى دليلاّ، بل قد أكّد صِحّتها كلّ تصرف قام به، وكل قولٍ صَرّح به، أيّ من قياداتهم، منذ منتصف فبراير الماضى إلى اليوم، بلا استثناء. وهو ما يجعلهم شركاء، في تقديرى في جريمة الخيانة العظمى لهذا الوطن، ومحاولتهم أن يقيموا دولة داخل الدولة، ويجندون الشباب الغافل دعامة لهذه الدولة الإخوانية، تماماً كما يحاوله القبط في مصر. بل إن التشابه بينهما من دواعي العجب والتساؤل. ولو قارنا موقف محمد بديع بموقف نظير جيد (واسمه الحركي شنودة)، لوجدنا أن نظير لم يصرح برفض دعم مرشح إسلاميّ كما فعل أخاه في العقيدة بديع (وهي أخوّة صرّح بها محمد مرسى، نائباً عن مكتب الإرشاد). وقد رأينا تميّزهم عن أبناء الشعب في مواقفهم في التحرير طوال أحداثه، وكأنهم من شعبٍ غير الشعب، وكأنهم طينة من غير طينته! وهو ذلك الإحساس بالتميز الزائف الذي يُنمّيه في نفوسهم مكتب إرشادهم، وما هو بإرشادٍ، يشهد الله، إلا كما أرشد فرعون قومه "مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ "غافر29.
كل توجّه عقديّ تتبناه هذه الجماعة، إن كان لها توجه عقديّ، وكل تصرفٍ يقوم بها مكتب إرشادهم، يدل على أنهم قد تبنّوا سياسة المحافظة على أسّ النظام السابق، وهو السيطرة العسكرية، مع تغيير الأوجُه القَائمة على ذلك، ليس إلا. إنما اسُتبدل أعضاء الإخوان بأعضاء الحزب الوطنيّ. ولا يجدى نفعاً أن نقول أنّ أعضاء الإخوان أفضل من أعضاء الحِزب الوَطنيّ، إذ الأمر يتعلق بخُطورة أن يعتمد نُواب البرلمان على دعم تجمعٍ مُعينٍ، فإننا كما نرى أن هذا قد أدى إلى انسياق البرلمان وراء قيادتهم الحقيقية التي تملى عليهم تصرفاتهم، ومن ثم، دَعم خيانة العَسكر لمِصر وشَعبها.
| |
|