بقلم: د. طارق عبد الحليمالجمعة 16 نوفمبر 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشهد أن فلسطين هي أندلس عصرنا الموتور. أشهد أن فلسطين هي قلب الأمة العربية التي طُعنت فيه طعنة أودت بكرامتها ونهضتها ودينها. أتصور أنين المجروح وصراخ الطفل وعويل المرأة، وابتهال الشيخ، على أرضنا الحبيبة المغصوبة، فوالله لينفطر القلب وتبرُد الأطراف وتُشلُ الأفكار، ويصيب المرء ما يصيب المحتضر في ساعاته الأخيرة.
وأعلم أن لغة الكلام لا تناسب هذا المقام. فلغة القوة والسلاح هي التي تحسم هذه الأمور، إذ هي لغة الحقّ الضائع والأرض المنهوبة. لكن صراعَ قرنٍ من الزمان مع قوى الشرّ والكفر جعلنا أعجز من أن نتحدث بلغة الحق ولو بكلمة واحدة. أخرسنا الضعف والتخلف والهوان، وقضت علينا أحلام الديموقراطية والليبرالية والعلمانية، حتى جلبت علينا نقمة الله سبحانه، فخرست منّا الألسن، وشُلّت منا الأيدى، وأصبحنا أمة من العبيد، بل أمة من الذباب، لا هويّة لها ولا اون ولا طعنٌ ولا رائحة.
هاهي غزّة تقصف تحت سمعنا وأبصارنا، لا نستطيع إلا الشجب والإعتراض، واللجوء إلى محافل دولية، هي أصلاً درع المعتدى، كمن يستجير من الرمضاء بالنار!
أعلم كذلك أنْ ليس لدى مصر جيشٌ قادر على حمايتها، بله الدفاع عن غزّة. فقد سُلب الجيش قوته وقدرته وعتاده، على مدى ثلاثين عاماً، تعاون المجرم مبارك مع الصهاينة على هدمه، ونفّذ المُجرم الطّنطاوى وصاحبه عنان الخطة كاملة، ولا يزال هؤلاء الخونة يعيشون مُكرّمين على أرض مصر التي خانوها، اللهم أنت حَسبُنا في حكام اليوم الذين تقاعسوا عن إعدام هذه الطغمة لتكون نكالاً لغيرها!
وأتساءل، ما هو الحلّ إذن؟ كيف يمكن أن نستعيد فلسطين، ومعها كرامتنا وعزة أمتنا؟ سؤالٌ من أصعب المسائل، ومن أسهلها في آنٍ واحد.
لاشك أن المقاومة الفلسطينية عامل هامٌ في طريق النصر والعودة، لكننا لا يجب أن نكون أطفالاً واهمين، فكلّ صواريخ غزة التي تنتجها أيدى المجاهدين، وأضعاف أضعافها، لا يمكن، بل يستحيل، أن تقضى على الورم الصهيونيّ هناك، إلا أن يشاء الله شيئاً. لكننا مأمورون بالسعى بأسباب الدنيا وحساباتها قبل التوكّل عليه سبحانه.
إن الطريق إلى استعادة فلسطين يمرّ عبر استعادة القاهرة أولاً، ثم استعادة دمشقٍ وعَمّان والرياض وبيروت وتونس والدار البيضاء، وسائر عواصم المسلمين. ذلك أنّ هذه العواصم قد احتلتها قوى الصهيو- صليبية، إحتلالاً يوازى احتلال الصهاينة لفلسطين، ويدعمه. فمن العبث وأحلام اليقظة أن نتصور أيّ جهدٍ حقيقيّ لتحرير أندلسنا الجديدة قبل أن تتحرر هذه العواصم من المغتصبين من أبناء جلدتنا أولاً. فهؤلاء الخونة القابعون على كراسى الحكم وعروشه، هم اليد التي تكبّل كلّ قدرة لهذه الأمة نحو التقدم والتحرر. لقد نجحت قوى الكفر الصهيو- صليبية في تدجين كلّ هذه الكراسى والعروش، ومن ثم تكبيل جيوشها، ومن ثم قطع أيديها وألسنتها.
لقد قسّمت الصهيو- صليبية بلاد المسلمين إلى قسمين، قسمٌ فيه الثروة الطبيعية، وقسم فيه الأيدى العاملة. قسمٌ غنيّ غنى فاحشاً بما وضع الله في أرضه من مصادر ثروة طائلة، وقسمٌ فقير فقراً فاحشاً، بما كسبت أيدى أهله من كسلٍ وتراخٍ وفسقٍ بعد أن سلبتها حكامها كلّ أملٍ في الحياة الكريمة. ثم جعلت الصهيو- صليبية كل قسمٍ عدواً للآخر، وأقامت الحدود وكرّست القوميات والوطنيات، لتنزع فكرة الوحدة الإسلامية من عقول أبناء الأمة الواحدة، فيصبح سعوديّ ومصريّ وأردنيّ وسوريّ وإماراتيّ، وبقية تلك الجنسيات المصطنعة الضعيفة المخذولة. فأصحاب الثروة توهّموا أنها ثرواتهم من دون بقية العرب، فتربعوا على كراسيهم، يستعبدون اليد العاملة من بقية جيرانهم المسلمين، ولا يحسنون حتى تنظيف أسنانهم! وأصحاب اليد العاملة المنتجة قد رَضوا بالعبودية لهؤلاء الأغنياء، إذ هم عبيدٌ في أرضهم أصلاً، فعبودية بعبوديةٍ، وتلك الأولى تأتى ومعها رزق الكفاف للعبد وأهله.
ولعل هذا الأفاق اللعين، ملحد دبيّ، وقوّادُها، ضاحي خَرْفَان، هو أبدع مثالٍ للسقوط الخلقيّ والتبعية والتخلف وتكريس القومية، وإشاعة الفواحش، وهو على رأس شرطة تحمى دعارة تلك الإمارة وكفرها وشذوذها وانحرافها عن كلّ طريق سويّ، فلا ينافسها في وضاعتها إلا لاس فيجاس الأمريكية. ألا تعِست المنافسة.
هذه هي صورة مجتمع المسلمين، ولا أقول مجتمعاتهم، إذ هم أمة واحدة، لا سعوديّ فيها ولا إماراتيّ ولا مصريّ ولا ..الخ. تلك هي القوى التي يُفترض أنها ستقف إلى جانب أهلنا في غزة! بئسوا وبئست ثرواتهم وسقطت كراسيهم وعروشهم أجمعين.
الطريق إلى تحرير فلسطين، يمر بتحرير القاهرة وتونس بنى غازى وبيروت والرياض ودبيّ ودمشق وكلّ عاصمة عربية. وقد شعً بصيصُ أملٍ في بداية ما اسموه ربيع الثورة العربية، لكنه خبا سريعاً على يد منافقى حزب النهضة في تونس، ومتخاذلى الإخوان في مصر.
أما أنتم يا ضحايا التخاذل والضعف العربيّ في فلسطين، فلكم الله، وهو حسيبكم إلى يوم أن تتحرر أرضنا من غاصبيها بالداخل قبل الخارج، وهو نعم المولى ونعم النصير.