بقلم: د طارق عبد الحليمالأحد 17 يونية 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا حول ولا قوة إلا بالله العَليّ العظيم. تَتَفلت الكلمات من تحت القلم وتتلعثم على طرف اللّسان، من هول ما حدث. إنهزامٌ تامٌ للشعب المصري بغالبيته الساحقة. إنهزامٌ تامٌ لجماعة الإخوان المسلمين، وتدميرٌ لكيانهم السياسيّ، وقريباً سيكون خلاصاً من كيانهم الدعوى، فتعود "المحظورة" إلى الوجود. إنهزامٌ لكلّ من تمسك بالخيارِ الديموقراطي الكافر، بعد أن ظهر أنّ العسكر يتلاعبون بالخلق، ويدفنون الحق، وهو ظاهرٌ عليهم بإذن الله يوماً. إنهزامٌ أنىّ وجهت وحيثما ذهبت.
إن النصحَ مآله إلى تهنئة، أو إلى تعزية. وللأسف، فإن نصحنا ونقدنا، بل وتجريحنا، على هذا الترتيب، لطوائف المخدوعين من الإخوان والسلفيين وسائر الساقطين في مسارهم من الجماعات الأخرى، قد آل إلى عزاءٍ عامٍ شامل.
لكن ترى هل من مدّكر؟
الإخوان يتحدثون عن أخطاءٍ، لكن للأسف يَعنون بها أنهم لم "يتوافقوا" أكثر وأكثر مع الإتجاه العلمانيّ، ولم يُسَلموا من حق الشعب لهؤلاء أكثر مما أسلموه، من مقاعد في التأسيسية، وفي البرلمان. لا يتحدثون عن خطئهم القاتل، الذي أودى بهم وبشعبهم إلى هذا الهلاك المردى، وهو عدم الثقة في الله، ولا في الشعب، والثقة بالمجلس العسكري الكافر الخائن، وعقد صفقة "كامب سليمان" اللعينة معه، والغرور بما أشيع عنهم كذباً بأن لديهم الحنكة السياسية التي لملموها من على أرصفة السياسة خلال ثمانين عاماً، لم يكن لهم خلالها أيّ دورٍ حقيقيّ في سياسة على الإطلاق. ولم يرعووا عن التنازل عن حق الله والناس حتى عشية الإنتخابات الباطلة شرعاً أصلاً.
السلفيون، هؤلاء قد خسروا كلّ شئ، كلّ شئ، خسروا العقلاء من أتباعهم، إحترام الناس وثقتهم، وفوق كل شئ وقبله، فقدوا دينهم وداهنوا فيه ومالئوا الكفر ووالوا الكفار، فخسارتهم أضعافاً مضاعفة. ثم هم قد خَرسوا بعدما خَسِروا. فلا نسمع لأحدهم حديثاً ولا تعليقاً وكأنهم لا وجود لهم في دنيا الناس. تقوقعوا بعدنا نفشوا ريشهم على حازم أبو اسماعيل، وأيدوا المجلس العسكريّ كما فعل ذلك الخاسر محمد حسان وياسر برهاميّ. ثم إذا بهم اليوم يلبِسون الطُرح، بل ويضعون النقاب، خوفاً ورهباً، من غير الله.
ليس هناك إذن من مدّكر، بين هذه الطوائف كلها. فالقلب الذى صار كالكوز مُجّخِّياً، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشْرِبَ من هواه، لا فائدة فيه.
فما الأمر إذا؟ دعونا ننظر إلى حقيقة ما حدث في الأيام السابقة.
- قام العسكر بحلّ البرلمان
- وبإعادة قانون الطوارئ
- وبتثبيت أحمد شفيق في الإنتخابات
- ومن ثم استعادة العسكر لكل السلطات، التنفيذية المتمثلة في حكومة الجنزورى، والتشريعية التي آلت اليه بعد حل البرلمان، والقضائية التي يديرها من خلال القضاة المرتشين في كل الجهاز القضائي، وعلى رأسهم العليا للتزوير والمحكمة الدستورية.
- ثم ما استجد من توابع ذلك، مما هو تحت "الطبخ"، بشأن قرار الإدارية العليا بحل جماعة الإخوان
- ثم الإعلان "الدستوري" الجديد لمعايير الهيئة التأسيسية للدستور، وصلاحيات الرئيس.
هذا يعنى السيطرة العسكرية التامة على كافة مفاصل الدولة بلا استثناء، في كل مجالٍ من مجالات الحياة. وهو الوضع الذي يُعتبر أسوأ مما كان عليه في أيام مبارك بلا شك، إن اعتبرنا ذلك الإرهاب الحاليّ الذى صاحب تلك الخطوات السابقة كلها. وهو ما يعنى أن العسكر سيضعون الدستور، ويجعلون الرئيس القادم معدوم الصلاحيات، فإما أن يسكت ويرضى، أو أن يستقيل.
لكنّ المَحظور في هذا الوَضع القائم، هو أن يصبح التزوير لإنتخاب شفيق، الشرارة التي تندلعُ منها الثورة الثانية، وهو ما يعمل له العَسكر ألف حساب، فماذا هم فاعلون؟
السيناريو المُتوقع هو أنه بعدما شَحنوا الناس كلهم ضد شفيق، وجعلوه رمز الثورة المضادة، وحاملُ لوائها، وأوقعوا في خَلدِهم أنّ قضية انتخابه هي قضية الثورة الوحيدة، وبعدما ضربوا الثورة في كلّ مقتل، وأنهوا الإخوان جملة وتفصيلاً، أن يتركوا الفرصة لمحمد مرسى، فيكون فوزه كالمُتنفَس للضّغط الكامن، ويشعر العوام ومثقفوهم، ببساطتهم، أنهم فازوا في أمر الثورة، وأنّ العسكر قد رضخوا لهم، بينما الحقيقة الواقعة على الأرض، أن العسكر مُسيطرون بالفعل على كل مَرافئ الحياة، تشريعية وتنفيذية وقضائية. وقد سبقوا أن أشاروا إلى أنّ الرئيس الجديد سيكون عليه أن ينتظر حتى يتم تشكيل البرلمان الجديد ليحلف أمامه تلك الجملة التى لا لزوم لها إبتداءً، والتي يُسمونها القسم الدستوريّ! أو يرددها أمام الدستورية الخائنة. وما الفرق؟ إذ سيكون الرئيس طرطوراً جديداً كما كان البرلمان من قبل.
سيضع العسكر الدستور، بتشكيل الهيئة التأسيسية، وسيحدد، ويحدّ، من صلاحيات الرئاسة، وسيتحكم في تكوين البرلمان الجديد، مع أقلية إسلامية يسمح بها، نظراً لحملات التشويه التي قادها الإعلام الكافر الفاجر على الإسلاميين، بحق حيناً و بباطل أحيانا اخرى. وسيعين، أو يثبّت الحكومة الحالية، لتقود التخريب المنظم للحياة اليومية لأفراد الشعب لسنوات قادمة حتى يضمن أن يهدّ عزمهم ويفتت عضدهم، فلا يفكروا في ثورة ثانية.
إذن، فالأمر مرة أخرى، ليس أمر إنتخاب محمد مرسى، فهى لعبة أخرى من ألاعيب العسكر. بل الأمر أمر الثورة. استمرارها لرفع الحكم العسكريّ، بمرسى وبغير مرسى. الأمر كان، وسيظل، كما صرفنا العَام المُنصرم نكرّر ونردّد، أمر الميادين، الخروج، الثورة، إقصاء العسكر، لا الدخول في ألاعيبهم القانونية، تحت مسمى الديموقراطية الكافرة.
تحسَبون أن الإنتخابات ستأتي لكم بجديد؟ أفيقوا يا أهل مصر، فإن سكرتكم قد طالت، حتى أصبحتم نكتة الدنيا، ومادة للهزر بين الأمم.فهل من مدّكر؟