بقلم: د. طارق عبد الحليمالخميس 09 أغسطس 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
القضية الصهيونية هي قضية تقوم على أساس واحد، تدمير أمة العرب، وإحتلال القلبِ منها، فيما يسمونه إسرائيل الكبرى. هذه قضية بنى صهيون التي بدأ العمل الحثيث لها منذ نهاية القرن التاسع عشر، حتى تحقق نصفها بزرع إسرائيل الصغرى في فلسطين في منتصف القرن العشرين، ثم تَمَدُّدها إلى سيناء والضفة الغربية والجولان في الثلث الثاني من القرن الماضى.
وهذا الهدف الخبيث ليس خافياً على أحدٍ، بل هو بيّن ظاهر لكل دول العالم، فإنه ليس بعد إحتلال الأرض وانتهاكِ العَرض، والإستيلاء على المُمتلكات والزرعِ وترحيل السكان من دليلٍ على هذا الغرض. وقد ظلت قوات الصهاينة، بمساعدة الصليبيين من الغرب الحاقد على الإسلام، تمارس ذلك المُخطط، دون مواربة أو استخفاءٍ، طوال خمسة وستين عاماً هي عمر تلك الدولة السرطانية الصهيونية. وكان النجاح حليفها في كلّ مرة ضربت فيها جانباً من جوانب بلادنا، حتى في حرب 73 التي قيل إننا انتصرنا فيها، كانت نتيجتها النهائية هي معاهدة الخزى والعار "كامب داود".
المُشكل الرئيس في هذا الواقع الأسود الأليم أنّ الصهيونية تستعين على أمتنا بأبنائها الخونة لتنفيذ مُخطّطاتها وتسهيل أمورها. وما نظام مبارك كله إلا صنيعة هذا التعاون الآثم بين كفرة المصريين وبين الصهاينة.
وقد كان من المنتظر أن تُنهى ثورة 25 يناير هذا التعاون، وأن تقضى على أوكار الصهاينة في مصر، التي هي ذاتها أوكار الفَساد والفلول، لكن هذا التطهير لم يحدث، بل بقي الأمر مراوحاً في مكانه، تتلقى الثورة ضرباتٍ عنيفة متتالية من الثورة المضادة وفلول النظام، دون أن يجيب ممثلوها، أو من يدّعون تمثيلها، بأي قدر من القوة على الإطلاق.
وهذه الأوكار التي تتخنْدق فيها قوى الغَدر والخيانة مع الصهاينة تتمثل أساساً في مجلس العسكر، الذي يخشى أن يعود إلى عمله الأساسيّ، في الجبهة العسكرية لمواجهة الصهاينة حقاً، فتفقد قادته بذلك البلايين التي تدخل جيوبهم من عمولات الأسلحة، وبدلات الولاء الشهرية الباهظة، من الدخل الخاص المنهوب من الشعب.
ثم جهاز المخابرات العامة، الذي شكّله فَقيدُ الشياطين عمر سليمان، ووضع على رأسه موافي بعد تعيين مبارك له نائباً، وهو الجهاز الذي تواطئ مع مخابرات بني صهيون لقتل أبناء مصر على الحدود، وهو الثابت الأكيد بعد أن اعترف موافي بعلمه بالحادث قبل وقوعه. فهو وكرٌ صهيونيّ يجب تطهيره وإعادة بنائه ليكون خادماً للشعب لا جاسوساً عليه وعدواً له ولمصالحه.
ثم الإعلام، وما أدراك ما الإعلام، وكرٌ مليّ بالثعابين السامة والحيات اللادغة، والحشرات القاتلة، تمكر كلها ليل نهار، لتزيّف الحقائق، وتخرّب العقول، وتلهى الناس عن مواطن الفساد الأصيل، وعلى رأسِه فَجَرةُ عَرّابِيه توفيق عكاشة، ولميس الحريريّ وريم ماجد ووائل الأبراشيّ وحياة الدرديري، وأمثال هؤلاء الكلاب العاوية ضد الإسلام، وضد الشعب المصريّ لصالح يهود.
ومن وراء هؤلاء، مبارك وحرباءته سوزان، وكلبيهما جمال وعلاء، ولا تستغرب أيها القارئ العزيز، فإن هؤلاء هم من المحرّكين الرئيسيين والمُمَوّلين الأساسيين لكل هذه التحركات التي تنشر الفوضى في الشارع المصريّ، من بلطجية، وعصابات السرقات المسلحة، كتلك التي تنتشر اليوم في صعيد مصر لسرقة أبراج الكهرباء، وعصابات المجرمين في سيناء، والتي يلصقون أنشطتها بالجماعات الإسلامية، التي كانت دائما شماعة للنظم المتعاقبة، حين تعجز عن تحديد الجناة، أو حين لا تريد الإفصاح عنهم، كما هو الظاهر في مذبحة رفح الأخيرة.
ثم، أجهزة القضاء العميل المرتشى، الذي نَفَذَ مجلس العسكر والشلة المباركية إلى حماه، فاشتروا ذمم عدد من رموزه، وقادة سلطته، كتلك المحكمة الدستورية التزويرية، التي أصبحت رمزاً لفساد القضاء، في مصر، بل في العالم أجمع. ومنه ذلك النائب العام العميل المجرم، الذي يُصنّع القرارات، ويقيم الدعاوى حسب طلب أسياده في مجلس العسكر، وفي مستشفي طرة حيث يقضى مبارك إجازته.
بل ومن أوكار الصهاينة، تلك المؤسسة الدينية العميلة الخَانعة، الأزهر، التي سلّم مبارك ومن بعده العسكر قيادها إلى خائنٍ لدينه ووطنه، وأسلم دار إفتائه إلى كلبٍ زنديق، لايعرف لدين الله حرمة، وكأنّ فتاواه يستمع اليها أيّ مسلم يستبرأ لدينه وعرضه!
ولعل الوَكر الجديد، الذي يساهم في توطيد وتوكيد هذه السيطرة، بسلبيته وتراجعه وتخاذله، هو مؤسسة الرئاسة، التي تُعينُ سلباً بتعاونها مع العسكر، ورضائها بالسيطرة العسكرية على مقاليد البلاد، وتركها للإعلان الدستورى العسكريّ الخائن أن يستمر في تكبيل مفاصل الدولة بأصابع العسكر، فلا تستطيع حراكاً إلا بما يريدون، وهم أصلاً أكبر رؤوس الخيانة في مصر، بل وكرّست أخيراً ذلك الإعلان الدستورى المنكر بدعوة مجلس الأمن القومي، ليأخذ مرسى التمام من رؤسائه العسكر بشأن تلك القرارات الأخيرة.
تلك كلها أوكارٌ تتعاون مع الصهاينة للقضاء على مصر كلها، لا ثورتها فحسب. وهي تعكس حَجم المَأزق الذي تمرُ به مصر في صِراعها مع السرطان العسكريّ الفلوليّ الذي بات أقوى فيها من كلمة الحق والعدل. لقد خلع هؤلاء كلهم الربقة وانخلعوا عن دينهم وسلموا أرواحهم لشياطين الإنس، مبارك والعسكر، ورضوا بمناصب وأموالٍ ومساكن وتجارة بديلاً عن إرادة الحق والعزو والكرامة، والإسلام "
قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌۭ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍۢ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِين" التوبة24.
إنّ تلك القرارات المَحدودة التي صَدرت عن محمد مرسى في الساعات الأخيرة، والتي مع الأسف جاءت بموافقة العسكر، ما هي إلا قَطرةٌ من بحر قراراتٍ يجب أن تؤخذ بعيداً عن العسكر، وأن ينتصر هذا الرئيس بقوى الشعب من ورائه، لوضعها موضع التنفيذ، في أسرع وقتٍ ممكن، وأن يَتحلّل من ذلك الطَبع الإخوانيّ العقيم الذميم، الذي يعيش بالضّعف كأنه الحِكمة، وبالتَخاذل كأنّه الصَبر، وبالمُداهنة كأنّها السياسة، وبكل نقيصة كأنها عكسها، لا لسبب إلا خوفاً من المواجهة، وحِرصاً على السلامة الخدّاعة، وهو ما لا أراه واقعاً من محمد مرسى ولو بعد حين.
إن الخروج عن سيطرة القوى الصهيونية الصليبية لن يتمّ بالأماني والأحلام، أو بالخطب والشعارات، بل بالخطوات العملية التي تستهدف أولاً تلك الأوكار الدنيئة التي تساعد هذه القوى من الداخل، أي تنظيف البيت من الداخل، ثمّ إنشاء علاقاتٍ متوازنة مبنية على إحترام الهوية الإسلامية العربية لمصر، والحرص على الكرامة والعدل والحقّ. ولن يحترم أحدٌ أمة تنتهك كرامة أبنائها، وتستذلهم وتستعبدهم، تحت إسم مجلس عسكريّ أو بموجب إعلانٍ دستوريّ.
إنّ واجب الشّعب أن يتكاتف، فيخرج بثورة حقيقية عارمة ضد هذه البؤر الفاسدة، والأوكار العميلة، وأولها مجلس العسكر الخائن، فقد بلغت الفوضى مَبلغاً لا يمكن أن يَستمر معه بناء دولة بمعناها العَصريّ. بل أصبحت الأمور أقرب إلى تَحلّلِ الدولة وفقدانها أركانها بالكلية. وإن لم يكن هناك ثورة عارمة تأتي بسلطانٍ يأخذ الأمور بقوة وشدة وحزمٍ، ويتدثّر بقوى الشَعب التي تعينه على إجراء التطهير اللازم، اليوم قبل غداً، فإن هذه البلاد ستشْهد مآسى قادمة، تتمثل في انقلاب عسكريّ شاملٍ، تطفئ بعده أنوار الأمل، وتغور همسات الإصلاح، وتتوارى أشباح التغيير، وتظل مصر تحت يدِ السيطرة الصهيونية الصليبية إلى أن يستبدل الله قوما غيرنا، ثم لا يكونوا أمثالنا.