بقلم: د. طارق عبد الحليمالجمعة 09 نوفمبر 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
المشهد الذي نراه في مصر اليوم، على السّاحة السياسية والإعلامية، مشهدٌ عجيبٌ غريبٌ لا يَمُت بصلةٍ لأيّ نظامٍ سياسيّ معروف للناس.
الحق أنّ ما يحدث اليوم في مصر ليس حريةّ بل هى فوضى كاملة ضَاربة الأطناب. إنّ سبّ رئيس الجمهورية سبّا قبيحاً بشكلٍ يوميّ متواصل، ليس من النقد في شئ، وليس من الحرية في شئ، بل هو تعدٍ وخِسّة وإهدارٍ للقيم الخلقية والثوابت المتعارف عليها في كافة دول الأرض، بل وفي أشدّها ديموقراطية كأمريكا وكندا. ونحن، مع خلافنا مع محمد مرسى، وجماعته عقدياً وعملياً، خاصة في تعاملهم مع الأمور، إلا إنّ هناك أصولا مرعية للدول التي تريد أن تنهض كما تدعى هؤلاء الشرذمة القليلة، ليس منها أن يتضامن قضاء فاسدٌ مع إعلامٍ كافر بدين أمته، مع أجهزة أمن خارجة عن الشرعية، يقودها رجلٌ من بقايا عهد مبارك، لتكبيل حرية الغالبية من شعب مصر، وإطلاق حرية شرذمة قليلة نائية بكفرها عن الأمة وتاريخها وثوابتها.
إنّ الشّرعية في دولة تريد التّحول إلى دولة قانون لا تتحَدد بمركز صاحبها أو بالهيئة التي يَتبعها، بل تتعلق بمبادئ صاحبها وتاريخه ومواقفه، إلى حين أن تتطهر المناصب والهيئات، إذ لا يصح إصباغ قداسة أو شرعية على منصب أو هيئة أو وزارة أو جهة ، أيّا كانت، وهي لا تزال تحمل العفن والخبث كما كان! هذا خبلٌ وجنونٌ لا يسرى إلا في ديموقراطية مصر العجيبة الفريدة، الساقطة!
ثم إنّ الإعتداء على دين الأمة والبجاحة في الهجوم عليه ومحاولات إقصائه عن الدستور أو الحياة بشكلٍ كليّ من هذه الشرذمة هو أمرٌ يتعدى الحرية، حتى في أوسع أشكالها، بل هو ديكتاتورية الأقلية التي تتعالى بأموال الفلول ودعم الخارج الصليبيّ لتحقيق أهدافٍ خاصة إما مالية أو سيكلوجية ناشئة عن تربية منحرفة شاذة ساقطة.
إنّ الضعف المُزرى الذي يدير به رئيس الجمهورية البلاد هو الذي يفتح الأبواب لهذا اللون من التهَجّم. وما نحسب هذا إلا لسببين أحدهما رئيس وألآخر ثانويّ، أما الثانويّ فهو إننا أمة لم تعرف الحرية في العقود الستة السابقة، أي أن كهولها وشيوخها اليوم، بله شبابها، قد ولدوا ونشأوا في ظلّ العبودية المحضة والإرهاب الفكري والبدنيّ، فلا عجب اليوم أن يتخبّطوا في تصرفاتهم ساعة إطلاق سراحهم من وطأة هذا الكبت، كالمُصاب بالغيبوبة يصحو فجأة، ويقوم مسرعاً من سرير مرضه، فتراه يترنّح ترنح السكران التائه. وهو سبب صحيح في حال غالب من يترنحون بالحرية من طبقات الشعب العامة.
ولكن السبب الرئيس، هو أن تلك الشِّرذمة القليلون لا تترنح، بل العكس، تقصد ما تقول وتعرف ما تفعل. وهي تقصد إلى إصابة الأمة في مقتلٍ من دينها وثقافتها وحضارتها وتاريخها. وتقصد إلى تأخير أية نهضة حقيقية قد تسعى اليها حكومة شبيهة بإسلامية كحكومة قنديل، أو رئيس شبيه بإسلاميّ كمحمد مرسى.
وبعيداً عن الإسلامية والشِّركية، فإن أصول الحكم، وقواعد الثورات لا يمكن أن تحقق أهدافها بذلك التكتيك المخذول الذي يسير عليه محمد مرسى وبطانته في مواجهة الهجوم الجارف، الذي يصل إلى تدخّلات صريحة من بلاد غربية كألمانيا وأمريكا، في شؤون تدوين دستورنا، بإجراء مقابلات ومحاورات مع بعض شخصيات هذه الشِّرذمة الساقطة، بله تمويلها ودعمها ماديا ومعنوياً. إنما تصلح هذه السياسة، سياسة "من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر"، للأصوليين الصليبيين، الذين هجروها بالفعل، وصاروا يتعاملون بسياسة "من أَشَعْتَ أنه ضربك على خدك الأيمن فاغزه ودمر عليه بلاده واحرق عليه ارضه!" متى، بالله عليكم سمح لنا الأوروبيون أو الأمريكان أن نناقش ونتداول في قوانينهم ودساتيرهم!؟ ما هذه الذِّلة والمَهانة التي يسوقنا اليها حكم الإخوان اليوم!؟ ليست هذه حرية يا سيد مرسى، يا صاحب الكرسى، بل هي ذِلّة وصغار. والله إنّ من يثبت عليه أنه ناقش أحداً في أمور أمتنا، وجب عليه حكم الخيانة العظمى، ووجت أن تقتله الدولة على الفور دون محاكمة.
إن محمد مرسى وبطانته يتعاملون مع هذه الشِّرذمة الفاجرة بأسلوب الإخوان، الذي يتلخص في أنْ "اعطهم فرصة اخرى عاشرة، واصبر عليهم حتى يهدمونك، تفاوض معهم وإن رفضوا التفاوض، أصلحهم فنحن جماعة إصلاحٍ لا تطهير"! وهذا التكتيك، في ظروف أمتنا لا يأتي إلا بالنكد والخراب والوبال عليها.
إن هذه الشِّرذمة التي تعيث في الأرض فساداً اليوم لا تزيد عن خمسمائة شخص لا غير، يقودون قوى الفساد والبلطجة، وهو ما قاله مرسى نفسه في أول عهده بالرئاسة! ثم نكص على عقبيه فتركهم يعيثون في الأرض الفساد.
خمسمائة فاسدٍ لا غير، على أقصى تقدير، لو أن هذا الرئيس لديه شجاعة النَعام، لقبض عليهم ووضعهم في سجنٍ بالواحات، وانطلق ليعمل على إصلاح هذا البلد المسكين.
إن للحرية أنياباً وإن للحق مخالباً، إنْ نُزِعَت أوقلّمْت، صار الحق مَضحَكة وصارت الحرية فوضى، تماما كما يصير الأسد فرجة في السيرك بعد نزع مخالبه وأنيابه. وهذا القضاء الفاسد الذي يقوده عملاء مرتشون ويُزيّف له أدلته ذنبٌ من أذنابِ مبارك، يسمى المجرم العام، لا يمكن أن يكون حَكَمَاً في بلدٍ يريد نهضة أو إصلاحاً.
إنّ أسماء هؤلاء معروفة للقاصى والداني، منها على الجبهة السياسية، عمرو حمزاوى، مصطفى بكرى، حمدين صباحي، محمد البرادعي، محمد حامد، تهاني الجبالي، ميرفت التلاوى، إبراهام عيسى، محمد أبو الغار، أحمد السعيد، حازم عبد العظيم، السيد البدوى، رفعت السعيد، وأشباههم، ومنها على الجبهة الإعلامية توفيق عكاشة، عمرو الليثى، وائل الإبراشى، مجدى الجلاد، عادل حمودة، ريم ماجد، لميس الحريرى، عمرو أديب وأخيه البغل السمين، منى الشاذليّ، دعاء سلطان، وبقية الساقطين والساقطات على الجبهة الإعلامية، ومنها على الجبهة القضائية المجرم العام عبد المجيد محمود، فاروق سلطان، مدحت بجاتو، ماهر البحيرى، عبد المنعم حشيش، ماهر مرعى، وبقية هيئة الدستورية العليا للتزوير، وكافة رؤساء هيئات القضاء الإداري ومحاكم الإستئناف، بل وحسام الغِريانيّ العِلمانيّ المُلتحى، الذي مَرّغ كرامة مصر في التراب في حديثه مع كارتر الصهيونيّ. ومن جبهة الصليبية القبطية، اللانجيبين ساويرس وجبريل وأتباعهما. هؤلاء الذين يسمون أنفسهم، ويسميهم الإعلام الفاجر "النخبة"، نخبة الكفر وصفوة أهل النار.
شِرذمة لا تتعدى الخمسمائة، يمكن أن نحصرها في قائمة واحدة، تتحَكم في مصر وحريتها وتُملى كُفرها الفاضح الواضح على شعبٍ بأكمله في وسائل الإعلام، وليس لها أيّ إمتداد في الشارع المصريّ إلا ما يشترونه من بلطجة وفساد. ثم يجلس محمد مرسى على مقعد الرئاسة، يتذرع بالصبر ويَصطَنع الحكمة والتّعَقل!؟ لقد قبض عبد الناصر على مائة ألف من المُعارضين له، من أبناء الشعب، لا من رؤوس الفساد، ليرسى حكمه، وهو على الباطل، أفلا يقبض مرسى على خمسمائة رأس فاسدة باطلة ليرسى حكمه وهو على الحق، إن كان يرى في نفسه أنه على الحق.
إن اصطناع الحكمة وسياسة التفاوض والتنازل لن تجدى مع هؤلاء نفعاً. لقد تنازل محمد مرسى عن كرامته وصلاحياته، بل وثوابت دينه ابتداءً، إذ يرفض التدخل في المهازل التي يشيعها هؤلاء عن ضرورة إقصاء الدين عن الحياة، وكأن الأمر لا يعنيه، فهو ديموقراطيّ يؤمن بالأغلبية! لكن الأغلبية هنا ليست لها رؤوس تدافع عنها، أو تدفع عنها عدوان الشِّرذمة. فليعلو صوت الباطل إذن، وليسيطر وليتحكم وليقضِ ما هو قاضٍ، فإن قضاءه وقضاته أفسدُ من ثمرة عفنة في يوم صيفٍ حار.
إن استمرار الأوضاع بهذا الشكل المُخزى لا يمكن تبريره إلا بصفقة وضيعة بين الرئاسة، ومن ورائها الإخوان، وبين الجيش والداخلية. فصفقة الجيش تتمثل في أن تبتعد الرئاسة عن أنشطته وتترك قياداته الجديدة تتحكم في مسار السلم والحرب، وفي اقتصاديات الجيش كما كانت من قبل على ألا تسمح بانقلاب ضد الحكم الحاليّ، إلى حين. أما الداخلية، فصفقتها أن يُترك لها ملف الأمن، وأن يسمح لها بممارساتها القديمة ضد الشعب، في الاعتقال والتعذيب والإهانة، على أن يُكبح جماح البلطجية في الشوارع ليظهر أن البلد عاد لها الأمن تحت حكم مرسى.
الحق، أنّ محمد مرسى، هو أضعف شَخصية على المسرح السِّياسيّ الحاليّ بلا جدال، أضعف من الجيش، ومن أجهزة الأمن، ومن الإعلام، ومن المُجرم العام الذي تحدى قراره وجعله يظهر كطفلٍ لا سيطرة له على كلامه! وأضعف من القضاء الذي جعل الزند الخبيث يتحدّى الرئاسة كل ساعة. وهو ضعفٌ سيكون له عواقبه الوخيمة في القريب العاجل.
إنّ استمرار الأوضاع بهذا الشَكل المُخزىّ، واستمرار أمن الدولة في ممارساته القديمة، والإعلام في فجوره وفسقه، واستمرار القضاء في فساده وانحيازه، لينبؤ بثورة قادمة هم السبب فيها لا غيرهم، لا شك في ذلك، وعلى محمد مرسى أن يستعد لها، فهو أول من ستطيح الثورة به وبجماعته.