بقلم: د. طارق عبد الحليمالأربعاء 20 يونية 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
سُبحان الله العظيم... لم يستوعب الإخوان الدرس. خسروا البرلمان، وخَسِروا الدّستورية، ولا يزالوا يتلوّنون في حديثهم للعسكريّ، ولا يزالوا يترددون في قرار مواجهة العسكريّ، ولا يزالوا يُعلقون آمالهم على الرئاسة، بل لا يزالوا يتحدثون علناً عن خيار التفاوض مع العسكريّ! لم يجرأ منهم أحد أن يتقدم كزعيم للثورة، رغم العدد الهائل لأتباعهم. إنْ لم يكنْ هذا هو حُب الدنيا وكَراهية الموت، فما هو إذن؟
أيّة إحتفلاتٍ يقيمها هؤلاء بإنتصارٍ كأنّه إنتصار دون كيوشوت على طَواحين الهواء؟ أية فرحة هناك، والعَسكر قد جرّدهم من كلّ شئ، فلم يبق إلا أن يُجرّدهم من ملابسهم، إن استطاعوا؟
إنّ العَسكر اليوم هم، ببساطة شديدة، عصابة مُسلحة تَحكّمَت في مَفاصِل الدولة ورَكِبَت على مؤسّساتها بالكامل، لم تترك مُتنفّساً ولو بَسيطاً لأيّ خيارٍ، لأي أحدٍ، إلا الرضوخ للعَسكرية الديكتاتورية.
إن الدستور اليوم، بهذه المُهاترات والدّوامات، التي يسمونها قانونية أو دستورية، أدخلنا فيها عَسكر السوء، لتكون عَلكة تلوكها ألسنة المتكلمين على الفضائيات، ستكتبه لجنة مُعيّنة، يفصّلها العسكر على مقاس ما يريد. باطلٌ مُمتَحل، وعوارٌ مفزع، بلطجة شريرة، يلعبها هذا المجلس الغاصب.
أذكّر الإخوان بقليل من كثير مما قلت سابقاً عن خطط العسكر، وخيانة العسكر، وما يجرى الإعداد له، ولكن سبحان الله، هم أصحاب الحنكة السياسية، لا يستمعون إلى ناصح، ولا يرجِعون إلى رأي.
قلت من قبل في مقالٍ تحت عنوان "
عُرس الديموقراطية .. ومَأتم الحريــة"، بتاريخ 14 ديسمبر 2011، "
إن كنتم، يا من تروّجون هذه الخزعبلات، تعنون بالديموقراطية أنّ نواباً ممن اختارهم الشعب، يجلسون على عدة مقاعدٍ في مبنى عتيق، تعوّد الناس أن يسمونه البرلمان، يعلقون بطاقات العضوية في رقابهم كتراخيص ال...، ويلعقون عرق خجلهم، ويمصّون سَبّابتهم وإبهامهم، بلا سلطة ولا اختصاص، فأنتم أولى بهذا الحكم الديكتاتوري العسكريّ الجديد". وقلت في مقالي بعنوان "
ثوابتٌ .. في سياسة العَسكرِ" بتاريخ 8 سبتمبر 2011، "
الخلاصة، أنّ هذا المجلس (العسكري) أسوأُ وأشرس وأنكى على شعب مصر، ومستقبلها ودينها، من حسنى مبارك، مرات عديدة. فإن هؤلاء يتصوّرون أنفسهم بشراً ليسوا من البشر، لا يصح نقدهم، ولا تصحيح مسارهم، وهم يملكون القوة الباطشة. ولا نعلم والله من أعطى هؤلاء الجنود، قليلي الدين، قليلي العلم، قليلي الحكمة، قليلي الضمير، حُكم هذه البلاد؟ بأي أمارة قفزوا على مقعد الحكم، يريدون أن يفسدوا على مصر عقوداً قادمة، كما أفسد مبارك عقوداً سالفة؟ أليس دورهم يقتصر على مُواجهة عدوٍ غاصبٍ، والذود عن أبناء البلد، لا أن يضعوا لها دستوراً يحكُمها أجيالاً بعد اجيال؟".
قلت في مقال بعنوان "
الشعبُ المصريّ في مُواجهة عَدوّه .. مرّة أخرى"، بتاريخ 10 سبتمبر 2011 "
يا ذوى العقول، ويا أرباب الألباب، مجلس التسعة عشر لن يتنازل برضاه عن الحكم، خاصة للمسلمين، بل هو يسعى، بما صَرّح به علنا، لتكون سُلطته خارجة عن المُساءلة، وليكون الدستور ضامناً لهذه السلطة من ناحية، ومؤسساً للعلمانية الكفرية من ناحية أخرى". وفي مقال "
الجَيشُ .. والدّستور" بتاريخ 22 يونيو 2011 "
تشير كافة المؤشرات والدلائل إلى أنّ الجيش لن يُمرّر عملية وضع الدستور عن طريق الأغلبية، من خلال لجنة ينتخبها مُمثلي الشَعب في البرلمان. فالجيش يَعلم، كما يعلم مُزيّفي الديموقراطية من العلمانيين اللادينيين، أن الأغلبية المِصرية مُسلمة، تريد تحكيم شرع الله في الأرض. وهذا لن يوافق عليه الجيش، طواعية.... هو أن يقوم الجيش، بدعوى الحفاظ على وِحدة البلاد ومَنع الإنشِقاق، بتشكيل لجنة وضع الدستور بنفسه، بدلا من البرلمان، ويختارها من الشَخصيات العلمانية اللادينية بنسبة أكثر من 40%، ليضْمَن عَدم تمرير ما يَفرِضُ التحاكم إلى الشريعة". كما ذكرت شبيه ذلك في مئات المقالات، التي ضمّها كتابنا "من
الثورة إلى الإنتفاضة في تسعة أشهر"، وكتابنا تحت الطبع "
الثورة من الإنتفاضة إلى الخمود".
الأمر لم يكن خافياً، ولا يزال أوضح من الوضوح. لن يسلم العسكر السُلطة، بأي حالٍ من الأحوال، بالتفاوض.
يجب أن يفهم الإخوان أن أسلوبَ النُعومة والخُضوع والمُداراة السياسية لا يَصلح مع الذّئاب. لقد سَلبوا الرئيس "الطّرطور" كل شئ، حتى عيّنوا له رئيس ديوانه. ما أشدّها من مَهانة وما أفظَعها من ذِلة، وضع الإخوان محمد مُرسى فيها.
مصر تحتاج اليوم إلى زعيم لا إلى رئيس، زعيمٌ يعرف الحق فيتّبعه، ولديه من القوة والشجاعة والإقدام، وإيثار الآخرة، وحب الموت في سبيل الحق، ما يقود به الجماهير في ثورة حقيقية، تواجه هذه العِصابة المُسلحة بلا تردّد ولا خَوف. مصر اليوم تحتاج إلى رجال يعرفون هدفهم، ويصممون على تحقيقه مهما كانت تكاليفه، ولا يتركون الميادين قبل أن يصلوا اليه.العسكر يعرف أن الجماهير ستملّ، من الحرّ ومن التعب، بعد يومين أو ثلاثة. حدثت مرات من قبل، وهو يراهن على ذلك بلاشك.فإن أراد محمد مرسى أن ينزل إلى الميدان، يتحدى العسكر، ويقف جانب الشعب، ويجعله يصمد إلى وقت النصر، فقد يكون له نصيب من هذه الزعامة المطلوبة. أما إذا جلس في مكتب الإرشاد يتباحث مع محمد بديع فبئس الرجل هو، وبئست جماعته.[