رؤوف غزى
عدد المساهمات : 3 تاريخ التسجيل : 08/01/2012
| موضوع: حقيقة إسقاط الدولة والخطوط الحمراء الإثنين فبراير 27, 2012 12:40 am | |
|
حقيقة إسقاط الدولة والخطوط الحمراء رؤوف غزي
يَدَّعي الناقمون والكارهون للثورة المصرية في أن إنتقاد ومهاجمة المجلس العسكري الحاكم في مصر وأجهزة المخابرات والشرطة الفاسدة يعتبر خط أحمر لا يصح تجاوزه وتعدياً على الشرعية وإسقاط للدولة أو لهيبة الدولة وسوء أدب وقلة إحترام لمن هم أكبر سناً، وفي هذا مغالطة وكذب وتضليل للمفاهيم وتزوير للحقائق، قد يُرجع مصر للعهد الطاغوتي البائد. ولذا قررت أن أكتب هذا المقال لأوضح أوجه التناقض بين مزاعم هؤلاء والحقيقة التي لا يأتيها الباطل أو يشوبها من قريب أو بعيد.
أولاً رأيت أنه من الواجب تفسير معاني المصطلحات كي تتضح الصورة لكل من يخاف من سماع هذا الوعيد والتحذيرات الكاذبة؛ الدول لا تسقط بسقوط الأنظمة الحاكمة ولا بهزيمة الجيوش ولا بتطهير أجهزة الشرطة الفاسدة، حيث أن المكون الأول والرئيسي للدول هي شعوبها وأن الشعوب هي مصدر الشرعية في أي بلد وليست طبقة الحكام أو المنتفعين من جيوشها أو شرطتها. والشعوب لا تسقط إلا من خلال خطط ممنهجة لإذلال هذه الشعوب وإهدار كرامتها وإفقارها و تجويعها أو تعطيشها وهذا لا ينتج بسبب كوارث طبيعية ضخمة حروب شرسة أو مجاعات أو أوبأة - والتاريخ يشهد أن شعوباً تعرضت لكل هذا ولم تسقط بل وقامت من بعدها لبناء أوطانها مثل مصر بعد هزيمة الصليبيين والتتار، والصين وألمانيا واليابان بعد الحروب العالمية - إنما يكون سقوط الدولة يكون نتاجاً لتخطيط يقوم به أصحاب المصالح في تخريب هذه الدول والسيطرة عليها.
وبالرجوع لمصر – محور التساؤل – يمكننا أن نقول أن الدولة المصرية كانت على وشك السقوط والإنهيار نتيجة لفشل وخيانة الحكام والجيوش والشرطة لآخر ستين سنة مما دفعهم للتآمر على الشعب المصري لإذلاله وإهدار كرامته وعِزته حتى لا يمكنه الخروج عليهم.
أرادوا إسقاط مصر وهيبتها من خلال الهزائم المتكررة في الحروب منذ عام 1956 والتي تكلفت مئات البلايين من الجنيهات ومئات الألوف من أرواح الشهداء الأبرياء الذين حاربوا وقُتِلوا إعتقاداً منهم بأن قياداتهم وطنية وحريصة على النصر، وأخيراً خطة مبارك لتحجيم الجيش المصري وإضعافه وتهميشه وإشغال مصانعه الحربية في تصنيع الأدوات المنزلية وفي مشروعات زراعية لمنع تطويره عسكرياً، وتسليحه بأسلحة بالية مشفرة لا تصلح للدفاع عن مصر في مواجهة الدول الصديقة "كإسرائيل". وأدلتنا أن حاكم مصر الأخير إعتبره الصهاينة "الكنز الإستراتيجي لإسرائيل" لما قدمه لهم من خدمات بإعتقال أو قتل أو نفي أبطال مصر الذين قاتلوا الصهاينة وقتلوا منهم الكثير، وبيع الغاز المصري لهم بعشر سعره الحقيقي وغير ذلك من الأدلة.
خططوا لإسقاط مصر بتخريب إقتصادها عن طريق إغراقها في الديون بينما قام حكامها بتبديد ترواتها وأقوات شعبها بالسرقة والنهب الممنهج وإهدار ما بقي من أموال الشعب في مشاريع فاشلة ومكلفة، بينما يفرضون حظراً لأية محاولات إصلاحية لتطوير أو التنمية. كما وكان لدعم الفساد الحزبي السياسي والحكومي والإداري دور كبير في إهدار أموال الدولة وإختلاق طبقة من المنتفعين الذين كانوا يمثلون النسبة الكبيرة من الحزب الحاكم.
أرادوا إسقاط مصر بتعيين المنتفعين من أعضاء الحزب الحاكم واللواءات من الجيش والشرطة في رئاسة المحافظات والوحدات المحلية والتأكد من إفساد المنظومة الإدارية تماماً حتى لا يتسنى للشعب تكوين أحزاب معارضة أو جمعيات لحمايتهم.
سعوا لإسقاط مصر بتعيين مواليهم من الحزب الحاكم لعضوية مجلس الشعب فأصبح المجلس لا يعمل إلا لخدمة الحاكم وحزبه ونخبته، ولم يكن للشعب ممثل يطالب بحقه أو يشرع لحمايته أو يراقب اللصوص من أعضاء الحكومة.
تم تجريد مصر تماماً من النقابات العمالية – عدا ما هو تحت سيطرة الدولة – وذلك يسهل للدولة التحكم في الطبقة العاملة بشكل تام.
قاموا بإفساد القضاء والنيابة بطرد كل القضاة والمسيشارين الشرفاء ثم بتعيين المنفعين من أعضاء الحزب الحاكم والنخبة على رئاسة النيابة العامة والمحاكم الإدارية والدستورية، وكان ذلك لمنع الرقابة القضائية على التزوير الممنهج للإنتخابات.
أرادوا إسقاط مصر عن طريق تسهيل الأمية أو تصعيب سبل التعليم مما أدى إلى إنتشار الجهل بين حوالي 40% من الشعب المصري، وبالذات العلم الشرعي بفرض حصار أمني ووقفي على المساجد وخطباء الجمعة.
أرادوا إسقاط مصر من خلال نشر الأمراض الناتجة عن السرطنة الزراعية، وتلويث الأنهار والترع، وعدم تنظيف المدن والقرى من النفايات مما تسبب في تفشي الأوبأة والأمراض المزمنة بين أكثر من 50% من الشعب المصري وبالذات من الطبقة الفقيرو والمتوسطة.
أرادوا إسقاط شعب مصر عن طريق حملات قمعية ممنهجة لقهره والبطش بكل من حاول إنتقاد أو مواجهة الحاكم أو حاشيته وتخويل أجهزة المخابرات والشرطة المدنية والعسكرية سلطات مطلقة لإعتقال وتعذيب أو قتل أي شخص أو جماعة تتجرأ على الإعتراض على الحكام، وتم ذلك بغرض فرض السيطرة الكاملة على الشعب، كما كان يحدث لأعضاء الحركات الإسلامية أو الأفراد مثل خالد سعيد أو سيد بلال. بل وكانت الدولة تحرص على كشف هذه الإفتراءات والتنكيل والتعذيب لأفراد الشعب حتى لا يتجرأ أحداً على الإعتراض.
أرادوا إسقاط مصر وشعبها في فتن طائفية من خلال إختلاق أسباب للوقيعة بين طوائف الشعب المصري من المسلمين والمسيحيين كحرق الكنائس أو المساجد وتجنيد بعض المرتزقة من الطرفين للإسهام في تفجير وإستمرار هذه المشاحنات، مما يسهل للحاكم طلب المعونة الخارجية – لحماية الأقليات وضرب الحركات الإسلامية "الجهادية" – وتحجيم التجمعات الإسلامية وتحركاتها.
أرادوا إسقاط مصر عن طريق سرقة أراضي الدولة بالأمر المباشر وتقسيمها بينهم وبيعها بأسعار بخسة للنخبة الحاكمة وأعضاء الحزب الحاكم وأصدقائهم، ثم إعادة بيعها للأجانب بمئة ضعف أو مايزيد، كما وكرروا هذا النهب الممنهج في بيع شركات القطاع العام الصناعية.
أرادوا إسقاط مصر عن طريق الإعلام المزور والمشوه الذي لم يكن ليبث إلا ما تريده النخبة الحاكمة وأصحاب النفوذ، وأخيراً يجب سرد محاولاتهم لفرض السيطرة المالية على البنك المركزي والجهاز المركزي للمحاسبات والمصارف التجارية للتحكم في سرقة ونقل وتهريب الأموال من داخل مصر لخارجها سعياً لإسقاط مصر مالياً ومصرفياً بدون رقيب.
ولعدم الإطالة يمكننا القول بأنهم نجحوا إلى حد كبير في كثير من مهامهم وكادوا بالفعل يتسببوا في إسقاط مصر لهاوية لا يعرف مداها إلا الله، ولكن قدَّر اللهُ إحباط خططهم وما شاء هو دفع الشعب لثورة قوامها أكثر من 20 مليون مصري قامت بإنتفاضة شعب مصر يوم 25 يناير لتغيير كل محاولات إسقط الدولة والشعب، والحمد لله على ذلك. إلا أن المعركة لم تنتهي فكثير ممن سبق ذكرهم ممن ضلعوا في محاولات إسقاط الشعب والدولة مازالوا يتحكمون في مقاليد الحكم السياسي والجيش والشرطة والقضاء. وكلما حاول الشعب الإقتراب لتطهير البلد منهم فزع أصحابهم وحلفائهم وقاموا بترديد التحذير الذي أسأمنا جميعاً: "إن سقوط الداخلية فيه سقوط هيبة للدولة" أو "سقوط المجلس العسكري فيه سقوط الدولة" وإتهام الثوار بمحاولة إسقاط الدولة والتعدي على الخطوط الحمراء ... إلى آخر ما سمعناه منهم من لغو، والذي هو في الحقيقة محاولة فاشلة لإبعادهم وحلفائهم عن الشبهات والمحاكمات.
والآن رجعت الشرعية للشعب مرة أخرى – مع إعترافنا بوجود خلل يسببه كما ذكرنا "فلول وحاشية" النظام السابق إما عن طريق تعطيل المثار الثوري أو ترهيب الشارع المصري وترويعه وتزوير أو تعطيل محاكمات القتلة واللصوص والمجرمين – إلا أن مسؤولية الشعب هي أن يصر على مطالبه ويستمر في نضاله حتى يتم تطهير مصر ثم البدء في مسيرة الإصلاح والبناء. المهم هو أن ينتبه الشعب إلى أن مزاعم "إسقاط الدولة" و"إسقاط هيبة الدولة" ما هي إلا صرخات أخيرة يرددها المجرمون الحقيقيون - لتأجيل أمر قد قدره الله - لتخويف الجهال والضعفاء من سراب كاذب.
* 26 فبراير 2012http://www.almaqreze.net/ar/news.php?readmore=1645 | |
|