بقلم: د. طارق عبد الحليمالجمعة 29 يونية 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تزال السّمة الرئيسة التي تصبغ الساحة المصرية هي الإضطراب والتخبط، في كافة الإتجاهات، كما كانت عليه منذ ثورة 25 يناير الذبيحة.
الخطر الأخطر الذي يهدد البناء المصريّ المتهاوى، هو تنازع السلطات الذي قسّم مصر إلى قطع متجاورات، يكاد لا يربطها ببعضها رابطة مركزية، والذي يهدد بالتقسيم الواقعيّ الذي، وإن لم يكن تقسيماً جغرافياً، فهو تقسيمٌ إختصاصيّ، أشدّ وطاًة وأسوأ ضرراً من ضررالإنفصال الجغرافيّ.
إنّ الوضع القائم حالياً، والذي تتجه إليه الأمور، يكرس لدولة "غير مركزية"، تحكمها مجموعة متضاربة المصالح، يستأثر كل فريق منها بجزء من السلطات، دون غيره، مما يضعفها جميعاً، خاصة أمام الخطر الخارجيّ، ويجعلها دولة صورية، لا تأثير لها في أيّ واقع من حولها. وهو بالضبط، ما أرادته الصهيونية والصليبية الأمريكية بهذا البلد، وما عاونت على تكريسه السياسة الإخوانية المتغطرسة، بدون وعي منها، ولقلة إدراكها بالأبعاد السياسية التي تحكم المنظومة العالمية، من حيث ضآلة خبرة الإخوان في هذا المجال من السياسة.
إن الموقف الحالي الذي وجدنا أنفسنا فيه، يرتكز على حقيقة واحدة، وهي عجز القوى المتناحرة كلها، أن تمسك أحدها بزمام الأمور، وتجبر القوى الأخرى على أن تنصاع لها، وتحفظ على الدولة وحدة كيانها، ومركزية قرارها.
أول هذه القوى اليوم، هي مجلس التسعة عشر العسكريّ. وهذا المجلس الغاصب لا يستند في شرعيته إلا على قوة السلاح، والتهديد الغاشم الصراح. هذا المجلس قد أراد أن يزيف الإنتخابات لصالح شفيق، إلا أن القوة الشعبية قد ضغطت بأكثر مما تستطيع، فحرفت مسار التزوير عما أراد له الغاصبون، ولم تقف أمريكا في صف الخيار العسكريّ الذي كان التسعة عشر يفضلونه، لخطورته الفائقة على مصالحهم العليا في المنطقة. فكان أن أنجحوا مرسى، ولكن جاء معه "مرسى بشرطة" و"بشروط". وقد أملت هذه القوى شروطها، ورسمت قواعد اللعبة كاملة في إعلانها اللادستوري الفاجر، فاحتفظت بذلك الكيان الغاصب المسمى بالمجلس العسكريّ، دون أي شرعية له، ووضعت مجلساً أعلى للدفاع يجعل الرئيس مثله كمثل لواء في الجيش، حين التصويت على قرار الحرب! وجعلت وزير الدفاع يجلس مزاوياً لرئيس الدولة لا لرئيس الوزراء! وكلها قرارات تشير إلى المتحكم الحقيقيّ في السلطة.
والقوى الإسلامية، أو التي ظهرت على السطح السياسي كقوى إسلامية، قد فشلت وحدها أنْ تدير الصراع مع العسكريّ، فخسرته جدارة، إلا ما كان من أمر الله أن رفع أسهمها في هذه المرحلة قليلاً بعون الشعب وجرأته. وكان تعيين محمد مرسى نصراً جزئياً على قوى العسكر الغاصبة. إلا أنّ العسكر كانوا قد احتاطوا لهذا السيناريو، فنزعوا من الرئيس كلّ الصلاحيات التي تجعله رئيساً لا مرؤوساً، وتضعه في صفّ عصام شرف والجنزوري، بل أقل منهما. وصارت هذه القوى من أضعف ما يكون أمام الثور العسكريّ، حتى أنه قد رضخ للإعلان اللادستوري الغاصب، فأدى اليمين أمام المحكمة الدستورية، التي عينها مبارك، ليصبح بذلك ذيلاً للعسكريّ، وتسقط عنه شرعيته الإسلامية بالكامل، ويقع في محذور الخُروج عن دائرة العُذر المقبول المَانع من صفة الكفر العينيّ. وهو ما يؤكد أنّ الإخوان يسيرون في طريق الخيانة الثانية، ويُسلمون العسكر ظهورهم، ويتنازلون عن حق الله والشعب، بحجة المصلحة والمرونة، كما زعم صفوت عبد الغنى، متحدث الجماعة الإسلامية المتخاذلة.
والقوى القبطية، هي قوى تمثل 6% من الشعب، وهي أقلية مطلقة، لا يصح أن يمثلها نائب رئيسٍ إلا في دولة ديموقراطية "بطيخية"، كمصر. وتعتمد هذه القوى على الدعم الصليبيّ، الذي يتخذها تَكِأة للتدخل في الشوؤن المصرية.
ثم، قوى العلمانية والليبرالية الكفرية، وهي تضم قوى الإعلام الفاسق، والفنانين الساقطين، وأصحاب رؤوس الأموال المسروقة، وقوى الظلام الفلولية المتمثلة في رجال الحزب الوطني، وعدد من العسكر من أصحاب الأموال المنهوبةن الذين يشتركون مع هذه القوى من وراء الستار. وهي القوى التي ضغطت على الرئيس المنتخب لتعيين رئيس وزراء علمانيّ، ينتمى لحزبها، ويعين غالب الوزراء من الإتجاه العلمانيّ، رغم أن أتباعه لا يزيدون على 10% من أبناء الشعب، بما فيهم الطبقة المنتفعة التى تخدّم على رؤوس العلمانية وأقطابها.
كيف لرئيس منتخب، أن يدير حكومة بهذا الشكل المتباين؟ إن الأصل في النظم الديموقراطية الغربية، أنّ رئيس الحزب الفائز بالأغلبية هو الذي يشكل الحكومة بكاملها، دون توافق ولا يحزنون. فقط في مصر، كما صرح ستيفن هاربر رئيس وزراء كندا، يحدث عكس ذلك، فيكون لها رئيسان، مرسى والطنطاوى، ويستقيل رئيس الحزب من منصبه، ويعين رئيسا لوزرائه من المعارضة!! سبحان الله على هذه البلد! لذلك فإن محمد مرسي قد وقّع اليوم شهادة سقوطه بيديه، حين رضى أن يتجاهل قوى الشعب، مرة أخرى، ويقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية المرتشية، الخاضعة لمجلس العسكر.
هذا هو التقسيم الحقيقيّ لمصر، وهو الأخطر عليها من التقسيم الجغرافيّ وأسوأ نتيجة.
ودورنا نحن الذين يؤمنون بدولة لا إله إلا الله، لا دولة الضعف والكفر والتقسيم والتنازل هذه، أن ننشر بين الناس فكرة الفطرة، أن الإسلام ليس الإخوان. وأن مرسى لن يأتي بالحق والعدل والمساواة والحرية، لا كما يريدها الإسلام، ولا كما تريدها الديموقراطية الغربية الشركية. وأن ما نسير فيه اليوم، هو السير نحو دمار كامل لمصر، وتدمير لوحدتها.