بقلم: د. طارق عبد الحليمالسبت 07 يولية 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحقيقية المُرّة التي نعيشها في مصر اليوم، هي أن ثورة 25 يناير قد فشلت فشلا ذريعاً، في كل النواحي التي تختص بها ثورة ما، في أرض ما.
الحقيقة المُرّة هي أن النظام المباركيّ الذي عاث في البلاد فساداً مدة ثلاثين عاماً، والذي قامت انتفاضة 25 يناير لإقتلاعه، قد حلّ محله نظام أشد منه افتراءً، وأقوى قبضة، وأبشع احتلالاً، وأمعن في الكفر والسيطرة والقمع.
الحقيقة المُرّة، التي تَكرّست وتترّست على أرض الواقع هي أنّ العسكر قد أحكموا السيطرة على البلاد، وعلى مقدراتها، بعد أن أصبحت مصر بلا جيش حقيقيّ، يستطيع الوقوف في وجه عدو خارجيّ، واختصرته القوى الباغية إلى قوات أمن لا يميزها عن الشرطة إلا زيادة التدريب ونوعية التسليح، وبعد أن تحول الجيش إلى هيئة تصنيع تعمل لصالح عدد من المستثمرين من أصحاب السُيوف والنجوم النحاسية. تعلم ذلك إسرائيل وتَعْلمُه أمريكا، وتَعْلمُه كل دول العالم، إلا شعب مصر المخدوع.
الحقيقة المُرّة، أنّ الإخوان قد عادوا لما نهوا عنه، فتراجعوا عن مواجهة العسكر، وقبلوا بالإعلان اللّادستوريّ، و"علّقوا" الإعتصام – زعموا – لحين يعلم الله متى! وجلس محمد مرسى في وسط تلك الفخاخة التي نصبوها له، لا حول ولا قوة، يواجه المطالب الشعبية، والإستحقاقات الفئوية، أهالى الشهداء، والخراب الإقتصادي والإجتماعي السائد في كل أرجاء مصر بلا استثناء، والأمن الذي بدأت قواته تستشرس مرة أخرى على المواطن، كما حدث من كلاب الشرطة في قسم مدينة نصر، وقضايا الإعتقال المزيفة ضد ألاف الثوار. يواجه كلّ هذا بلا فريق عمل، إذ تجبره المعارضة الهزيلة الللادينية والصليبية على إختيار شخصيات طائفية وذات أجنداتٍ مدمرة لكيان مصر. ثم، يعتمد على الهيكل الإداريّ الفاسد التابع لنظام مبارك وتبعية العسكر. ثم، ماكينة الإعلام الفاجر الذي لا يتوقف ضِدّ كلّ ما يمت للإسلام بصلة.
الحقيقة المُرّة، أنّ محمد مرسى، والإخوان، قد رَضوا مرة أخرى، أن يتنازلوا للعسكر، وأن يتركوا مُرشحهم يستبيح العسكر دمه بلا جروحِ، فهو، كما قال الشاعر، "مطّرحٌ جسمٌ بلا روحِ"،. هكذا تتلاعب بهم السياسة الخائبة، لا المحنكة ولا الواعية. وشرّ السياسيين، هو من غابت عنه الحنكة السياسية، وتلاهى عن دروس الماضى، واجتمعت فيه هاتان الخصلتان مع خصلة الجبن، وإيثار السلامة، التي عُرفت عن الإخوان في كافة تعاملاتهم مع كلّ سلطة واجهوها منذ إنشاء جماعتهم. هؤلاء هم شرّ السياسيين على الإطلاق.
والأوضاع التي نعيشها اليوم، تبنئ بمهزلة سياسية، وسقوط اقتصاديّ وضغط أمنيّ، سيلزم الناس بفكرة فشل محمد مرسى وعدم جدوى الفكرة الإسلامية عامة، رغم أن محمد مرسى لم يتحدث بأي مشروع إسلاميّ على المستوى الرسميّ، إنما اكتفى بإيراد آية أو آيتين في سياق حديثه، طَبّل لها السّطحيون، على أنها دلالة عزة الإسلام وقوته، في ظل النّظام الجديد، ونَسوا أنّ استسلام مرسى لفكرة النائب الصليبي أو النائب المرأة، وسكوته وجماعته على انتزاع صلاحياته، هو أشد دلالة على الفشل الإخوانيّ، والتساهل العقديّ والتميع السياسيّ من أن يقرأ بنصف القرآن في خطابٍ واحدٍ.
وما أشدّ العيب والهوان الذي وجد فيه محمد مرسى نفسه، وهو لا يستطيع إقالة النائب العام المجرم، الذي أفشل محاكمة الطواغيت، ودفن مئات الملفات الفاسدة، تعاوناً مع الكُفر، بل إنه أعلن تقدير جَهد المَجلس العَسكريّ المُجرم الغاصب، بل وقدّر جُهود القُضاة العُملاء في المَحكمة الدستورية العليا، الذين أفسدوا وزوّروا إرادة الشّعب مرات ومرات. لكن حدود الكرامة والنخوة الإخوانية، كانت، ولا زالت، مطاطة تميل إلى التسيب وإعطاء الدنية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
في ظلّ هذه الحقيقة المُرّة، يَجد الإسلاميون أنفسهم يقفون في مواجهتها ينتظرون ما ستؤول اليه الأوضاع. لكنّ نتيجة هذا الواقع معروفة سلفاً، وهي أنّ سقوط محمد مرسى، وإعادة ترشيح من له صفة علمانية واضحة، أو السّيطرة العسكرية بإنقلاب عسكريّ.
ونحن، الإسلاميون، مُكلّفون بأن نواصل دَعوتنا إلى الله، وإلى تحكيم كِتاب الله سبحانه، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى بيان سبيل أهل السنة والجماعة، وسبيل المجرمين من الليبراليين والعلمانيين والإعلاميين وسُفهاء الإسلاميين. هذه الدّعوة هي سبيلنا إلى التصدى لهذا الوضع المتفجر، الذي لا يكاد يراه قادماً إلا من وعى درس التاريخ، وفقه سنن الله في الأرض، واستوعب أحكام حلاله حرامه، ومواضع أمره ونهيه.