بقلم: د. طارق عبد الحليمالاثنين 28 مايو 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما ستؤول اليه الحال في مصر، في يونيو القادم عقب انتخابات الإعادة التزويريّة، هو بلا شك نكسة جديدة، بعد مرور 45 عاماً على النكسة الأولى، تربو في آثارها المُدمّرة على بلادنا، على آثار نكسة يونيو 67.
كانت نكسة يونيو 67 نتيجة ضربة عسكرية أدّت اليها خيانة الجيش وإنشغال قواده بمصالح شخصية ومُتع دنيوية محدودة، إلى جانب الغُشم الحاكم الذي كان متمثلاً في ديكتاتورية عبد الناصر، لكنها أولاً وأخيراً، جاءت من خارج البلاد، على يد الصهاينة والصليبيين. أما نكسة يونيو 12، فقد جاءت نتيجة خيانة داخلية، قامت بها فئات عديدة من جلدتنا، تكالبت كلها على الشعب المصري المستسلم المسكين.
أولها الجيش، وهو العامل المشترك في كلّ مصائب مصر وبلاءاتها منذ 1952، حيث دعم النظام المباركيّ الفاسد بكل وسيلة، وتآمر على سذاجة الشعب، ورسم مخططه بكل خساسة وثعلبانية، ليظل الفساد قابعاً في مواضعه في كلّ مؤسسات مصر بأكملها، وعلى رأسها مؤسسات الأمن المجرمة.
وثانيها، القوى التي وَصفت نفسها بالإسلامية، جماعة الإخوان والسلفيون، التي وضع الشّعب ثقته فيها، دون حق، فخانته خيانة تاريخية مَريرة، بالوقوف في صفّ العسكر، ومساعدته على البقاء، ووَأد الثورة في مهدها قبل القضاء على حكمهم، من أجل كراسى البرلمان، وهو أمرٌ ثابتٌ يعرفه اليوم القاصى والداني، والصغير والكبير، والعَالم والجاهل، والمُسلم والمسيحيّ. فكان تخاذل هذه القوى ومراعاتها لمصالح خاصة، فردية وجماعية، هو السَبب الأقوى، الذي سَمح للمجلس العسكري أن يستأسد على الثورة، وأن يوقع البلاد في يد الفساد مرة أخرى.
والأنكد أنّ هذه القوى، لا تزال ترى ما فعلته بخيانتها للشعب، ولا يظهر منها ما يدل على تصحيح مسارها تجاهه. ولهذا رأينا نتائج ما يسمونه بالإنتخابات الرئاسية. فلو كانت الثقة الشعبية في تلك القوى كما هي في استفتاء 19 مارس، لما فاز الخائن أحمد شفيق إلا بالقبط والصوفية وأصوات العَسكر المُزوّرة.
لو أخلصت هذه القوى للشعب، لظَلّت على ثورتها، في ميادينها، حتى ينزاح العَسكر كليّة، ولأصروا على سجن هذه القيادات العسكرية ذاتها، والإطاحة الحقيقية بالفلول، وإعدام رؤوسهم عقب محاكمات ثورية قصيرة. تلك هي طبيعة الثورات وطريقتها في التغيير، لا الإنتخابات والقوانين المَسنونة بالعسكر لصالح الفلول.
ألم يأنِ لهؤلاء الذين رَضوا بطريق الإنتخابات أن يَعوا ويستيقظوا، ويعلموا أن هذه الطرق لن تؤدى إلى نجاحٍ ولا إلى إصلاح ولا إلى فوزٍ؟ كم من مرة سنردّد ما قلنا "إن الله لا يصلح عمل المفسدين"؟ لقد ذكرنا ذلك لكل من تحدث عن هذه العملية السياسية، وعن دعم أحد المرشحين ضد آخر، حتى من المخلصين من الدعاة. قلنا لهم إنهم يعيشون في وهمٍ، يضاد سنن الله سبحانه، ويظنون أنهم قد يكسبون في غفلة منها! ولهذا قلنا: لا تنساقوا وراء هذه العمليات الفاسدة شرعاً ووضعاً. إلتزموا بتحريض المؤمنين على العودة إلى الميادين. إلى الثورة على النظام القائم الذي لم يتبدّل فيه أي شئ من نظام مبارك، وكم كنا صادقين وكم كنا مصيبين في هذا.
إن أرادت هذه القوى الإسلامية أن تعود لها مكانتها، فيجب أن تعود إلى الله، أن تعود إلى الثورة، أن تعود إلى الميادين.الإخوان خانوا الثورة في مَبدئِها وانحازوا للعَسكر من أجل البرلمان. وكما طالبنا في مقالٍ سابق، فإنه يجب حلّ جماعة الإخوان، أو على الأقل تجميد أي علاقة لها بمُنتسبيها الموجودين بالسلطة السياسية، حيث لا يمكن أن يمارس جماعة الإخوان السيطرة على السياسيين، فيكون الشعب محكوماً بجهة خارج السلطة السياسية. هذه ممارسة ليس لها مثيلٌ في الدنيا، وهي غير مقبولة شرعاً ولا وضعاً. كما يجب أن لا يكون هناك أيّة صفقاتٍ مع النظام السابق، ولا مع قيادات الجيش الخائنة التي تمثله، وإعادة الجيش لدوره الطبيعيّ، العسكري، لا التجاريّ. على هذه القوى أن تنزل إلى الشارع، وأن تُبدى القدرة على التّضحية، لا الإختباء وراء الشباب المُتَحمّس، وركوب موجة الإنتفاضات، فإن في هذا العمل خِسّة ودناءة لا تليق بمسلمٍ، بله قياديّ دعويّ. هؤلاء لا يريدون أن يتعرضوا لأيّ قدرٍ، ولو أقل القليل، من الخطر، أو الوقوف في وجه العسكر، بالقوة العددية التي منحها لهم الشعب، ولا يزال مستعدٌ لمنحهم إياها، إن أصلحوا واتقوا، ثم أصلحوا واتقوا، ثم أصلحوا وأحسنوا. وهم لا يعون أنهم سيكونون أول مُضغةٍ في فم العسكر، إن جاء الفلوليّ شفيق على رأس الدولة. ساعتها سيُحلّ البرلمان، وسيفقدوا أغلبيتهم، ويعودوا إلى الثمانية وثمانين مقعداً السابقة، ثم تفتّح لهم أبواب السجون، القديمة والجديدة، على مصراعيها. سبحان الله، وقعوا فيما فرّوا منه، بإستهتارهم بسنن الله، والركون إلى عقولهم السياسية!
الميادين تنتظركم، ولا تصدقوا من قال أنّ الحشد الإنتخابيّ سيأتي بصلاحٍ، أو سيزيل فساد. لكن، الظاهر لي، (كما يقول المثل الشائع عندنا بشأن ذيل الكلب! ولا أريد الإفصاح)، إنّ هذه الجماعات بدأت في التنازلات، وبدأت في تحرّكات يسمونها تجميع القوى الثورية والسياسية. تجميع القوى للصناديق، التي سَتزيّف مرة أخرى، بملايين البطاقات المَضروبة، للشرطة والأمن المركزيّ، وسيكتَسح شفيق مرة أخرى، ثم سيكون فوزه هذه المرة "بالقانون"، ويكون الإخوان أو غيرهم ممن لا يرضى بالنتيجة "خارجون على القانون"، ليس لهم إلا القتل والسَحل.
وساعتها سيخرج أدعياء السلفية، وعملاء مشايخها، يُهلّلون لأحمد شفيق، ولي الأمر الجديد، أيّ والله ليفعلن هذا!، وسيُدينون من يخرج عليه، بل سيُفتون بوجوب قتل محمد مرسى، عملاً بحديث رسول الله "... فاقتلوا الآخر منهما"! نعم، فهؤلاء آية في الجُنون والعَته، والأيام بيننا!
ليس أمامكم إلا الثورة، وإلا الميادين، اخرجوا اليها قبل أن تُسْحلوا فيها .. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد