لا حول ولا قوة إلا بالله لحساب من بيعَت القضية .. وأُخمِدت الثورة؟
د. طارق عبد الحليمالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحول ولا قوة إلا بالله.
ما كنت أحسب أن تنتهى قصة هذه الثورة بهذه السرعة. عامٌ واحد، انتهت فيه الثورة إلى إعادة فَرز النظام الفاسد، بتلبيسة إسلامية خادعة، وبوجوه حَسِب الناس أنّ فيها خيراً. الإخوان باعوا القضية برمتها للعَسكر. باعوا دماء الناس. باعوا دين الله وشرعه. باعوا مصر وحاضرها ومستقبلها. لقاء أن يكون الكتاتني رئيس البرلمان، يروح ويغدو كرئيس وزراء، ويزور الكويت، ليؤكد لأمراءها أن مبارك لن يمسّ، والعريان رئيس لجان، وفهيم رئيس الشورى، والشَاطر يدور في الأسواق يرتب لإمبراطورية مالية قادمة، ومن ورائهم بديع يحكم مصر مع رهطه من أصحاب الثمانينات! والسّلفيون كأنّ الطير تتخطفهم، أو كأنهم يهوون من مكان سحيق، لا يعلمون ما يفعلون! تتجاذبهم أطراف اللعبة السياسية، يتساءلون فيما بينهم، هل كنا على خطأ من قبل ثم أصبنا؟ أم كنا صائبين ونحن الآن متورطون؟ أصحّ مذهب الإخوان الذي عشنا دهراً نهاجمه؟
أنبيع ديننا جهاراً نهاراً كما فعل الإخوان، ونتولى العسكر وقطاع العلمانية، أم نتمسك ببعض ما كنا عليه؟ أيصح الخروج على العسكر، أم يجب طاعتهم؟ هم في حيرة وبلبلة ينبؤ عنها تردد قراراتهم في شأن الكثير من القضايا آخرها مرشح الرئاسة. تارة يكون أحد الثلاثة، أبو اسماعيل، وابو الفتوح والعوا، ثم تارة يتجهون وراء الإخوان للغريانيّ، ويعلم الله أين سينتهى بهم الأمر.
باع الإخوان والسلفيون كرامتهم رخيصة للعسكر، فرضوا أن يكونوا أذلاء أتباع بلا صلاحيات. ولم يعلموا أنهم يبيعون مصر كلها لوحشٍ غادر لئيم، عبث بالأمة وبكرامتها وبثروتها على مدى ستين عاماً. بل حمى الإخوان هذا الوحش الخادع من غضب الشعب، و"طيبوا خاطر" الناس، بكلمات خداعات، من عينة كلام فتحى سرور، أننا لن نفرط في حقوق مصر ولا كرامتها! ناموا عن دم مذبحة بور سعيد، وعن دماء من قُتِلوا في 25 يناير وفي محمد محمود ومبنى رئاسة الوزراء وماسبيرو، وصفقوا حين قرر المجلس تأديب العليمي. وصمتوا عن أي فعلٍ جادٍ حول مصيبة ما أسموه "أزمة التمويل"، وعن نقل مبارك، كما أمرهم العسكر. وهم يعلمون أنّ العسكر سيضربهم على "قفاهم" إن تحدثوا بكلمة، أو أصروا على موقفٍ لا يرضاه.
ياللعار وياللشنار! هل دامت كراسي البرلمان لمن قبلكم فتظنون إنها ستدوم لكم؟ أين المسلمين المخلصين في هذه الجماعات الهزيلة العميلة؟ أليس فيكم رجلٌ رشيد؟ أعلى مدى عشرات السنين عجزت هذه الجماعات أن تنتج رجلاً واحداً يعرف لله ولشرعه حقاً، وأن يتكلم عدلاً وصدقاً؟
أتربيتم كلكم على الغدر والمداهنة والعمالة وطاعة الطغاة؟ مالكم تحتارون في أمر من ترشحون للرئاسة، رغم أنّ الأمر ليس بأيديكم، ولا فائدة منه أصلاً؟ يُخلص العلمانيون لإتجاههم، بل ويضحون في سبيله، ويواجهون العسكرالظالم الغاشم المستبد، وأنتم تتماحكون وتدهنون وتراؤن.
ألا تباً لكم من دعاة إسلام، بلا إسلام. خيبكم الله، حقرتم دين الله، وأظهرتموه كأن أتباعه كلهم بهذه العمالة والخيانة. فضحتمونا أمام نوارة نجم والعليمي وأسماء وفودة وعيسى والأسواني. فوالله إنهم، كلهم، بفتياتهم، أكثر رجولة منكم أجمعين، يا أشباه الرجال ولا رجال. والله إن الصدر ليضيق، وإن القلب لينقبض، وإن العين لتدمع، لمجرد أن أتصور ما يحدث في الساحة، التي يزعمون أنها "إسلامية"، بشأن دعم مرشحٍ رئاسيّ. أهناك شكٌّ فيمن يجب أن يكون على رأس القائمة؟
أيكون العوا نصير العسكر وناصر الرافضة؟ أم يكون أبو الفتوح الإخواني الليبرالي المنبوذ من الإخوان؟ أم يكون علمانياً مسلماً، كما يريد بديع، كمنصور حسن مرشح العسكر، الرجل ذو السبعة وسبعين خريفاً، ورئيس مجلس الدّعارة التشريعية؟ أم الغرياني، أم باسم خفاجي الذي بُعث من لا شئ، وعليه غبارٌ من ماضٍ كشفنا عنه؟ أم الفريق شفيق عراب النظام؟ أم عمرو موسى، قوادُ الأنظمة الفاسدة كلها؟ أو أيّ من الأسماء التي تحصى بالعشرات من المرشحين، يعلم الله وحده من هم، ومن أين أتوا؟ يمكن أن يكون أيّ هؤلاء، لكن لا يمكن أن يكون حازم أبو اسماعيل! الوفد العلمانيّ، دعم منصور حسن، بينما لم يدعم حزب "إسلاميّ" واحد حازم أبو اسماعيل! أفي وجه هؤلاء بقية من حياء؟
الرجل هو الوحيد الذي يدعو إلى دولة إسلامية، يَحكمها شَرع الله، يا أعداء الله! ألهذا لا تريدونه على رؤوسكم؟ ألهذا الحدّ تكرَهون دين الله، وتُنافقون فيه؟ لا والله ما ترك هؤلاء لإبن سلول، ولا لإبن سبأ شيئاً. إنما هو خِداع العَامة، والضّحك على "الذقون" بالذقون! يا شباب الإسلام، فكروا فيما يحدث، فإنه أوضح من أن يُخطأه بصير أو مبصر. بيعت قضية الإسلام، لحساب التوافقية، وتمت صَفقة مع الشيطان، من وراء ظهر عباد الرحمن، لم يرد بها وجه الله. بموجب هذه الصفقة، تمّ تجميد الشعب، وتخويف بل وترويع المعارضين للحكم الفاسد الحاليّ، برئاسة العسكر، وعضوية الإخوان، أياً كانت هوية المُعترِض، مسلم كان أو علمانيّ أو قبطيّ، أو ما شئت، وتحويلهم لمَحاكم عَسكرية، بموافقة ومُباركة عملاء السّلطة في البَرلمان. تكميم الأفواه هي السياسة التي عادت إلى السطح مرة أخرى، لتضمن الحفاظ على أركان الفساد الجديد، لصالح الإخوان والعسكر. وكأننا لم نتعلم شيئاً مما حدث في يناير. فمن يجرؤ اليوم على الخروج في مظاهرات، دع عنك المليونيات، تدعو لتطهير البلاد؟
لقد خدّر الإخوان البرلمانيون الشعب، ثم "أرشفوا" (أي وضعوا في الرشيف) الملفات الحرجة، بمعنى الحرجة للعسكر، إذ هم يعرفون أن لا صلاحية لهم في أيّ قرار، وحتى لا يُغضِبوا وليّ نعمتهم. أين الثورة؟
أين الحرية؟ أين العدل الإجتماعي والقضائي؟ أين دين الله وشرعه؟ أين القضاء على المحسوبيات (الكتاتنى /فهيم!)؟
أين هيكلة الداخلية؟ أين دور أمن الدولة (الأمن الوطنيّ كما يحبون أن يطلقوا عليه)، بعد أن عاد أشدّ مما كان؟
أين وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين؟ أين حسنى مبارك اليوم، وغداً؟
أين السياسة الخارجية الفاضحة التي أدت إلى عزلنا عن مساندة ليبيا، حتى اشترطوا أن لا يكون لمصر دَخلاً في التعمير؟
كلها ضاعت، ولكن كيف ضاعت ... لست أدرى (كما قال أيليا أبو ماضى)